البريق الخادع [1/5]...رواج الذهب المغشوش بعد توقف مختبر الفحص في ليبيا

04 مارس 2018
فوضى تضرب سوق الذهب الليبي (العربي الجديد)
+ الخط -
ما يزال الأربعيني الليبي محمد الطويل في انتظار حكم محكمة طرابلس الابتدائية التي لجأ إليها لإنصافه، من صائغ يعمل في سوق المشير للذهب وسط العاصمة الليبية، بعدما اشترى منه قبل عامين ونصف العام هدية لزوجته فوجئ بأنها من عيار 12 بدل عيار 21 الذي دفع ثمنه، عقب محاولة بيعها واستبدالها بأخرى من تاجر في ذات السوق، إذ واجه رفضاً لشراء العقد الذهبي أو استبداله من قبل العاملين في محال الذهب، وكان أفضل ما توصل إليه بعد مساومة من أحدهم، هو خسارة ما يزيد عن 50% من سعر المصوغ، الأمر الذي بات ظاهرة منتشرة بحسب أمين سوق الذهب في طرابلس عمر البدوي، الذي قال لـ"العربي الجديد": "تقام العديد من الدعاوى المماثلة من قبل مواطنين تعرضوا للغش التجاري بعد شرائهم للحلي الذهبية والسبب الرئيسي هو توقف مختبر معايرة الذهب والفضة التابع لبلدية طرابلس عن العمل".

ويعد المختبر الجهة الحكومية الوحيدة المتخصصة والمؤهلة للتمييز بين الذهب المغشوش والأصلي الذي يشترط وجود ختم ينبغي على كل من يشتري مصوغات ذهبية من السوق التأكد من وجوده، لكن هذا الأمر غير موجود حالياً بسب توقف المختبر عن العمل وغياب الرقابة الشرطية عن السوق، إذ كان مندوبون من البحث الجنائي يتواجدون بالسوق ويراقبون عمليات البيع، عبر جولات تفتيشية يومية في السوق رفقة الحرس البلدي وهو ما توقف في ظل الفوضى الأمنية التي تعيشها ليبيا، الأمر الذي يجعل العديد من الزبائن ضحايا لتجار مخادعين يجذبونهم إلى بضاعتهم المغشوشة عبر تخفيض السعر وعدم منحهم فاتورة مختومة بحسب ما أوضحه أمين سوق الذهب.


توقف مختبر فحص الذهب عن العمل

توقف مختبر معايرة الذهب والفضة التابع لمكتب الإصحاح البيئي ببلدية طرابلس، عن العمل في ديسمبر/كانون الأول 2016 نتيجة إلى حاجته الماسة للمواد التشغيلية والصيانة بحسب تأكيد مديره عمر الشامس لـ"العربي الجديد" والذي قال إن المختبر بحاجة لمواد خام وصيانة للفرن بتكلفة 25 ألف دينار ليبي (18676 دولاراً أميركياً)، حتى يعمل بالشكل الصحيح مضيفاً أن إدارة المختبر قامت بمراسلة بلدية طرابلس لعدة مرات بشأن توفير المال، ولكنها لم تتلق أي رد منهم، رغم قيام مسؤولين بالبلدية بزيارة المختبر، لافتاً إلى ضرورة تعديل سعر فحص العينة الحالي والمقدر بـ 50 قرشاً، وفقاً لسعر عام 1978 بينما تكلف العينة 30 ديناراً (22 دولاراً) وفقاً للتكلفة الحالية.


ويرد مدير مكتب الإصحاح البيئي ببلدية طرابلس المهندس إبراهيم بن دخيل على عدم توفير المال للمختبر بالقول: "بالفعل توجد حاجة ملحة لدور المختبر في حماية المستهلك اقتصادياً من الغش التجاري وتنظيم السوق والحرص على جودة الذهب المتداول، لكن التخبط الإداري والجدل حول الجهة التي يتبع لها مكتب الإصحاح البيئي بين كل من وزارة الإسكان والمرافق ووزارة الحكم المحلي تسبب في تأخير توفير الأموال اللازمة للمختبر، بالإضافة إلي وجود ائتلاف للحرفيين وسوق الذهب تأسس في 2011 يتدخل في كل ما يتعلق في السوق والمختبر، مع تهميش دور نقابة الذهب والمعادن الثمينة وكذلك الجهات الحكومية والسوق، ما أدى إلى تغييب أية ضوابط حاكمة للعمل في سوق الذهب".

ويعد المختبر الجهة الوحيدة المعتمدة لدى المحاكم الليبية، ومصرف ليبيا المركزي منذ ثمانينات القرن الماضي، للفصل في المنازعات التي تحدث بين تجار الذهب والحرفيين، من خلال فحص عينات الذهب ودمغها بالختم، مع تقديم إفادة بأن العينة رقم كذا أصلية وصالحة لاستخدام البائع والشاري في السوق ما يعد دليلاً على أن الذهب أصلي بحسب الشامس.



ضعف الرقابة على سوق الذهب

أدى تغييب مؤسسات الدولة إلى انتشار الذهب المغشوش في السوق الليبية، بحسب تأكيد رئيس نقابة الذهب والمعادن الثمينة نوري الشهاوي لـ"العربي الجديد" والذي لفت إلى عملهم بتواجد عمليات تلاعب في الوزن والختم والعيارات عبر زيادة نسبة النحاس والنيكل للذهب، مضيفاً أن "الذهب المغشوش الموجود في المحلات التجارية يصل إلى 90%"، ولفت إلى أنهم لاحظوا انتشاراً للمصوغات المطلية بالذهب والمستوردة من إيطاليا وعقب التحقق من الأمر تبين أن التجار يطلبون من المصنعين ذهباً عيار 12 و14 ويبيعونه إلى المستهلكين على أنه من عيارات 18 و21، محذراً مما أسماه بـ"الدخلاء على المهنة" الذين يهدفون إلى الربح السريع في ظل ضعف دور النقابة المكونة من 15 فرعاً في أنحاء البلاد بسبب غياب مؤسسات الدولة، ويتفق أمين سوق الذهب مع الشهاوي، مكملاً بأن "عمليات الغش في الذهب المصنع محلياً نادرة، ولا تحدث داخل السوق ولا من الصنايعية الموجودين تحت إشرافهم، بل من عمالة وافدة لا توجد أي رقابة على أماكن عملها"، غير أن الحرفي عبدالله بن سالم يؤكد أن سوق الذهب تسيطر عليه العمالة الوافدة من الأردن وسورية والسودان ومصر وبنغلادش، لافتاً إلى أن تزايد عمليات الغش لا يعود إلى العمالة بقدر ما يرجع إلى غياب الرقابة، وهو ما يؤكده الدكتور نوري بريون مدير إدارة الرقابة على المصارف والنقد السابق لـ"العربي الجديد"، قائلاً "الذهب المغشوش موجود في السوق، والقضاء عليه يحتاج إلى تفعيل دور الدولة".


احتياطي ليبيا من المعدن الأصفر

بلغ احتياطي الذهب الليبي، 143.8 طناً، وتأتي طرابلس في المرتبة الرابعة عربياً بعد السعودية ولبنان والجزائر، والـ 24 على القائمة العالمية من بين 98 دولة أعلن مجلس الذهب العالمي، عن احتياطياتها من المعدن الأصفر في تقريره الصادر في فبراير/شباط الماضي.

وبدأت صناعة الذهب في ليبيا مطلع 1935 إذ تم افتتاح سوق الذهب وإنشاء مدرسة ملحقة به لتعليم النشء حرفة الصياغة والسبك، بحسب عمر البدوي والذي قال إن المادة الخام اللازمة للصناعة كانت تستورد في السابق من فرنسا وسويسرا وايطاليا على حساب رجال الأعمال.

وخلال الثمانينيات كانت الشركة العامة للذهب تمنح الحرفيين سبائك بوزن كيلو لتصنيعها ومن ثم إعادة المصوغ إلى الشركة التي تم حلها من قبل الدولة مطلع العام 2001 لأسباب غير معروفة بحسب البدوي، فيما يحجم مصرف ليبيا المركزي عن منح سبائك ذهب للحرفيين حالياً بسبب غياب مؤسسات الدولة، وفق ما أكده مصدر مقرب من محافظ مصرف ليبيا المركزي لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن احتياطي الذهب لا يمكن المساس به بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد.


تهريب الذهب الليبي

يعاني الحرفيون الليبيون من ندرة المادة الخام وهو ما ينعكس على قلة إنتاج الذهب محلياً، بحسب عبدالله بن سالم أحد الحرفيين بسوق الذهب، والذي قال إن الذهب المكسور يتم تصنيعه في سبائك وإعادة تصديره إلى "دبي" من أجل الحصول على فارق العملة، مضيفاً أن التهريب كان موجوداً في ظل نظام معمر القدافي، ولكنه كان محدوداً نتيجة للرقابة الضبطية في المنافد البرية والبحرية والجوية، أما الآن كل شيء يهرب للخارج، والدولة نائمة، وهو ما يؤيده البدوي، مشيراً إلى أن الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ولا سيما من 2014 جعلت معظم العائلات الليبية التي كانت تخزن ما بين نصف كيلو إلى كيلو غرام من الذهب تبيع مصوغاتها، لمواجهة متطلبات الحياة، بينما يقوم التجار بتهريبه إلى خارج البلاد. ووفقاً للدكتور نوري بريون فإن مدخرات المواطنين من الذهب تبخرت بسبب بيعها لمواجهة ظروف الحياة، معترفاً في الوقت نفسه أن عمليات التهريب للذهب إلى الخارج تحدث في وضح النهار، دون منعها من أي جهة رقابية، على الرغم من أن القرارات التنفيذية لقانون الجمارك رقم 10 لسنة 2010 تمنع تصدير الذهب للخارج باستثناء التصدير المؤقت المتعلق بالذهب المكسور لغرض إصلاحه فقط، ولا يتم ذلك إلا بعد موافقة وزارة الاقتصاد بذلك والإقرار الجمركي بحسب تأكيد العميد في مصلحة الجمارك بطرابلس جمعة الساكت لـ"لعربي الجديد"، والذي أكد أن تصدير الذهب دون الرجوع إلى مصلحة الجمارك، ووزارة الاقتصاد يعتبر تهديداً خطيراً للاقتصاد الوطني.