وقالت مصادر من "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، لـ"العربي الجديد"، إن "هذا الحديث هو بمثابة محاولة من قيادات كل من "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" لرصّ صفوف نوابهما ودفعهم للموافقة على التعديلات، وخاصة أن التوجه لانتخابات مبكرة يحمل في طياته تهديدا للنواب الحاليين بإمكانية عدم ترشيحهم على قائمة الأحزاب في الانتخابات المبكرة، وبالتالي خسارتهم لمقعدهم البرلماني".
وفي السياق، أكد الرئيس التركي أنه يفضل أن ينتهي العمل على التعديلات الدستورية في البرلمان "بشكل سلس"، دون أن يستبعد "إمكانية التوجه إلى انتخابات مبكرة في حال حصل استعصاء في البرلمان".
وقال أردوغان: "حتى الآن تم تمرير ثماني مواد، وأتمنى أن يتم باقي العمل في حالة من الهدوء، وعبر الالتزام بآداب الديمقراطية. سينتهي العمل الأسبوع المقبل، وبعد ذلك سيذهب الموضوع إلى صاحبه، وهو الشعب"، مضيفا: "مهما كان القرار الذي سيتخذه الشعب سنلتزم به جميعا وسنواجهه بالاحترام… وفي حال لم يعد البرلمان قادرا على العمل، عندها يمكننا التفكير بالانتخابات المبكرة".
وكان زعيم حزب "الحركة القومية"، دولت بهجلي، أول من افتتح الحديث في هذا الشأن أمس الخميس، بالتأكيد على أنه "لا بد من التوجه إلى انتخابات مبكرة في حال فشل البرلمان في تمرير التعديلات الدستورية المقترحة"، وشدد: "إن لم يتم تمرير التعديلات الدستورية في البرلمان، فإن السلطة التشريعية ستكون غير قادرة على العمل، وستفتقد إلى الأرضية التي تخولها ذلك، وهذا يعني بأن لا بد من العودة إلى إرادة الشعب"، الأمر الذي أكده أيضاً رئيس اللجنة البرلمانية للدستور، والنائب عن "العدالة والتنمية"، مصطفى شنتوب.
شنتوب أوضح: "إن لم يتم تمرير التعديلات الدستورية في الجمعية العامة، عندها لنقل إنه لا أحد يريد الانتخابات، ولكن تركيا ستكون مجبرة للتوجه إلى الانتخابات"، مضيفاً: "إن مثل هكذا انتخابات قد تكون في الربيع أو الخريف المقبل، لكن يجب أن تحصل، فلا أحد سيستطيع أن يمنع ذلك".
وأكدت مصادر مطلعة في "العدالة والتنمية" أن "حديث بهجلي عن الانتخابات المبكرة يستهدف رص صفوف نواب حزبه لمنعهم من رفض التعديلات الدستورية"، مضيفة: "تصريحاته جاءت في اليوم الذي كان من المفترض أن يتم إقرار المادة الثامنة من التعديلات الدستورية، والتي تعتبر أهم بنود التعديلات، والمتعلقة بتحويل جميع الصلاحيات التنفيذية من رئيس الوزراء إلى رئيس الجمهورية، حيث كانت هذه التصريحات بمثابة تهديد لنواب الحركة القومية الذين يفكرون بالتمرد والتصويت على رفضها، الأمر الذي كان سيتحول إلى ضربة كبيرة لقيادة بهجلي للحزب، وكذلك إلى أزمة مع الحكومة التي كانت ستعتبر التوافقات مع بهجلي فخا سياسيا كبيرا من الأخير".
وذكرت المصادر: "الانتخابات المبكرة ستسمح لبهجلي بمعاقبة كل الذين خالفوا القرار الحزبي، عبر عدم وضع أسمائهم في القوائم الحزبية، وبالتالي خسارتهم لمقعدهم البرلماني، الأمر الذي فعله فيما مضى مع عدد من النواب، ومنهم قيادات كبيرة، مثل رئيس البرلمان السابق ميريل أكشنير".
وعن إمكانية أن تكون التهديدات أيضا موجهة لنواب "العدالة والتنمية"، نفى المصدر الأمر، بالقول: "لقد كانت هناك معارضة في الحزب لبعض بنود التعديلات الدستورية، إلا أن رئيس الحزب، بن علي يلدريم، تمكن من تسوية الأمر بإجراء بعض التعديلات، وبالفعل تم التوصل إلى معادلة أرضت المعترضين، وتم تقديم التعديلات بعد إجراء الروتوشات اللازمة عليها".
من جانبه، نفى مصدر من "الحركة القومية"، لـ"العربي الجديد"، أن تكون تصريحات بهجلي تهديدا لنواب الحزب، موضحا: "لم يكن السيد بهجلي مضطرا لإرسال التهديدات لنواب حزبه عبر الإعلام. الأصوات الرافضة للتعديلات الدستورية واضحة تماما، ولا تتجاوز الخمسة نواب، وقد أكدوا بكل وضوح أنهم سيرفضون التعديلات الدستورية. ثم إنه إن كانت تصريحات بهجلي تهديدا لنواب الحركة القومية، هل يمكن اعتبار تصريحات الرئيس أردوغان اليوم أيضا تهديدا لنواب العدالة والتنمية"؟
وأضاف: "إن بهجلي تحدث عن نتائج طبيعية في أي ديمقراطية يجب التفكير بها في حال فشل البرلمان في تمرير تعديلات دستورية بهذا الحجم، إذ إنه من الطبيعي التوجه إلى انتخابات مبكرة في حال حصول استعصاء في البرلمان، الأمر الذي لا أظن أن هناك من يرغب به".
من جهته، عبر حزب "الشعب الجمهوري"، أكبر أحزاب المعارضة، عن تفضيله التوجه إلى انتخابات مبكرة بدل إحداث تغييرات في نظام الحكم، فيما أبدى حزب "الشعوب الديمقراطي" ( الجناح السياسي لـ"العمال الكردستاني") تشكيكه في رغبة الحكومة التركية بالتوجه إلى انتخابات مبكرة، وذلك في معرض رد الحزبين على تصريحات رئيس حزب "الحركة القومية" بشأن إمكانية التوجه إلى انتخابات مبكرة.
وأكد رئيس الكتلة البرلمانية لـ"الشعب الجمهوري"، أوزعور أوزال، في وقت متأخر من يوم أمس، على رغبة حزبه التوجه إلى انتخابات مبكرة بدل تمرير التعديلات الدستورية المقترحة، وأوضح أنه "بعد محاولة تغيير نظام الحكم اليوم، نحن كحزب نقدم دعما كاملا للتوجه إلى انتخابات مبكرة"، مشيرا إلى أنه يتحدث نيابة هن زعيم الحزب، كمال كلجدار أوغلو.
من جانبه شكك أيهان بيلغين، المتحدث باسم "الشعوب الديمقراطي"، بنية الحكومة التركية التوجه إلى انتخابات مبكرة، مشيرا إلى أنها مصرة على تمرير التعديلات الدستورية.
وقال بيلغين: "لن يتم اتخاذ قرار التوجه إلى نتخابات مبكرة في البرلمان، ولكننا نقول إننا نفضل ذلك، حتى إنه يمكنهم رفع العتبة البرلمانية إلى 15 بالمائة"، في إشارة إلى تشكيك معظم استطلاعات الرأي بإمكانية تجاوز "الشعوب الديمقراطي" للعتبة البرلمانية المحددة بالحصول على عشرة بالمائة من عموم الأصوات.
في غضون ذلك، مرّر البرلمان التركي، في وقت متأخر من الخميس وفجر الجمعة، ثلاث مواد من التعديلات الدستورية تعتبر لبّ هذه التعديلات، وهي تلك المتعلقة بصفات رئيس الجمهورية وصلاحياته، وكذلك صلاحيات البرلمان.
وبحسب المادة السادسة من التعديلات الدستورية، سيخسر البرلمان صلاحيته المتعلقة بسحب الثقة من السلطة التنفيذية، وستنحصر صلاحياته بعقد جلسات في الجمعية العامة لمناقشة القضايا التي يرى ضرورة منافشتها، وسيسمح للبرلمانيين بتقديم أسئلتهم بشكل مكتوب إلى الوزراء ونواب الرئيس، ليقوموا بالرد عليها خلال فترة أقصاها 15 يوما، حيث تم تمرير المادة بموافقة 343 نائبا ورفص 137.
ووافق البرلمان على تمرير المادة السابعة من التعديلات، والتي تحدد المواصفات التي يجب أن يتصف بها المرشح لرئاسة الجمهورية، وهي أن يبلغ من العمر 40 عاما، وأن يكون حاصلا على شهادة جامعية، ويحمل الجنسية التركية، ويمتلك المواصفات التي تخوله الترشح إلى البرلمان التركي، وسمحت للرئيس بالحفاظ على صلاته الحزبية، حيث وافق على التعديل 340 نائبا ورفضه 136.
كما مرر البرلمان، أيضا، المادة الثامنة بالتعديلات الدستورية، والخاصة بنقل صلاحيات رئيس الوزراء لرئاسة الجمهورية، مانحة الأخير الحق بإصدار مراسيم تشريعية على أن لا تتناول الحقوق والحريات الأساسية، ولا تخالف الدستور، وتفقد صلاحياتها في حال أصدر البرلمان قانونا معاكسا لها، وكذلك حق تعيين الوزراء ونواب رئيس الجمهورية، حيث نالت المادة موافقة 340 نائبا ورفض 135 آخرين.