09 سبتمبر 2024
التجنيس.. منتخب قطر نموذجاً
أثارت أصواتٌ ناقمة على تحقيق المنتخب القطري بطولة أمم آسيا في كرة القدم قضية اللاعبين القطريين المجنسين، بغرض التقليل من أهمية الإنجاز القطري الرياضي، وكأنهم يرفضون التجنيس جملة وتفصيلا، سواء عبر حصول بعض العرب على جنسياتٍ أوروبية، أو عبر تجنيس دول عربية، وخصوصا قطر، أجانب وعرباً. وعليه، فقد أهمل هذا الحديث حقائقَ كثيرة تدحض أكاذيب العرق الصافي، كما أهمل نجاح تجارب تجنيس الكفاءات التي تحتاجها الدول من أجل استكمال دورتها الاقتصادية وتطوير إمكاناتها. وتسلط هذه المقالة الضوء على قضية التجنيس من زوايا موضوعيةٍ لا تمت للرياضة بصلة، لاعتقاد الكاتب بأنها قضية محورية إقليميا وعالميا، وتعبير عملي عن الترابط العالمي اقتصاديا وثقافيا وإنسانيا. حيث دحض العلم شعاراتٍ كثيرة رائجة تاريخيا، ومنها مقولة "العرق الصافي" التي تشكل عصب المجموعات العنصرية فكريا، سواء قوى اليمين الفاشي الصاعد في دول العالم الأول من أميركا إلى أوروبا، أو تلك القوى والمجموعات الفاشية في منطقتنا العربية. إذ نجح العلم، عبر تطوّر تقنيات التحليل الوراثي، في عرض تاريخنا العرقي، أو بالأصح كشف مكوّنات الفرد العرقية، وفق نسبٍ مئويةٍ لكل منها، وهو ما نفى نظرية العرق الصافي، بعد الفشل في إيجاد إنسان واحد صاف عرقيا. وهو ما يعبر عن تفاعل الأعراق واختلاطها تاريخيا منذ مئات السنوات، سواء نتيجة الحروب واستغلال المجموعات الأضعف، أو نتيجة الهجرات والتنقلات العديدة منذ بداية البشرية.
وبالتالي، يصعب اليوم تأكيد فرنسية الرئيس إيمانويل ماكرون مثلا أو روسية فلاديمير بوتين أو أي شخصيةٍ أخرى، مهما جاهرت باعتزازها بتاريخها العرقي، لأن التاريخ البشري مراحل متداخلة ومتشابكة مع بعضها، أسفرت عن حالات تزاوج واختلاط قسري وطوعي عديدة، فلا أهمية هنا للفصل بينهما، لأن النتيجة واحدة في النهاية. كما صهرت مكونات المجتمع العرقية بفعل الكوارث الطبيعية أو المفتعلة التي ضربتها معا، بما يسمّى اليوم وحدة الألم ووحدة
المصير، ما حول الغريب "الآخر" إلى مكوّن رئيسي من مكونات القبيلة أو العشيرة أو الوطن لاحقا. فضلاً عن أشكال الهجرات النفعية التي يستقدمها الحكام، من أجل الاستعانة بخبرات المستقدمين وإمكاناتهم في عملية البناء والتطوير التي ينشدونها.
إذاً لعب التجنيس أو الانصهار والاختلاط الإنساني الطبيعي أو المفتعل دورا بارزا في نهضة الأمم والأوطان منذ الأزل. وبالتالي يمكن القول إن قضية التجنيس قديمة قدم التاريخ الإنساني، وإن كان تعبير المواطنة والدولة بشكلها الراهن حديث العهد نسبيا، فدائما كانت المجتمعات الإنسانية منفتحةً على الآخر، وخصوصا عندما يمتلك مهاراتٍ يحتاجها المجتمع المحلي في حينه. وهو ما بات يجسد اليوم، عبر قوانين الهجرة التي تنصّ صراحة على طبيعة المهن والمهارات المطلوبة، وخصوصا في دول الهجرة الأشهر، مثل كندا؛ أستراليا، نيوزيلاندا. وبشكلٍ مشابه، تعلن بعض الدول الأوروبية، وخصوصا ألمانيا والدول الاسكندنافية، عن حاجاتها من اليد العاملة وطبيعة مهاراتها أو تخصّصاتها، وعن حاجتها لرفع نسب الشباب في المجتمع. أي تعبر دول العالم المتقدمة، وبكل وضوح، عن المجالات التي يعاني من نقصها المجتمع أو الدولة أو الدورة الاقتصادية، وتتحوّل هذه النقاط إلى مداخل شرعية معلنة لقبول طلبات الهجرة إليها.
لذلك لا يمكن اعتبار إقدام أي دولةٍ على التجنيس، أو فتح باب هجرة الكفاءات إليها، فعلا مدانا، بقدر ما نحتاج إلى ضرورة تحويله إلى إجراءٍ ممنهج يخدم مسار بناء الوطن وتطويره، وخصوصا علميا واقتصاديا وصناعيا، إذ نعلم جميعا حجم الكفاءات العربية الهاربة نحو دولٍ تحترم حقوق الإنسان، وتقدّم الإمكانات الضرورية لها، ما يمكّنها من تطوير ذاتها وإبراز قدراتها بأفضل شكل ممكن. وبالتالي انتشرت هجرة الكفاءات والأيدي الماهرة العربية، حتى تحولت إلى إحدى عوامل تخلفنا وعجزنا عن اللحاق بمسار الحضارة الإنسانية، إذ إن نماذج نجاح الكفاءات العربية في الخارج كثيرة ومتعدّدة، حتى يصعب حصرها جميعا، في حين تغيب أو تندر ملاحظة نجاح أيٍّ منها داخل دولنا العربية، وهو ناجمٌ عن عدم اكتراث النظام العربي بحماية الكفاءات الذاتية وتطويرها، ما يعبر عن ثانوية تطوير المجتمع والدولة وأهمية مواكبة العصر، فضلاً عن غياب القوانين والأنظمة التي تشجع على استقطاب الكفاءات عموما، والعربية خصوصا.
كما تغيب التشريعات المتعلقة بتحسين ظروف اليد العاملة الأجنبية وأوضاعها داخل دولنا العربية، مهما طالت مدة عملها فيها؛ وبغض النظر عمن ولد في إحدى هذه الدول، سيما الخليجية منها التي تستقطب، بفضل إمكاناتها المالية الضخمة، عاملين عديدين إليها. أي لا توجد أطر قانونية تنظر بعيون إنسانية وقانونية إلى حجم الخدمات الكثيرة والمتواصلة التي قدّمها العاملون على مدار سنوات طويلة، حتى لو تجاوزت عشر سنين، ليبقوا جميعا، بنظر القانون والدولة والمجتمع، مجرّد أجانب وافدين لا أكثر، لا يملكون أي امتيازاتٍ طبيةٍ أم تعليميةٍ أم اجتماعيةٍ واقتصادية وقانونية، إذا ما استثنينا الضمان الشخصي الذي قد يقدّمه الكفيل أو المستقدم، فلا فرق بين عاملٍ حديث، لم يمض على خدمته سوى أشهر قليلة، ومن قدّم
خدماته الجليلة للدولة والمجتمع والدورة الاقتصادية الوطنية سنواتٍ عديدة، وفي جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية، أي على مستوى الخدمات الاجتماعية، والمؤسسة التعليمية والصحية.. إلخ، بل على العكس، هم مجبرون على التوجس من مستقبلٍ لا يملكون فيه أي ضمانة، فقد يخسرون أعمالهم بغمضة عين؛ وبالتالي عليهم المغادرة سريعا أو التشبث بأي فرصة عملٍ أخرى، مهما كانت.
في النهاية، نحن مطالبون بطرح قضية التجنيس والهجرة والعمالة الخارجية بجدّية أكبر في الأطر الإعلامية والثقافية والقانونية العربية، بعيداً عن الطرح الكيدي غير الهادف، وذلك بهدف استقطاب المهارات والكفاءات العربية، عبر جذبها إلى مشاريع نهضوية حقيقية، بدلا من دفعها نحو الدول المتقدمة. وعلينا تطوير قوانين العمالة الأجنبية، بالصورة التي تقدّر بها خدماتها على قاعدة تقديس قيمة العمل، وربط مفهوم المواطنة بمفهوم العمل. وأخيرا باستقدام الكفاءات العلمية والصناعية والتربوية القادرة على مساعدتنا في تحقيق النهضة الحقيقية، التي تنقلنا إلى مصاف الدول المتطورة صناعيا وعلميا وخدميا. وبذلك فقط يكون التجنيس خطوة أولى مدروسة، ومخططا لها، في مسار النهضة الشاملة، بدلا من حصره في مجال واحد هامشي، مؤقت، ومحدود الأثر.
إذاً لعب التجنيس أو الانصهار والاختلاط الإنساني الطبيعي أو المفتعل دورا بارزا في نهضة الأمم والأوطان منذ الأزل. وبالتالي يمكن القول إن قضية التجنيس قديمة قدم التاريخ الإنساني، وإن كان تعبير المواطنة والدولة بشكلها الراهن حديث العهد نسبيا، فدائما كانت المجتمعات الإنسانية منفتحةً على الآخر، وخصوصا عندما يمتلك مهاراتٍ يحتاجها المجتمع المحلي في حينه. وهو ما بات يجسد اليوم، عبر قوانين الهجرة التي تنصّ صراحة على طبيعة المهن والمهارات المطلوبة، وخصوصا في دول الهجرة الأشهر، مثل كندا؛ أستراليا، نيوزيلاندا. وبشكلٍ مشابه، تعلن بعض الدول الأوروبية، وخصوصا ألمانيا والدول الاسكندنافية، عن حاجاتها من اليد العاملة وطبيعة مهاراتها أو تخصّصاتها، وعن حاجتها لرفع نسب الشباب في المجتمع. أي تعبر دول العالم المتقدمة، وبكل وضوح، عن المجالات التي يعاني من نقصها المجتمع أو الدولة أو الدورة الاقتصادية، وتتحوّل هذه النقاط إلى مداخل شرعية معلنة لقبول طلبات الهجرة إليها.
لذلك لا يمكن اعتبار إقدام أي دولةٍ على التجنيس، أو فتح باب هجرة الكفاءات إليها، فعلا مدانا، بقدر ما نحتاج إلى ضرورة تحويله إلى إجراءٍ ممنهج يخدم مسار بناء الوطن وتطويره، وخصوصا علميا واقتصاديا وصناعيا، إذ نعلم جميعا حجم الكفاءات العربية الهاربة نحو دولٍ تحترم حقوق الإنسان، وتقدّم الإمكانات الضرورية لها، ما يمكّنها من تطوير ذاتها وإبراز قدراتها بأفضل شكل ممكن. وبالتالي انتشرت هجرة الكفاءات والأيدي الماهرة العربية، حتى تحولت إلى إحدى عوامل تخلفنا وعجزنا عن اللحاق بمسار الحضارة الإنسانية، إذ إن نماذج نجاح الكفاءات العربية في الخارج كثيرة ومتعدّدة، حتى يصعب حصرها جميعا، في حين تغيب أو تندر ملاحظة نجاح أيٍّ منها داخل دولنا العربية، وهو ناجمٌ عن عدم اكتراث النظام العربي بحماية الكفاءات الذاتية وتطويرها، ما يعبر عن ثانوية تطوير المجتمع والدولة وأهمية مواكبة العصر، فضلاً عن غياب القوانين والأنظمة التي تشجع على استقطاب الكفاءات عموما، والعربية خصوصا.
كما تغيب التشريعات المتعلقة بتحسين ظروف اليد العاملة الأجنبية وأوضاعها داخل دولنا العربية، مهما طالت مدة عملها فيها؛ وبغض النظر عمن ولد في إحدى هذه الدول، سيما الخليجية منها التي تستقطب، بفضل إمكاناتها المالية الضخمة، عاملين عديدين إليها. أي لا توجد أطر قانونية تنظر بعيون إنسانية وقانونية إلى حجم الخدمات الكثيرة والمتواصلة التي قدّمها العاملون على مدار سنوات طويلة، حتى لو تجاوزت عشر سنين، ليبقوا جميعا، بنظر القانون والدولة والمجتمع، مجرّد أجانب وافدين لا أكثر، لا يملكون أي امتيازاتٍ طبيةٍ أم تعليميةٍ أم اجتماعيةٍ واقتصادية وقانونية، إذا ما استثنينا الضمان الشخصي الذي قد يقدّمه الكفيل أو المستقدم، فلا فرق بين عاملٍ حديث، لم يمض على خدمته سوى أشهر قليلة، ومن قدّم
في النهاية، نحن مطالبون بطرح قضية التجنيس والهجرة والعمالة الخارجية بجدّية أكبر في الأطر الإعلامية والثقافية والقانونية العربية، بعيداً عن الطرح الكيدي غير الهادف، وذلك بهدف استقطاب المهارات والكفاءات العربية، عبر جذبها إلى مشاريع نهضوية حقيقية، بدلا من دفعها نحو الدول المتقدمة. وعلينا تطوير قوانين العمالة الأجنبية، بالصورة التي تقدّر بها خدماتها على قاعدة تقديس قيمة العمل، وربط مفهوم المواطنة بمفهوم العمل. وأخيرا باستقدام الكفاءات العلمية والصناعية والتربوية القادرة على مساعدتنا في تحقيق النهضة الحقيقية، التي تنقلنا إلى مصاف الدول المتطورة صناعيا وعلميا وخدميا. وبذلك فقط يكون التجنيس خطوة أولى مدروسة، ومخططا لها، في مسار النهضة الشاملة، بدلا من حصره في مجال واحد هامشي، مؤقت، ومحدود الأثر.