التلفزيون السعودي: يرفع البطاقة الحمراء

27 مارس 2015
مسلسل "كلام الناس" (العربي الجديد)
+ الخط -


حملت ثلاثة مسلسلات سعودية للموسم الرمضاني المقبل بمضمونها وشكلها الفني ما يؤشر إلى أنّه لم يجرِ التراجع عن دعم الدراما السعودية، وإنّما رُفعت البطاقة الحمراء لاستنزافه إنتاجياً بلا مردود مالي وفني.

وحدهم من لا يقرأون اعتبروا خطوة تقليص الإنتاج الدرامي من قبل التلفزيون السعودي هذا العام إجراءً مفاجئاً. فالمتتبّع للتصريحات العلنية التي يصدرها مسؤولو التلفزيون منذ نحو عامين، يدرك أن ما انتهى إليه حجم الإنتاج الدرامي اليومي، كان نتيجة محتملة لصرخات تحذيرية أطلقها هؤلاء، ولكنها لم تجد آذاناً صاغية من قبل المنتجين السعوديين، ما اضطر التلفزيون إلى اللجوء لسياسة "آخر العلاج الكي"، بتقليص حجم الإنتاج.

كان رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودي، عبد الرحمن الهزاع، قد أبدى في تصريح إعلامي في يوليو/ تموز 2013، استغرابه من مستوى الكثير من الأعمال والأسماء التي لم تكن بمقدار الطموح، وكان الرجل متساهلاً تجاه تلك الأعمال، لدرجة أنّه اعتبر إنتاجها "تجربة"، على حد تعبيره، وأنّ "الأمر سيكون مختلفاً في المستقبل، من حيث وضع معايير هامة ومناسبة للأعمال التي سيتم الموافقة عليها".

دبلوماسية الهزاع لم تمنعه وقتها من التلميح إلى جذر المشكلة، حين قال لمحاوره: "تخيّل كل ممثل لدينا لديه شركة إنتاج، والكل قدم لي عملاً أو عملين"! وأخيراً، عاد الرجل ليكرّر الحديث ذاته في تصريحات صحافية ينتقد الغالبية من الممثلين السعوديين ممّن "يريدون أن يكونوا منتجين وأبطال". كلام رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودي عقب الموسم الرمضاني 2013، بدا كما لو لم يقرأه أحد. إذ تلقّت الهيئة في مرحلة التحضير للموسم الرمضاني 2014 أكثر من 158 فكرة مشروع درامي وإعلامي من قبل منتجين سعوديين، وفي مقدمتهم عدد من الممثلين/ المنتجين ممّن باتوا شبه حاضرين دائمين على قائمة "التعميد" السعودية، مثل حسن عسيري، فهد الحيان، وعبد الله السدحان.

إلاّ أنّ الرياح لم تأت هذه المرة كما تشتهي رغبات هؤلاء. إذ أحدث التلفزيون السعودي شبه انقلاب عليهم بإقصاء عدد منهم تحت عنوان عريض "تجديد شباب الدراما السعودية"، فخرج من قائمة التعميد كل من عبد الله السدحان وفهد الحيان وعبد الخالق الغانم لصالح أسماء إنتاجية شابة منها فيصل العيسى وعلي إبراهيم ومشعل المطيري وخالد الخرينق وخالد المسيند، لكن ما الذي تغيّر؟

لا تحولات كبيرة طرأت على صورة الدراما السعودية بتجديد شباب منتجيها، باستثناء نجاح عدد قليل من الأعمال. لم تفلح قائمة التعميد الجديدة إلاّ بإيقاف دراما الأجزاء التي كانت تمضي برغبة أبطالها المنتجين لا بقوة دفع نجاحها الجماهيري أو النقدي.

صورة الدراما السعودية، كما كرّستها قوائم تعميد التلفزيون خلال السنوات الأخيرة، بدت أسيرة أسماء عدد من النجوم/ المنتجين، الأمر الذي شجّع هؤلاء على التحول من تقديم دراما سعودية متنوعة إلى مشاريع شخصية ضمن الدراما السعودية، وإلاّ ما معنى أن تطغى مسلسلات الحلقات المنفصلة الاجتماعية الساخرة الناقدة على شكل هذا الإنتاج، وأن تبدو هذه الأعمال استنساخاً على نحو متفاوت عن سلسلة "طاش ما طاش" الشهيرة..؟ وهل يوحي تشابه الشكل الفني لهذه المسلسلات بتكاملها، أو بكونها تعود لجهة إنتاجية واحدة هي التلفزيون السعودي؟

غياب التكامل بين الأعمال السعودية المنتجة تزامن مع غياب البطولات الجماعية عنها، وهو ما بدا نتيجة طبيعية لحالة التفرّد التي كرّسها المنتجون/ النجوم. فالمشاريع الشخصية تفترض إقصاء الجماعة لصالح الفرد، ومن لم يقصِه النجم/ المنتج صاحب المشروع، ابتعد هو ليؤسس مشروعه الدرامي الشخصي، بطلاً ومنتجاً، حتى صار لكل نجم سعودي (معظمهم) شركة إنتاج ومسلسلات.

مع تراجع الفضائيات الخليجية عن تبني نجوم الدراما السعودية أو تقليص حجم تعاقداتها معهم، اقتصرت مهمة استيعاب الحصة الأكبر من المؤسسات وشركات الإنتاج الفنية في المملكة على التلفزيون السعودي. ويبدو أنّ هذا الأخير قد وضع أخيراً حداً لاستنزافه من قبل النجوم/ المنتجين، فحدّد أولوياته الإنتاجية مستفيداً من (تجربة) الموسم الرمضاني 2013 وما قبله، ومن النتائج التي أفضى إليها إقصاء أصحاب الحضور المزمن من المنتجين المنفذين على قائمة أعماله في الموسم الرمضاني 2014، ويبدو أنّه خلص إلى ثلاثة محدّدات، أغفلت ضمنياً اسم النجم/ المنتج، وركّزت على جودة العمل، وميزانيته المناسبة وقدرته على حشد أكبر عدد من الفنانين السعوديين النجوم. ووفق هذه المحددات، تبنّى التلفزيون السعودي هذا العام إنتاج أعماله، فكانت الحصيلة ثلاثة أعمال فقط.

العمل الأول، كان الجزء الرابع من مسلسل "شباب البومب" للمنتج الشاب فيصل العيسى، والمسلسل كان فرض وجوده هذا العام بعد نجاح كبير حقّقه الجزء الثالث منه أهّله ليدرج ضمن الأعلى نسب مشاهدة على اليوتيوب. ويكتسب" شباب البومب" أهميته أيضاً من كونه صناعة شبابية، ويؤكده فريق العمل بتوجههم للبحث عن المواهب الشابة للمشاركة في العمل عبر أجزائه المتعددة.

أما العمل الثاني، فهو مسلسل "منا وفينا" للمنتج خالد المسيند. ورغم أنّ الشكل الفني للمسلسل يتقاطع على نحو كبير مع مسلسل "طاش ما طاش"، إلاّ أنّه يكتسب شرعية إنتاجه هذا العام بوصفه عودة إلى زمن الدراما السعودية الجميل، حين كان يحتشد عدد كبير من نجوم الدراما السعودية في بطولة جماعية.

أما العمل الثالث، فهو مسلسل تاريخي ينتجه ماجد العبيد، والمسلسل الذي حمل اسم "ورقة التوت" يبدو بمثابة خروج من شرنقة المادة المحلية التي أسرت الدراما السعودية نفسها خلال السنوات الأخيرة، وعجزت من خلالها عن مغازلة الفضائيات العربية. وتجسد شخصيات العمل نخبة من نجوم الدراما المصرية والسعودية. تبقى الأمور بخواتيمها، وإن كانت مقدمات التلفزيون السعودي الإنتاجية مختلفة هذا العام، فنأمل أن يحمل لنا العرض الجديد ما يعيد شيئاً من الصورة الذهبية للدراما السعودية. 
المساهمون