التجربة الصينية وطفلتي المنتظرة
أسابيع ويبدأ مخاض الولادة... لا يوجد توقيت محدد. كل الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها لأي وقت وفي أي مكان. وكلما انتهى يوم، أتقدم وزوجي خطوة باتجاه رُهاب هذه التجربة، ولا سيما أنا، وما أُسمعه عن أوجاع الولادة.
وما يزيد رهابي وزوجي ليس فقط التجربة بل ما بعدها، إذ اتخذنا قراراً مخالفاً للعادات الشرقية، وهي أن "النفساء" تكون باستضافة ولّادتها حتى إتمام الأربعين، لمساعدتها؛ إلا أننا قررنا أن أعود إلى منزلي بعد الولادة، ويقوم زوجي بمساعدتي من منطلق أن هذه عائلتنا ونحن من يجب أن يتحمل المسؤولية منذ البداية.
الأسابيع تقترب ومخاوفنا تزيد، الحيرة تصل إلى درجة الخوف، سيناريوهات كثيرة وجميعها تتلف الأعصاب. لم أجد أمامي سوى القراءة مهرباً من هذه الحالة.
وبدأت أبحث عبر محرك البحث (غوغل) عن أجوبة لكل مخاوفي، عن تجارب نساء أخريات. أعجبتني تجربة زوجين من الصين، إذ قررا تبنّي كلب رضيع، ثم يقيّمان أداءهما في رعايته، وبناءً على ذلك يتوصلان إلى قرار حول إمكانية إنجاب طفل.
حالتي مختلفة بعض الشي، إذ إن قرار الإنجاب اتخذ. ولكني وجدت التجربة مفيدة من ناحية أن أجرب الاعتناء برضيع قبل أن أبدأ بذلك فعلياً. طرحت الفكرة على زوجي، ومارست معه كل أساليب النساء في الإقناع، وكالعادة استسلم أمام إلحاحي: (إنهن النساء).
أخذت الموافقة، يبقى التنفيذ. بحثت عن جراء للتبني وليس للبيع، كي أستبعد النظرية النفسية للتملك، وأعيش تجربة صادقة بتحمل المسؤولية.
وأخيراً، نجحت في تبني (جروة عمرها 8 أيام، من نوع pitbull). ذهبت أنا وزوجي رسمياً وبمنتهى الجدية لجلبها. كانت في علبة كرتون صغيرة، لونها بني بحجم كف اليد، عيناها ما تزالان مغمضتين. كانت جائعة أو ربما محتالة، ففور حملها بدأت ببكاء الأطفال لإطعامها. وأمام هذا السلوك انهار زوجي عاطفةً وأسرع في تبنيها: (إنهن النساء حتى في الصغر).
اخترت الاسم، كي يكون كل شيء نظامياً، (bella)، وحملناها للمنزل. اقترح زوجي إطعامها مجدداً لأن المسافة بعيدة من مكان تبنّيها إلى بيتنا. حضرت لها "ببرونة" الحليب، وهنا كان الدرس الأول:
زوجي، ضاحكاً، ماذا تفعلين؟ أنا بكل براءة ودهشة: "أحرك الحليب داخل الببرونة". زوجي: من قال لك ذلك، يبدو أنها المرة الأولى التي تحضرين فيها "ببرونة"؛ يا عزيزتي يكفي أن تغلقي الزجاجة، وتخضيها.
تولى زوجي عملية البحث عن معلومات حول هذا النوع من الجراء، بينما توليت أنا التطبيق. وبحسب المعلومات، فإن (bella) لن تبصر النور قبل الأسبوع الثاني، كما أنها لن تسمع قبل الأسبوع الثالث، هذا يعني أن الاتصال الوحيد بيننا هو اللمس والشم.
معلومات خمرتها مع فطرة الأمومة، وبدأت بالتطبيق فور مغادرة زوجي إلى عمله، 8 ساعات بمفردي مع هذه الطفلة الرضيعة.
عاد زوجي مساءً، فوجد الطفلة نائمة، والطعام جاهز. نظر بتعجب، وعند انتهاء الطعام سألني كيف كان يومك. جاوبت بإيجاز "جيد". تملكته الحيرة، فحاول سحب تفاصيل أدق، هل (bella) أتعبتك؟ جاوبت: لا.
ثم عاد وسأل عن موعد إطعامها؟ قلت لا عليك، هي ستبلغنا بذلك. وما كدت أنهي جملتي حتى بدأت بالبكاء، قلت له الآن.
فتشجع وعرض إطعامها، قلت له انتظر إنها تريد أن "تبول"، ضحك وقال بسخرية هل أبلغتك بذلك؟ قلت له 8 ساعات كانت كفيلة بفهمها.
أصر على حملها وإطعامها، دون الاكتراث برأيي، وإذا بها تتبول عليه. فضحكت، وقلت له هاتها، سأتولى إطعامها.
عاد بعد قليل، ونظر إليّ بصرامة، وقال أريد جواباً واحداً، كيف عرفت أنها ستقوم بذلك. جاوبت: أني لاحظت أنها عندما تريد أن تخرج من علبتها الكرتونية، فإنها تريد أن تتبول".
وتابعت: "الآن، أنا أطعمتها تقريباً بعد ساعتين أطعمها أنت، أنا سوف أذهب لأنام، هي الآن نائمة يمكنك أن تعمل في هذا الوقت".
وبعد 3 نحو ساعات، يأتي زوجي ويستلقي على الفراش، سألني إن كنت مستيقظة. قلت له نعم. قال لي:" لقد أطعمتها، ووضعتها إلى جانبك، هل تريدين أن أضعها في الصالون".
قلت له: "لا دعها بجانبي، ولكن لماذا تبكي؟ هل هي جائعة؟" رد وهو يتثاءب "لا أطعمتها، أطعمتها". وغرق في النوم.
استمرت الطفلة بالبكاء، ناديت على زوجي ليرى ما بها، وإذا به غارق في النوم كما لو كان في معركة، كأن هولاكو ينام إلى جانبي..
نهضت، حاولت إطعامها فرفضت، تذكرت أن للأطفال ساعة ذروة يستيقظون خلالها، داعبتها وحملتها فبدأ صراخها يخف، إلى أن غرقت في النوم.
وضعتها في علبتها الكرتونية، وذهبت إلى فراشي. وزوجي لا يزال غارقاً في سبات عميق، أتمنى لو أني أعرف ما حدث خلال تلك الساعات، يبدو أنها كانت صعبة عليه، أو غير اعتيادية.
مع هذه التجربة، اقتنعت أن الأمومة والأبوة فطرة تحرّك السلوك، وليست سلوكاً مكتسباً، كل منا بداخله هذا الإحساس فقط علينا الإصغاء إلى داخلنا، وأن نتبع قلبنا.
أنا اليوم أكثر من أي يوم مضى أؤيد التبني. الأطفال رزق ليس كل من كان يحصل عليه. ولكن الأمومة والأبوة نعمة نستطيع أن نهبها لأطفال آخرين، لذا أنا مع نظرية الأم الثانية، وأتمنى أن يعترف المجتمع يوماً ما بضرورة التبني ويعطيه صفة الشرعية.