البيضة والحجر

04 يونيو 2014

spielkkind

+ الخط -

اعتقدتْ أنه سيتم القبض عليها، بعد أن تولى التيار الإسلامي السلطة في غزة، وبذلك يتم الحد من نشاطها، لكن ذلك لم يحدث، واستمرت تمارس عملها الذي يدر عليها أموالاً طائلة، على الرغم من أن كل شيء بدأ معها بالمصادفة، كما بدأ مع الفنان أحمد زكي في فيلم "البيضة والحجر"، لمّا أصبح "مستطاع"، مدرس الفلسفة البسيط أشهر مشعوذ، بفضل سبره لأغوار النفس البشرية، وليس لقدرات خارقة يمتلكها، وكان زبائنه من أهل السلطة التي من المفروض أن تحاكمه. بدأ معها كل شيء بالمصادفة، حين مرت بأزمة نفسية، بسبب فقرها، أوصلتها إلى حالة من الهذيان، فسرها من حولها أنها تتصل بالجن والعالم السفلي، واستغلت ذلك الاعتقاد، لكي تمارس الشعوذة والنصب، وتتقاضي مبالغ خيالية من الناس البسطاء.
قررتُ زيارتها، وكشف طريقة نصبها، وكان لي ذلك، حين جلست أمامها، لتقرأ كفي، وتسألني عن اسمي واسم أمي، ولثقتي الزائدة بأنها مشعوذة أعطيتها الأسماء الحقيقية، ولاحظت انسحاب ابنتها من المكان، ثم عادت، بعد قليل، وحملت الموقد الذي يتصاعد منه البخور، وأخبرتني الأم أنها ستستخرج السحر السفلي من وسط النار. ولمحت بسرعة ملاحظتي كيف أفلتت الإبنة من كم قميصها ورقة مطوية عدة مرات، على شكل مثلث ومغلفة بالنايلون، وكيف صاحت الأم، وحمدت الله أن أصدقاءها من الجن الصالح استخرجوا السحر الذي على شكل "حجاب"، وينغص حياتي الزوجية.
بعد أن فضضت الورقة، وجدتها تشبه أي استمارة عادية مطبوعة، وملأت خانة الاسم باسمي واسم أمي على عجل، وبعد ذلك طلاسم ورسوماً غريبة وغير مفهومة.
أيقنت تماماً أنها تمارس النصب الذي أصبح سمة مُدّعيّ العلاج الروحاني، أو العلاج بالقرآن الكريم في غزة، والذين وصل عددهم، حسب إحصائيات الشرطة، إلى نحو ألفي مشعوذ ومشعوذة، معظمهم متعلمون وموظفون، ويدعون أنهم يعالجون بالقرآن. وانضم إليهم شباب وشابات، يمتهنون الشعوذة، ويشترون كتب السحر القديمة، بحثاً عن الثراء السريع. وأذكر حادثة عن شاب في مخيم الشاطئ، غرب غزة، استيقظ ذووه على صوته، وهو يعوي كالكلب، بعد أن كان يقرأ كتاباً في السحر، وبعد أن وعد أهله وأصدقاءه أنه سيعثر على كنوز دفينة، تنتشله من الفقر بمساعدة الجن، وأكد لي أحد باعة الكتب القديمة على الأرصفة تزايد الطلب على مثل هذه الكتب، من طلبة وطالبات جامعيين، حيث ينتشر هؤلاء الباعة أمام الجامعات في غزة.
يعزو ذوو الاختصاص الظاهرة المتزايدة إلى حالة الفقر واليأس التي تحيط بالمواطنين في غزة، بالإضافة إلى الفراغ الذي يعيشه الشباب العاطل عن العمل، وكثرة مواقع تعلم السحر على الإنترنت، والتي يزورها الشباب الغزّي، فلا عجب أن تجد مثل هذه المشعوذة إقبالاً من كل شرائح المجتمع، قبل الانقلاب الذي خاضته حركة حماس وبعده. وعلى الرغم من مهاجمة حكومة حماس هذه الأوكار، إلا أن المواطن المقهور لا زال يعتقد أنها الحل لفقره ولأمراضه النفسية والعضوية وصعوبة سفره خارج غزة لعلاجها، وهي لا تفعل سوى بيع الوهم لهم، وحين يتم القبض على أمثالها، يخرجون من السجن، ويجدون من يصدقهم، ويؤم بيوتهم، ويدفع لهم المال والهدايا.
أقنعتني أمي وحماتي بزيارة المشعوذة، بعد وصول علاقتي بزوجي إلى طريق مسدود، ولأنني كنت حريصة على عدم هدم بيتي، من أجل صغاري، زرتها ثانية وأنا أعلم أنها "نصابة" بامتياز، وعدت إلى بيتي أحمل "الحجاب" إياه، وادّعيت، أياماً تالية، أن حمامة سلام رفرفت في بيتي. ولكن، في المرة الثالثة التي زرتها فيها، وجدت في حضرتها شخصية ذات نفوذ سياسي مرموق، كنت أحمل في حقيبتي ورقة تنازلي عن نفقة صغاري، في مقابل حضانتهم، ما يعني انتهاء حياتي الزوجية، لكنها أعطتني "الحجاب" نفسه، وطلبت مني إذابته بمحلول سكري، لإبطال مفعوله. بالفعل، أذبته بالماء والسكر، وبللته جيداً، ثم "شربت ميته"...

 

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.