الانتخابات الأوروبية... الدنمارك نموذج لزلزال اليمين المتطرف

26 مايو 2014
داخل البرلمان الأوروبي خلال الإعلان عن النتائج(جورج غوبت/فرانس برس/Gett)
+ الخط -

أظهرت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، تقدماً غير مفاجئ للمراقبين، لمصلحة الأحزاب اليمينية المتطرفة في عدد من بلدان الاتحاد، مع بعض الاستثناءات التي ظهرت بتقدم يساري في إيطاليا وإسبانيا واليونان.

وبينما توجه الفرنسيون والدنماركيون والألمان يميناً، وتقدم المنتقدون والمشككون في الاتحاد الأوروبي، بالفوز بـ 129 مقعداً، ذهبت بولندا شرقاً للتصويت بكثافة لمصلحة المؤمنين بالوحدة الأوروبية.

وفي الدنمارك، وعلى الرغم من توقع تحقيق الحزب اليميني المتطرف، "حزب الشعب"، فوزا كبيرا، إلا أن تحوله إلى أكبر الأحزاب السياسية الدنماركية أثار زلزالاً سياسياً. وتقدم الحزب على كل التشكيلات السياسية المحافظة، ويمين الوسط، بمضاعفة أصواته ليحصد 26.7 في المئة، بتصدر قائمة مرشحيه، مورتن ميسرشميت، عضو البرلمان الأوروبي حالياً، والذي بقي طيلة حملته الانتخابية يلعب على وتر السيادة الوطنية.

وعزت رئيسة وزراء الدنمارك، هيلي تورنينغ شميت، في مناظرة تلفزيونية، اليوم الإثنين، التقدم نحو اليمين وتراجع الاشتراكيين الديمقراطيين، إلى "حملة التخويف التي انتهجها اليمين".

ومع توالي ظهور النتائج، يتضح بأن الحزب المحافظ، (حزب يمثل الفلاحين تاريخياً) مني بنكسة كبيرة نتيجة أزمة القيادة، التي رافقت حملات الحزب الانتخابية، متمثلة باتهامات لرئيس الوزراء السابق، لارس لوكا راسموسن، بسوء الأمانة المالية.

وقد وضع هذا التراجع الحزب في المرتبة الثالثة بـ 16.7 في المئة على الخريطة الحزبية، بعدما كان الحزب الأول في الدنمارك. وأظهرت نسب الأصوات تراجع الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" الحاكم إلى المرتبة الثانية من 21.5 في المئة إلى 19.1 في المئة، وخسر بذلك أحد مقاعده، في حين تراجع حزب الشعب الاشتراكي من 15.9 في المئة إلى 10.9 بخسارة مقعد، بينما حافظت الحركة الشعبية، التي تضم يساريين في صفوفها، على زخمها بالتقدم وحصلت على مقعد.

وقد غرف اليمين المتشدد أصواته من تراجع يمين الوسط والمحافظين والاشتراكيين الديمقراطيين، وذهب اليمين في نشوة انتصاره إلى المطالبة بفرض "تحفظات دنماركية" على سياسة وقوانين الاتحاد الأوروبي في مسائل اجتماعية وقضايا العمل والهجرة.

ويعزو المراقبون ارتفاع تقدم اليمين الدنماركي، إلى حالة التوجس والريبة التي طغت على عقول ومشاعر مواطني الاتحاد بعد سلسلة من الأزمات الاقتصادية.

وقال مرشح الحركة الشعبية، ياكوب ليندهولم، في تصريح إلى "العربي الجديد"، إن اليمين المتشدد "لعب على وتر المشاعر الوطنية، واستخدم الغموض المتعلق بسياسة الهجرة واللجوء التي يمارسها ساسة الاتحاد الأوروبي، وانتقال اليد العاملة من أوروبا الشرقية ليدفع الناخبين إلى الخوف والتصويت له، رغم أنه ليس ضد الاتحاد الأوروبي بل يريد جعل سياسة الاتحاد مع الشركاء اليمينيين الفائزين في بقية دوله أكثر تشدداً وانغلاقاً".

وخلال ندوة تلفزيونية استمرت حتى الثانية من فجر اليوم الإثنين، ذهبت آراء الخاسرين في الانتخابات من قادة الأحزاب في الاتجاه نفسه، وبدا عليهم الهلع من الاكتساح اليميني.

وحاولت زعيمة حزب اللائحة الموحدة اليساري، يوهنا شميت، التخفيف من الأمر عندما قالت "صحيح أن اليمين تقدم، لكن لا تنسوا بأن اليسار أيضاً حقق تقدماً في عدد من دول الاتحاد".

من جهته قال العضو في الحزب الاشتراكي، الخبير في شؤون الانتخابات، مارتن غوول أندرسن، في تصريح إلى "العربي الجديد" إن "هذه النتيجة يتحمل مسؤوليتها في عموم دول الاتحاد الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية ويمين الوسط، الذي تملق اليمين المتشدد في خطاباته ودعايته الانتخابية".
وأوضح المراقبون أن "380 مليون ناخب أوروبي، صوتوا أيضاً لغير اليمين"، وشددوا على أن الحلول الفردية للدول، فيما يخص مثلاً قضية 26 مليون عاطل عن العمل في القارة العجوز، "لن تأتي بنتيجة ما لم تكن جماعية من دول الاتحاد، فتطلعات اليمين لا تمت للواقع بصلة".

سينشغل الأوروبيون في الأيام المقبلة، بالبحث عن بدائل، وبالتأكيد سوف تحاول "الأجنحة المتطرفة"، من حزب الشعب الدنماركي إلى الجبهة الوطنية الفرنسية حتى حزب الاستقلال البريطاني، مواجهة تحالفات جديدة قد تكون المخرج الوحيد للاشتراكيين الديمقراطيين والأحزاب المحافظة، مع مساندة يمين الوسط واليسار لقطع الطريق على اليمين المتطرف.

المساهمون