البحث عن عائلة لمهند يونس

06 سبتمبر 2017

مهند يونس كاتب شاب واعد انتحر عن 22 عاما

+ الخط -
صمّم معماريون كوريون شققاً سكنية صغيرة قابلة للانقسام إلى نصفين متطابقين، ويفصل بينهما ممرٌّ صغير؛ وذلك في حال وقوع الطلاق بين الزوجين، فبناية اسمها سونغا ميكرو هاوسينج هي أول نموذج لهذه البنايات التي تخدم المطلّقين، خصوصا في حال وجود أطفال، ورغبة الوالدين اللذيْن أصبحا غير قادرين على الاستمرار معاً في أن يرعيا أطفالهما معا، ولكي لا يتحمل أطفالهما تبعة الطلاق، وما يتلوه من آثار نفسية وسلوكية عليهم.
في الجانب الآخر من العالم، وبعيداً عن "الكوكب الكوري"، توجهت سيدة فلسطينية شابة مطلقة صوب أحد محال البقالة، لكي تعرض عليه شراء قنينة صغيرة من زيت الطعام؛ وهو الزيت الذي تحصل عليه معونة مجانية من وكالة الغوث (أونروا) بصفتها "لاجئة ومطلقة"، وكان غرضها من إقدامها على ذلك الحصول على أجرة سيارة عامة؛ لكي تصل إلى الجامعة، حيث قرّرت إكمال تعليمها بعد الطلاق، على الرغم من وجود عدة أطفال لديها؛ أملاً في حصولها على عملٍ لتعيلهم.
في بلادنا العربية، يعتبر الطلاق كارثة؛ لأنه قرار من شخصين بهدم أشخاص آخرين لا ذنب لهم، ولا حول لهم ولا قوة، وليس لديهم حرية الخيار، هم الأطفال الذين جاءوا إلى الحياة لأبوين لم يستطيعا إكمال الحياة معاً، وقرّر كل واحد أن ينجو بنفسه من سفينةٍ غارقة، ويترك الأطفال للموج يتلاعب فيها ذات اليمين وذات الشمال.
الطلاق في بلادنا العربية، وكما صوّرته الأفلام والمسلسلات، بداية حرب شعواء بين زوجين يقفان على حافّة جبل يتناحران، ويسقط الأطفال من حالقٍ وهما لا يشعران؛ لأن كل واحد كان حريصا على إظهار براءته، وبأنه قد ظُلم مع هذا الشخص، وأن اختياره، أو اختيار الآخرين حسب الزواج التقليدي، لم يكن موفقاً، وتقوم الزوجة بدور الضحية فتبكي وتنهار، وتربت أمها على كتفها، وتعدها بأنها "سوف تزوجها سيد سيدو وتكيدو"، فيما يعده صحبه (الزوج) بأن يختاروا له ست البنات في أسرع وقت، فالبنات "على قفا مين يشيل"!
الطلاق بين ربوعنا أن الولد، في النهاية، سيعود إلى أبيه، مهما ربّته الأم وتعبت وسهرت، وضحّت ورفضت الزواج، وأن الولد الذي فعلت معه الأم كل هذا هو "ابن الغريب" في نظر أهلها، فلا يستحق أن تضيع فرصة زواجٍ ثانية عليها.
والطلاق في ظهرانينا هو صراع في المحاكم على مستحقاتٍ مادية، وملاحقات وقضايا يخرج منها الجميع خاسراً إلا محاميا أفّاق، وصندوق تحصيل الرسوم على القضايا المنظورة في المحكمة الشرعية، فالرجل يلاحقه مؤخر الصّداق، والمرأة ترى أن هذه الملاحقات القضائية وسيلة للانتقام، وإطفاء نار الغضب على رجلٍ أهدر كرامتها أو أهانها أو خانها.
حتى اللحظة، وبعد كل ما قيل عن الطلاق، لم يفكّر أحد بالصغار، لم يراع أحدٌ نفسيتهم وحاجتهم لدفء الأسرة وسكينة العائلة، ولم يحسب أي طرفٍ فداحة خسارة هؤلاء الأبرياء، ولم تحتضن أي جهةٍ ضحايا الطلاق، لتقويم سلوكهم وبناء شخصياتهم واحتوائهم، ويكبر الصغار مع أحد الطرفين، سواء الأم أو الأب، وهم يشعرون بعقدة النقص. نقص مفهوم العائلة التي لم ولن تكون رهاناً خاسراً مهما كانت ظروفها فقيرةً أو غنية، لأنها ملاذ الإنسان الوحيد ومصدر قوته، ويبدأ الصغير في التفكير، ويسأل نفسه: لماذا أنا بالذات خلقت على هذه الشاكلة، لماذا أفيق كل صباح، وأمي تحدثني عن كائن كريه اسمه أبي. وحين أزور أبي ينفث سموم كراهيته لأمي في وجهي؟
قبل أيام قليلة، فجع سكان غزة المليونان بانتحار الشاب مهند يونس (22عاماً) والذي كان يبحث عن عائلة، ويريد أن ينعم برعاية الأب وحنان الأم، لكن حلمه لم يتحقق. كان كاتباً واعداً، وحلم حلماً صغيراً بأن يكون والده في طليعة حفل إشهار كتابه الأول، لكن ذلك لم يحدث أيضاً، فلم يحتمل قلبه الصغير ونفسه الرقيقة هذا كله، فقرّر أن يرحل بعد أن فشل في العثور على "عائلةٍ افتراضية".
عائلة افتراضية: اسم قصة للكاتب الراحل.
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.