لعلّ الذي فكّر في اختراع برامج المجلات التلفزيونية الصباحية، كان يستهدف بالدرجة الأولى ربّات البيوت الجالسات في منازلهن؛ حيث يشربن قهوتهن برفقة جاراتهنّ ويتحدثن في أمور الحياة ومشاغلها ومشاكل الأولاد والبنات. يحدث ذلك في حين يواصل البرنامج فقراته التي كانت غالباً ما تحضر متواكبة مع اهتماماتهن؛ الطبخ، والأخبار الاجتماعية، وبعض فقرات خاصة بالأزياء وأمور المنزل بشكل عام.
ومع أنه لا يُمكن إثبات ظهور الحالة الأولى لبرامج الصباح التلفزيونية على نحو دقيق، لكن يبدو بأن برنامج "صباح الخير يا مصر" هو السبّاق لذلك. ومن بعده، أتت البرامج الأُخرى التي جاءت لتسير على خطواته. لكن، مع الوقت، أخذ كل برنامج شكله الخاص وفقراته التي تشير إلى هويته الخاصة. كما تمّت إضافة كثير من المحاور على كيان البرنامج على نحو يلائم كل برنامج على حدة والبلد الذي ينتمي إليه. وفي هذه المساحة التالية، سنمر على ثلاثة نماذج من البرامج الصباحية على اختلاف الشكل الذي تظهر عليه، وعلى اختلاف عُمرها الزمني والجمهور الذي تتوجه إليه.
صباح الخير يا مصر
في البداية، لم تكن فقرات الطبخ قد وُضعت في قائمة "صباح الخير يا مصر"، وإن أتت في وقت لاحق. كانت الأولوية لقراءة الصحف القومية المصرية، وتغطية الأحداث الاجتماعية، كاستضافة الأم المثالية وأوائل الثانوية العامّة، أو أية شخصيات عامّة نجحت في فعل شيء استثنائي.
لم تكن التعليقات السياسية ضمن البرنامج. وحتى قراءة الصحف اليوميّة، كانت تتم من غير تعليقات إضافية من جهة مقدمي الفقرة. بالتالي، لم تكن هناك استضافات لأية شخصيات سياسية، حتّى لو كانت رسمية وتابعة للحزب الحاكم. بمعنى أن الفكرة السياسية كانت محرّمة أو ممنوعة في سياق "صباح الخير"، وإن أتت بعد ذلك بوقت طويل، ولكن تحت رقابة صارمة من رأس قيادة التلفزيون المصري نفسه ومن فوقه وزير الإعلام السابق صفوت الشريف.
لكن تغطية أخبار الرئيس الراحل محمّد حسني مبارك، كانت أساسيّة، والفعاليات التي كان يُشارك فيها تُنقل على الهواء مُباشرة. لا يمكن هنا بالضرورة نسيان الفقرة الرياضية الخاصة بدوري كرة القدم المصري، حيث كرة القدم واحدة من أكثر الأمور مُتابعة لدى جمهور الفراعنة، ولهذا تبقى الفقرة الرياضية رئيسية وثابتة.
صباح اليوم
أطلقت قناة "الجديد" اللبنانية حديثاً فقرة صباحية أطلقت عليها "صباح اليوم". لكن الغريب أن هذا الإطلاق أتى بعد عملية تقشف رهيبة قامت بها إدارة المحطة نفسها، وأدت للاستغناء عن عدد غير قليل من طاقم الفريق وتخفيض رواتب الكثير ممن رضي البقاء فيها.
ومن الظاهر على نحو واضح بأن ميزانية كبيرة تقف وراء ظهور صباح الجديد. حجم الكادر العامل فيه، تعداد الفقرات والتنسيق الذي يتم بين أكثر من دولة. لقد أتى بعض العاملين في تقديم فقرات البرنامج من محطة المستقبل الذي كان يحمل اسم "عالم الصباح"، وعلى رأسهم المذيع جوزيف حويك. و"صباح اليوم" يُبث طوال أيّام الأسبوع، وتحضر فيه فقرات لكل واحدة منها اسم، مثل "ع الشاشة" الذي يبحث في أمور السينما، و"ضيف اليوم" الذي يعرض مواضيع عامة وليست سياسية على نحو حصري، كذلك "ع الموضة"؛ ومن الاسم يظهر بأنه مختص بأمور الأزياء وخلافه، إلى جانب "سوق العمل" الذي يعرض لفرص عمل ممكنة للشباب ولهم حق التقديم إليها. يُضاف إلى ذلك فقرة "راجعين يا هوا" التي تتكلم مع فنانين مغتربين لبنانيين، وتتناول أعمالهم الجديدة.
أما "بترحلك مشوار"، فهي فقرة يومية تعمل على ترويج المناطق السياحية اللبنانية التي يجب زيارتها، في حين بقي برنامج "الحدث" الذي كان قائماً من وقت طويل على خريطة قناة الجديد ويمتد لساعتين، إلا أنه في البرمجة الجديدة صار محصوراً على ساعة ويتم فيه استضافة شخصية سياسية لبنانية للكلام عن حدث آني. وتمّ تحديث فقرة الصحافة بعد قراءة العناوين العريضة باستضافة أحد الصحافيين للتعليق على مقالة له مُباشرة على الهواء.
صباح النور
ينطلق هذا البرنامج الصباحي من "التلفزيون العربي" من استديو المحطة من بيروت. ميزته الاعتماد على أكثر من عنصر عربي يقوم بمهمّة التقديم . لا جنسية واحدة تسيطر على برمجته اليومية، هناك مقدّمون من تونس وفلسطين ولبنان والأردن، ويعتمد بشكل أساسي على نقطة الحوار الدائمة بين مقدمي البرنامج في الفترات الزمنية التي يغيب فيها وجود ضيف خارجي، حتى في فقرة الطبخ المُعتمدة في سياقه.
هناك أكثر من طبخة من كل بلد عربي، وعبر أكثر من "شيف" ينتمي لغير دولة عربية. الصبغة السياسية قد تكون الغالبة على بُنية "صباح النور"، على العكس من غيره من البرامج الصباحية، وذلك عبر فقرتين سياسيتين مطولتين خلال زمن العرض من غير نسيان قراءة الصحف والتركيز على السياق السياسي فيها، إضافة للضيف اليومي الذي يأتي محللاً لأهم خبر سياسي عربي حصل في اليوم السابق.
وعلى الرغم من كون استديو البرنامج واقعاً في بيروت، إلا أن الفقرات عربية بامتياز، من خلال الضيوف الذين يظهرون على الهواء مُباشرة من العواصم العربية. قد يبدو حضور هذا البث الخارجي غالباً على سياق البرنامج ويُظهره على نحو لا يتقاطع مع منطقة البث التي يقيم عليها في بيروت.
لكنّ يبدو أن هذه الحالة انكسرت مع وقوع كارثة انفجار بيروت التي حصلت في الرابع من أغسطس/ آب الحالي، إذ تمّ تكريس كل فقرات "صباح النور" لوقائع الكارثة عبر النقل المُباشر من معظم مناطق بيروت المنكوبة اعتماداً على المراسلين المحليين إضافة لتكريس الفقرات السياسية من أجل نقاش توابع الذي جرى وحصر فقرة قراءة الصحف بأخبار "الفاجعة" وكل ما تعلّق بها. بمعنى أن كل شيء خلال الأيّام الماضية كان مُتشابكاً مع حالة بيروت وناطقاً باسمها. حتى استضافة المحللين السياسيين صارت محصورة بشخصيات لبنانية تقول رأيها من الأرض.