فرح المنصوري، موظفة حكومية في العراق، تقاضت راتبها الشهري بعد الاقتطاع منه بقرار إداري. تقول في اتصال مع "العربي الجديد": "بعد تزويدنا بكشوفات الرواتب، تبين وجود انخفاض في قيمة الراتب، وهو الأول في سلم الرواتب، حيث إن الأرقام في الكشوفات، تظهر في الحقل الواحد من الأعلى، الراتب القديم، فيما في الأسفل يُشار إلى الراتب الجديد الذي نتقاضاه، وهو مدون بخط اليد، إضافة إلى استقطاع نسبة 6% للأشهر اللاحقة". وتضيف: "عند إضافة الزيادة المتوقعة في الأسعار، فإن ذلك يعني وصول نسبة الخفض مقارنة مع نسبة التضخم إلى 50% من قيمة رواتبنا الفعلية".
تؤكد المنصوري على أنها لا تتوقع تحسن الأوضاع في ظل الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة. وترى أن ما تسعى إليه الحكومة، يهدف إلى قبول فكرة الخصخصة في جميع مؤسسات القطاع العام، مشيرة إلى أن "هذه الخطوة وغيرها من المعالجات لن تكون نافعة في ظل وجود الفاسدين، وعدم إحالتهم إلى القضاء، واسترداد ما سرقوه من أموال خلال الأعوام الماضية". وتتساءل: "ما ذنبنا كموظفين صغار أن ندفع ضريبة تخبط الدولة واستشراء الفساد في كل مفاصلها"؟
قبل أيام، حذر وزير المال العراقي هوشيار زيباري من وضع مالي في العراق وصفه بأنه "أصعب من أي وضع سابق". وقال زيباري في تصريح أوردته صحيفة ذا غارديان البريطانية: "نرغب في التخلص من اعتمادنا على النفط، ونرغب في تحضير الناس للتغيير ولإجراءات جديدة غير معتادين عليها".
قبل ذلك، وفي 16 فبراير/ شباط الماضي، قال رئيس الوزراء حيدر العبادي: "هناك فضائيون (أسماء وهمية) يتقاضون رواتب في الحشد الشعبي، بدلاً من المقاتلين في ساحات المعركة". واتهم العبادي جهات لم يسمها بامتلاك جزء صغير من المقاتلين في الحشد الشعبي لكنها تتقاضى رواتب كبيرة لتمول نفسها في الانتخابات المقبلة.
يأتي ذلك في الوقت، الذي أقرت الحكومة إجراءات جديدة من شأنها تخفيض رواتب العمال والموظفين الحكوميين، وفسخ عدد كبير من عقود المتعاقدين، إضافة إلى فرض رسوم إضافية مقابل الخدمات المقدمة للمواطنين، بما في ذلك الخدمات الصحية، مما يزيد من أعباء العراقيين، ويكرس حالة الركود الاقتصادي التي يمر بها البلد.
النزوح والحرب
علي إسماعيل، موظف حكومي، نزح إلى بغداد بسبب الظروف الأمنية السيئة في منطقته الساخنة. يقول في اتصال مع "العربي الجديد": "خروجنا الاضطراري من ديارنا وبيوتنا، أضاف إلينا أعباءً مالية جديدة، منها تغطية نفقات الانتقال إلى بغداد، والتي تعتبر رحلة شاقة ومكلفة، تكتنفها بعض المخاطر. كما أن النزوح إلى بغداد، يتطلب استئجار مسكن، ناهيك عن المصاريف اليومية، وكلفة المواد الأساسية التي تناهز الضعف عن الأسعار الموجودة في مناطقنا".
يضيف إسماعيل: "في ظل هذه الظروف السيئة، تأتي قرارات الحكومة العراقية لتزيد أوضاعنا سوءاً، بدلاً من أن تكون عوناً لنا في محنتنا". ويتساءل إسماعيل عن كل الأموال التي دخلت إلى الخزينة العراقية خلال أكثر من عقد من الزمان. ويقول:" أين ذهبت هذه الأموال؟ ولماذا لم يستفد الشعب العراقي منها عند وفرتها؟ في حين تلجأ الحكومة إلى سد العجز الحاصل الآن عبر الخصم من رواتب الموظفين والعمال وزيادة الأعباء الاقتصادية عليهم".
ويذكر مصدر في البرلمان العراقي (فضل عدم الكشف عن هويته) لـ "العربي الجديد"، أنه "كلما طرأت فكرة عند أحد المسؤولين أو مستشاريهم يقومون بإضافتها للموازنة، وتعتبر من المسلمات. والأدهى أن عدم الأخذ بهذه الأفكار، يأخذ أبعاداً شخصية، ويجرنا إلى مناكفات طائفية أو عرقية أو حزبية".
ويعزو المصدر السبب الرئيس للأزمة إلى وضعية البنك المركزي، حيث إن من يتولى رئاسة المصرف، يتعامل مع البنك كجهة رقابية على المال ويكتفي بذلك، دون مراقبة طرق الإنفاق وأسبابه ونتائجه الفعلية مثلاً، ومدى موافقتها مع احتياجات البلد وواقعها.
أما حول المسؤول عن هذه الأزمة، فيذكر المصدر جهتين رئيسيتين، "الأولى متمثلة في مجلس الوزراء الذي استهلك المال العام، دون أثر يذكر على أرض الواقع. كما استهلك احتياطي الطوارئ، مرة بحجة المصالحة الوطنية، ومرة بحجة الحشد الشعبي، رغم أن منتسبي الحشد ادعوا أنهم لم يستلموا شيئاً، ومرة أخرى، بحجة محاربة داعش".
ويتابع: "أما الجهة الثانية المسؤولة فتتمثل في البنك المركزي الذي استهلك الاحتياطي الذي لم تكن الحكومة تجرؤ على المساس به، وكان يحافظ على قيمة العملة، لكن مع غياب المتخصصين، وإفراغ البنك من مديريه القدامى، وتعيين آخرين بلا خبرة، بل وفق مصالح شخصية، بدءاً من مجلس الإدارة، وانتهاء بأبسط مدير عام، ساهم في ضياع وتبديد الكثير من الأموال العراقية".
أزمة النفط
كما يشير المصدر إلى أن انخفاض أسعار النفط ساهم في تفاقم الأزمة. فقد كانت تبنى الموازنة العامة للبلاد على أساس 100 دولار للبرميل، فيما يباع النفط في الأسواق بسعر 70 دولاراً. حتى حين تبنى على سعر 70 دولاراً فإن السعر العالمي يكون عند 50 دولاراً".
ويوضح المصدر أن الحكومة لم تهتم للاقتصاد الوطني، ولم تقرأ المعطيات الاقتصادية محلياً ودولياً، وتعاملت مع الموازنة كصندوق مصروفات أكثر منه نظاماً محاسبياً. فلم تقفل الحسابات الختامية لأي وزارة منذ مجيء رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في العام 2006، كما لم تتم معاقبة المقصرين من المتعاقدين مع الدولة. ووفق المصدر، فقد أصبحت تكلفة تأهيل مدرسة على سبيل المثال، توازي تكلفة بناء جامعة جديدة بسبب المافيات والمستفيدين، حيث كان لكل عقد مستفيد أول وثان وثالث، مما أثقل كاهل الموازنات العامة، وحرم البلد من فرص الاستثمار التي كانت كفيلة بخروج البلد من دائرة الاقتصاد الريعي.
من جهة أخرى، أثار التصرف الأخير الذي قام به وزير المال هوشيار زيباري بزيارته المرجع الديني علي السيستاني مطلع الشهر الحالي في النجف، وإطلاعه على الحسابات المالية الكاملة سخط وسخرية المواطنين، بخاصة بعدما أوضح زيباري أن السيستاني كان جاداً في إحداث تغيير. وقد تساءل العراقيون عن علاقة رجل دين غير متخصص بالعلوم المالية بهذه الحسابات، وفيما إذا كان البلد في طريقه ليصبح دولة ثيوقراطية.
اقرأ أيضاً:الأزمات العراقية: الحد الأدنى يساوي 5 غرامات ذهب
تؤكد المنصوري على أنها لا تتوقع تحسن الأوضاع في ظل الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة. وترى أن ما تسعى إليه الحكومة، يهدف إلى قبول فكرة الخصخصة في جميع مؤسسات القطاع العام، مشيرة إلى أن "هذه الخطوة وغيرها من المعالجات لن تكون نافعة في ظل وجود الفاسدين، وعدم إحالتهم إلى القضاء، واسترداد ما سرقوه من أموال خلال الأعوام الماضية". وتتساءل: "ما ذنبنا كموظفين صغار أن ندفع ضريبة تخبط الدولة واستشراء الفساد في كل مفاصلها"؟
قبل أيام، حذر وزير المال العراقي هوشيار زيباري من وضع مالي في العراق وصفه بأنه "أصعب من أي وضع سابق". وقال زيباري في تصريح أوردته صحيفة ذا غارديان البريطانية: "نرغب في التخلص من اعتمادنا على النفط، ونرغب في تحضير الناس للتغيير ولإجراءات جديدة غير معتادين عليها".
قبل ذلك، وفي 16 فبراير/ شباط الماضي، قال رئيس الوزراء حيدر العبادي: "هناك فضائيون (أسماء وهمية) يتقاضون رواتب في الحشد الشعبي، بدلاً من المقاتلين في ساحات المعركة". واتهم العبادي جهات لم يسمها بامتلاك جزء صغير من المقاتلين في الحشد الشعبي لكنها تتقاضى رواتب كبيرة لتمول نفسها في الانتخابات المقبلة.
يأتي ذلك في الوقت، الذي أقرت الحكومة إجراءات جديدة من شأنها تخفيض رواتب العمال والموظفين الحكوميين، وفسخ عدد كبير من عقود المتعاقدين، إضافة إلى فرض رسوم إضافية مقابل الخدمات المقدمة للمواطنين، بما في ذلك الخدمات الصحية، مما يزيد من أعباء العراقيين، ويكرس حالة الركود الاقتصادي التي يمر بها البلد.
النزوح والحرب
علي إسماعيل، موظف حكومي، نزح إلى بغداد بسبب الظروف الأمنية السيئة في منطقته الساخنة. يقول في اتصال مع "العربي الجديد": "خروجنا الاضطراري من ديارنا وبيوتنا، أضاف إلينا أعباءً مالية جديدة، منها تغطية نفقات الانتقال إلى بغداد، والتي تعتبر رحلة شاقة ومكلفة، تكتنفها بعض المخاطر. كما أن النزوح إلى بغداد، يتطلب استئجار مسكن، ناهيك عن المصاريف اليومية، وكلفة المواد الأساسية التي تناهز الضعف عن الأسعار الموجودة في مناطقنا".
يضيف إسماعيل: "في ظل هذه الظروف السيئة، تأتي قرارات الحكومة العراقية لتزيد أوضاعنا سوءاً، بدلاً من أن تكون عوناً لنا في محنتنا". ويتساءل إسماعيل عن كل الأموال التي دخلت إلى الخزينة العراقية خلال أكثر من عقد من الزمان. ويقول:" أين ذهبت هذه الأموال؟ ولماذا لم يستفد الشعب العراقي منها عند وفرتها؟ في حين تلجأ الحكومة إلى سد العجز الحاصل الآن عبر الخصم من رواتب الموظفين والعمال وزيادة الأعباء الاقتصادية عليهم".
ويذكر مصدر في البرلمان العراقي (فضل عدم الكشف عن هويته) لـ "العربي الجديد"، أنه "كلما طرأت فكرة عند أحد المسؤولين أو مستشاريهم يقومون بإضافتها للموازنة، وتعتبر من المسلمات. والأدهى أن عدم الأخذ بهذه الأفكار، يأخذ أبعاداً شخصية، ويجرنا إلى مناكفات طائفية أو عرقية أو حزبية".
ويعزو المصدر السبب الرئيس للأزمة إلى وضعية البنك المركزي، حيث إن من يتولى رئاسة المصرف، يتعامل مع البنك كجهة رقابية على المال ويكتفي بذلك، دون مراقبة طرق الإنفاق وأسبابه ونتائجه الفعلية مثلاً، ومدى موافقتها مع احتياجات البلد وواقعها.
أما حول المسؤول عن هذه الأزمة، فيذكر المصدر جهتين رئيسيتين، "الأولى متمثلة في مجلس الوزراء الذي استهلك المال العام، دون أثر يذكر على أرض الواقع. كما استهلك احتياطي الطوارئ، مرة بحجة المصالحة الوطنية، ومرة بحجة الحشد الشعبي، رغم أن منتسبي الحشد ادعوا أنهم لم يستلموا شيئاً، ومرة أخرى، بحجة محاربة داعش".
ويتابع: "أما الجهة الثانية المسؤولة فتتمثل في البنك المركزي الذي استهلك الاحتياطي الذي لم تكن الحكومة تجرؤ على المساس به، وكان يحافظ على قيمة العملة، لكن مع غياب المتخصصين، وإفراغ البنك من مديريه القدامى، وتعيين آخرين بلا خبرة، بل وفق مصالح شخصية، بدءاً من مجلس الإدارة، وانتهاء بأبسط مدير عام، ساهم في ضياع وتبديد الكثير من الأموال العراقية".
أزمة النفط
كما يشير المصدر إلى أن انخفاض أسعار النفط ساهم في تفاقم الأزمة. فقد كانت تبنى الموازنة العامة للبلاد على أساس 100 دولار للبرميل، فيما يباع النفط في الأسواق بسعر 70 دولاراً. حتى حين تبنى على سعر 70 دولاراً فإن السعر العالمي يكون عند 50 دولاراً".
ويوضح المصدر أن الحكومة لم تهتم للاقتصاد الوطني، ولم تقرأ المعطيات الاقتصادية محلياً ودولياً، وتعاملت مع الموازنة كصندوق مصروفات أكثر منه نظاماً محاسبياً. فلم تقفل الحسابات الختامية لأي وزارة منذ مجيء رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في العام 2006، كما لم تتم معاقبة المقصرين من المتعاقدين مع الدولة. ووفق المصدر، فقد أصبحت تكلفة تأهيل مدرسة على سبيل المثال، توازي تكلفة بناء جامعة جديدة بسبب المافيات والمستفيدين، حيث كان لكل عقد مستفيد أول وثان وثالث، مما أثقل كاهل الموازنات العامة، وحرم البلد من فرص الاستثمار التي كانت كفيلة بخروج البلد من دائرة الاقتصاد الريعي.
من جهة أخرى، أثار التصرف الأخير الذي قام به وزير المال هوشيار زيباري بزيارته المرجع الديني علي السيستاني مطلع الشهر الحالي في النجف، وإطلاعه على الحسابات المالية الكاملة سخط وسخرية المواطنين، بخاصة بعدما أوضح زيباري أن السيستاني كان جاداً في إحداث تغيير. وقد تساءل العراقيون عن علاقة رجل دين غير متخصص بالعلوم المالية بهذه الحسابات، وفيما إذا كان البلد في طريقه ليصبح دولة ثيوقراطية.
اقرأ أيضاً:الأزمات العراقية: الحد الأدنى يساوي 5 غرامات ذهب