تدور حرب أخرى في اليمن، لا تقلّ أهمية عن حرب الصواريخ والغارات والاشتباكات البرية. هي حرب إعلامية أو بالأحرى حرب شائعات وتضليل وأكاذيب من شأنها أحياناً تغيير وضعيات ميدانية بشكل كبير، يحاول كل طرف فيها تقديم روايته للأحداث عارضاً جزءاً من الحقيقة مقابل إخفاء الجزء الآخر. وصل الأمر إلى حد إسكات منابر إعلامية. وتلقى الحوثيون ضربة موجعة في هذا الجزء من الحرب بعد توقيف بثّ قناة المسيرة على القمر الصناعي نايل سات ليتحول بثها إلى أحد الأقمار الروسية، من دون أن يصل إلى شريحة واسعة من المستهدفين.
يعاني الحوثيون من ضعف في ما يتعلق بالمواقع الإخبارية المحسوبة عليهم، وهو ما جعل من مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً "فايسبوك" أداة رئيسية ليس فقط لتداول أحدث أخبار الميدان بل أيضاً لتتحول إلى مصدر أساسي للشائعات من دون أن يكون الأمر حكراً عليهم، على غرار ما حدث لدى وقوع مجزرة التواهي في عدن بداية الشهر الماضي، والتي اتهم الحوثيون بارتكابها قبل أن يتحول الحديث عن المجزرة وضحاياها إلى اللغط الذي أثير حول الصور المتداولة للقتلى والتي تبين أن بعضها مأخوذ من غزة وليبيا.
اقرأ أيضاً: اليمن ــ السعودية: الحرب تجتاز الحدود
في المقابل، فإن أحدث السجالات اليوم في اليمن تتركز على اللغط المثار من قبل الحوثيين حول أحدث تقارير/بيانات منظمة العفو الدولية عن الإصابات، التي تتسبب بها المضادات الأرضية للحوثيين وحلفائهم.
الدخول إلى موقع المنظمة واختيار اليمن سيقود فوراً إلى صفحة تتضمن مجموعة تقارير مرتبطة بأوضاع المدنيين منذ بداية العمليات العسكرية للتحالف العشري بينها "اليمن: مقتل وإصابة عشرات المدنيين جراء نيران المدافع المضادة للطائرات والقصف الجوي الذي استهدف مخازن الأسلحة". نقرة إضافية على العنوان يصبح التقرير/البيان متاحاً. من قرأه استطاع أن يدرك أن معدّته "لما فقيه، كبيرة مستشاري شؤون الأزمات بمنظمة العفو الدولية" كما يظهر من فقراته التي تعرّف بها. أما من لم يقرأوه واكتفوا بترديد ما بدأ في الانتشار على أبرز صفحات قيادات في الجماعة أو محسوبين عليها، فبدأوا في الهجوم ضمن مسارين: الأول يستهدف المنظمة بوصفها "تغض الطرف عن ضحايا الغارات الجوية"، متجاهلين وجود 10 تقارير باللغة العربية تتطرق إلى مسار العمليات العسكرية في اليمن، نصفها تحديداً يتطرق إلى ضحايا الغارات الجوية بينها تقرير يصفها بـ"الوحشية". أما المسار الثاني فكان استهداف الناشطة رضية المتوكل (ابنة الراحل محمد المتوكل)، بوصفها من أعدت التقرير على الرغم من عدم ورود اسمها بالمطلق.
هذا التضليل، ليس سوى غيض من فيض الأسلوب الذي تعتمده الجماعة منذ أشهر طويلة، وبشكل خاص منذ بداية العمليات العسكرية. في 26 مارس/آذار، أعلنت مصادر في الجماعة لوكالة "الأناضول" أنه تم إسقاط طائرة سودانية كانت تشارك في القتال وأسر قائد الطائرة. على الرغم من تداول صور لحطام الطائرة المزعومة وحتى صور للطيار مع ما رافق هذا الأمر من حملة تحريض عنصرية ضد السودانيين، سرعان ما تبين أنه لم تسقط أي طائرة سودانية ولا يوجد أي طيار قد تم أسره.
في موازاة ذلك، كان الحوثيون يمهدون لكل محافظة أو مدينة يريدون الدخول إليها بلازمة "سيطرة التكفيريين والدواعش". إنكار وجود تنظيم لـ"القاعدة" في اليمن ضرب من الخيال، لكن ذلك لا يعني على الإطلاق صحة ما يحاول الترويج له الحوثيون بانتشار التنظيم بهذا الشكل حتى يخيل للبعض أن اليمنيين، باستثناء أنصار الحوثيين هم مجرد "دواعش وتكفيريين وقاعدة".
أبرز ضحايا هذه اللازمة كانت مدن تعز والجنوب، وفيهما أيضاً حرص الحوثيون على الترويج لانتصارات وهمية على غرار ما حصل في محافظة الضالع بينما كانت الوقائع على الأرض تؤكد عكس ما تروج له الجماعة.
على الرغم من ذلك، يعتبر مدير البرامج السياسية في قناة المسيرة، حميد رزق، أن جماعة الحوثيين غير مسؤولة سوى عن الأخبار التي تصدر عن مصادرها الرسمية سواء من المكتب السياسي للجماعة أو ما يعلن عنه في القناة. وفيما يشدد في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" على أن مواقع التواصل لا تمثل أداة لنشر الأخبار بالنسبة للجماعة سوى من خلال هذه المصادر المعتمدة، يحاول الدفاع عن أداء القناة، مشيراً إلى أنها "متهمة بأنها تعمل ببطء ولا تتفاعل مع ما يجري بينما هي تتأخر في بعض الأخبار حتى تتحرى دقتها". لكن بالنسبة إلى رزق فإن خبر اسقاط الطائرة السودانية لا يذكر ما إذا كانت القناة قد تطرقت إليه، قبل أن يستدرك بالقول "ما الذي يؤكد فعلاً عن أنه لم تسقط طائرة يومها؟". وعن سبب عدم الكشف عن تفاصيل عن الحقيقة الكاملة لما جرى يقول رزق إن ذلك مرتبط بسياسة إعلامية، فالذي يدير المعركة هو الذي يحدد ما ينشر وما لا ينشر. وفي السياق، يذهب إلى تأكيد وجود أسرى سعوديين لدى الجماعة. كما تطرق إلى مسألة المعتقلين الأميركيين في اليمن الذين كشف عنهم أخيراً.
ويشير رزق في السياق إلى "ترويج أخبار كاذبة منسوبة لقيادات في الجماعة" على غرار ما أشار إلى أنه تم نسبه إلى القيادي محمد ناصر البخيتي عبر صفحة تحمل اسمه على موقع فايسبوك قال فيها إنه تم "أسر وقتل 40 جندياً مصرياً في أول محاولة للتدخل العسكري البري في دوفس على ساحل ابين ما بين شقرة وعدن. حيث قدموا على ظهر أربعة قوارب إنزال يحمل كل قارب عشرة جنود". ويوضح رزق أنه تم الاتصال بالبخيتي الذي نفى أن تكون الصفحة تعود له، لكن البخيتي نفسه في اتصال مع "العربي الجديد" أكد أمس أنه هو من قام بالفعل بنشر الخبر وأن الصفحة تعود إليه بالفعل. وفي سؤال عن سبب عدم تصحيح المعلومة بعدما تبين عدم دقتها اكتفى بالقول "لا أؤكد ولا أنفي صحتها، ويوجد تكتم حول الموضوع".
من جهته، لا يفصل الخبير الإعلامي، نشوان السميري ما يجري منذ اندلاع الحرب الأخيرة عن واقع الإعلامي في اليمن منذ 2011، تاريخ اندلاع الثورة الشبابية، والذي يصفه بأنه "يمر بمرحلة عسيرة بعد أن لجأت معظم الأطراف إلى إعداد مطابخ إعلامية تنشر ما يهدف أهدافها الترويجية"، مؤكداً أن هذا الأمر طبيعي في إطار الدعاية السياسية والدعاية السياسية المضادة". ووفقاً للسميري، فإن "الأمر لا يقتصر على طرف من دون الآخر في اليمن".
كما يوضح أن وسائل التواصل الاجتماعي موجهة، وأصبح هناك ما يمكن وصفه بـ"فرق حربية فايسبوكية" تعمد إلى الدخول للموقع وتوجيه الرأي العام الذي يستخدمه بهدف تحقيق أهداف معينة.
اقرأ أيضاً: اليمن محور اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي
اقرأ أيضاً: اليمن ــ السعودية: الحرب تجتاز الحدود
في المقابل، فإن أحدث السجالات اليوم في اليمن تتركز على اللغط المثار من قبل الحوثيين حول أحدث تقارير/بيانات منظمة العفو الدولية عن الإصابات، التي تتسبب بها المضادات الأرضية للحوثيين وحلفائهم.
الدخول إلى موقع المنظمة واختيار اليمن سيقود فوراً إلى صفحة تتضمن مجموعة تقارير مرتبطة بأوضاع المدنيين منذ بداية العمليات العسكرية للتحالف العشري بينها "اليمن: مقتل وإصابة عشرات المدنيين جراء نيران المدافع المضادة للطائرات والقصف الجوي الذي استهدف مخازن الأسلحة". نقرة إضافية على العنوان يصبح التقرير/البيان متاحاً. من قرأه استطاع أن يدرك أن معدّته "لما فقيه، كبيرة مستشاري شؤون الأزمات بمنظمة العفو الدولية" كما يظهر من فقراته التي تعرّف بها. أما من لم يقرأوه واكتفوا بترديد ما بدأ في الانتشار على أبرز صفحات قيادات في الجماعة أو محسوبين عليها، فبدأوا في الهجوم ضمن مسارين: الأول يستهدف المنظمة بوصفها "تغض الطرف عن ضحايا الغارات الجوية"، متجاهلين وجود 10 تقارير باللغة العربية تتطرق إلى مسار العمليات العسكرية في اليمن، نصفها تحديداً يتطرق إلى ضحايا الغارات الجوية بينها تقرير يصفها بـ"الوحشية". أما المسار الثاني فكان استهداف الناشطة رضية المتوكل (ابنة الراحل محمد المتوكل)، بوصفها من أعدت التقرير على الرغم من عدم ورود اسمها بالمطلق.
هذا التضليل، ليس سوى غيض من فيض الأسلوب الذي تعتمده الجماعة منذ أشهر طويلة، وبشكل خاص منذ بداية العمليات العسكرية. في 26 مارس/آذار، أعلنت مصادر في الجماعة لوكالة "الأناضول" أنه تم إسقاط طائرة سودانية كانت تشارك في القتال وأسر قائد الطائرة. على الرغم من تداول صور لحطام الطائرة المزعومة وحتى صور للطيار مع ما رافق هذا الأمر من حملة تحريض عنصرية ضد السودانيين، سرعان ما تبين أنه لم تسقط أي طائرة سودانية ولا يوجد أي طيار قد تم أسره.
في موازاة ذلك، كان الحوثيون يمهدون لكل محافظة أو مدينة يريدون الدخول إليها بلازمة "سيطرة التكفيريين والدواعش". إنكار وجود تنظيم لـ"القاعدة" في اليمن ضرب من الخيال، لكن ذلك لا يعني على الإطلاق صحة ما يحاول الترويج له الحوثيون بانتشار التنظيم بهذا الشكل حتى يخيل للبعض أن اليمنيين، باستثناء أنصار الحوثيين هم مجرد "دواعش وتكفيريين وقاعدة".
أبرز ضحايا هذه اللازمة كانت مدن تعز والجنوب، وفيهما أيضاً حرص الحوثيون على الترويج لانتصارات وهمية على غرار ما حصل في محافظة الضالع بينما كانت الوقائع على الأرض تؤكد عكس ما تروج له الجماعة.
ويشير رزق في السياق إلى "ترويج أخبار كاذبة منسوبة لقيادات في الجماعة" على غرار ما أشار إلى أنه تم نسبه إلى القيادي محمد ناصر البخيتي عبر صفحة تحمل اسمه على موقع فايسبوك قال فيها إنه تم "أسر وقتل 40 جندياً مصرياً في أول محاولة للتدخل العسكري البري في دوفس على ساحل ابين ما بين شقرة وعدن. حيث قدموا على ظهر أربعة قوارب إنزال يحمل كل قارب عشرة جنود". ويوضح رزق أنه تم الاتصال بالبخيتي الذي نفى أن تكون الصفحة تعود له، لكن البخيتي نفسه في اتصال مع "العربي الجديد" أكد أمس أنه هو من قام بالفعل بنشر الخبر وأن الصفحة تعود إليه بالفعل. وفي سؤال عن سبب عدم تصحيح المعلومة بعدما تبين عدم دقتها اكتفى بالقول "لا أؤكد ولا أنفي صحتها، ويوجد تكتم حول الموضوع".
كما يوضح أن وسائل التواصل الاجتماعي موجهة، وأصبح هناك ما يمكن وصفه بـ"فرق حربية فايسبوكية" تعمد إلى الدخول للموقع وتوجيه الرأي العام الذي يستخدمه بهدف تحقيق أهداف معينة.
ويلفت الخبير والمدرب الإعلامي إلى أن ما يعزز من انتشار الشائعة اللجوء إلى عمليات النسخ واللصق والتلاعب بالعناوين الذي تلجأ إليه بعض المواقع الإخبارية. ويلفت إلى خاصية أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ عادة ما يتم التداول بأخبار كاذبة لا أحد يعمد إلى تصحيحها. كما يشير إلى أن أهمية "جودة" استخدام هذه الوسائل للإقناع بغض النظر عما إذا كان ما ينشر صحيحاً أم لا.
كما يوضح أنه في اليمن يعد موقع فايسبوك أكثر انتشاراً من موقع تويتر وتحول إلى جانب برنامج "واتساب" إلى مصدر أساسي لنقل المعلومات والشائعات. لكن ما يجب الالتفات إليه أيضاً أن عدد اليمنيين الذين يصلون إلى الانترنت ليس كبيراً بالمقارنة مع النسبة السكانية، فضلاً عن البنية التحتية الضعيفة التي تجعله ينحصر في المدن الكبرى، وبالتالي فإن السجال وبثّ الشائعات لا يعني اليمن ككل بشكل عام.اقرأ أيضاً: اليمن محور اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي