فوجئ الأكاديمي الفلسطيني رائد طه أستاذ علم الاجتماع في جامعتي القدس المفتوحة والأقصى، أثناء إعداده بحثاً بعنوان "خدمة الجماعة في المجتمعات العربية"، بتشابه جزئي وكلي يصل إلى حد التطابق بين عدد من الكتب والمؤلفات الأكاديمية التي حاول الاستعانة بها، ما دفعه إلى تتبع عملية التعدي على حقوق الملكية الفكرية في الجامعات الغزية، ليوثق حالة كتاب خدمة الجماعة، الذي تعود حقوق نشره وتأليفه إلى جامعة القدس المفتوحة، إذ يحمل رقما تسلسليا A3219 لعام 2009 وعلى الرغم من كونه مسجلا ضمن مؤلفاتها، إلا أن محاضرا من جامعة الأمة في غزة (يتحفظ "العربي الجديد" على اسمه)، تعدى على حقوق الملكية الفكرية للكتاب مصدرا نسخته الأولى في عام 2012، ليعود وينشره بعد ذلك واضعا اسمه عليه باعتباره مؤلفه.
ووفق طه فإن النسخة المذكورة نقلت حرفيا مع إحداث تغيير على عنوان الكتاب، والذي يتم تسويقه حالياً داخل جامعة الأمة الخاصة بسعر 15 شيكلا (أربعة دولارات أميركية)، فيما تباع النسخة الأصلية منه داخل جامعة القدس المفتوحة بسعر 18 شيكلا (5 دولارات)، لكن مدير مكتب رئيس جامعة الأمة نشأت عايش، ينفي علم الجامعة بأن الكتاب المذكور مسروق، مشدداً على أنه سيتم التحقيق في الأمر، وفي حال ثبوت الأمر سيتم وقف توزيعه وتتخذ الإجراءات القانونية اللازمة، مبينا أن الجامعة ألغت ورفضت أبحاثا ودراسات كاملة، لعدم مراعاتها حقوق الملكية الفكرية.
37 تجاوزاً في عام
وثّق معدّا التحقيق 37 انتحالا أدبيا وتعدياً على حقوق الملكية الفكرية، منها 13 في جامعة الأقصى و11 في الجامعة الإسلامية و7 تجاوزات في جامعة الأزهر و6 في جامعة الإسراء، عبر إفادات كل من عميد البحث العلمي في جامعة الأزهر الأهلية محمد أبو حميدة، ونائب عميد البحث العلمي في الجامعة الإسلامية الأهلية حاتم العايدي، وكذلك عميد البحث العلمي في جامعة الأقصى الحكومية محمد سليمان، وعميد الشؤون الأكاديمية في جامعة الإسراء الخاصة شحاتة زعرب.
وتنوعت حالات التعدي على حقوق الملكية الفكرية، ما بين سرقة كتب كاملة أو أجزاء من كتب، أو أبحاث، وكلها تم التعامل معها من خلال عمادات البحث العلمي داخل تلك الجامعات خلال العام الأكاديمي المنصرم، بالإضافة إلى رصد 23 عملية تعدّ مماثلة خلال العام الجاري إذ سجلت 8 تجاوزات في جامعة الأقصى و3 في جامعة الإسراء و5 تجاوزات في جامعة الأزهر و7 تجاوزات في الإسلامية.
قوانين مهترئة
تنقسم تجاوزات حقوق الملكية الفكرية والانتحال الأدبي الأكاديمي إلى ثلاثة أشكال، أحدها سرقة مؤلف بشكل كامل مع تغيير الغلاف الخارجي ووضع اسم جديد عليه، والنوع الثاني يتمثل في قيام المؤلف بجمع أجزاء من عدة كتب في كتاب واحد مع إجراء بعض التغييرات لتضليل القارئ، من دون الإشارة إلى المصادر الرئيسية وفق ما أوضحه الأكاديميان أبو حميدة والعايدي.
والنوع الأخير الذي اشتكى منه سبعة طلاب من جامعة الأزهر وفلسطين والإسلامية والأقصى، وهو قيام محاضرين بسرقة أبحاثهم العلمية المقدمة ونشرها ضمن دوريات ومجلات علمية.
ويقول أحد خريجي كلية العلوم الإدارية في جامعة الأزهر، "رفض ذكر اسمه لتقديمه شكوى لدى الجامعة"، إنه قدم بحثا بعنوان "الأحزاب الإسلامية الفلسطينية بين الحكم ونهج المقاومة" لنيل درجة بكالوريوس عام 2013 ، ليفاجئ بنشره في مكتبات مصرية باسم محاضر بالجامعة في عام 2015.
عقوبات أكاديمية
سحبت جامعة الأقصى أبحاثا مقدمة لنيل ترقيات أكاديمية وأحالت أكاديميين إلى لجان تحقيق خلال العامين الأكاديميين المنصرم والجاري، بعد اكتشاف تعديات على حقوق الملكية الفكرية في الأبحاث التي قدموها، وفق ما أكده عميد البحث العلمي بجامعة الأقصى الحكومية، بينما حددت جامعة الأزهر، خلال عام 2017 والعام الجاري ثلاثة أبحاث مقدمة بغرض الحصول على ترقيات أكاديمية، كانت تحوي تجاوزات أكاديمية كما يقول عميد البحث العلمي بالجامعة.
وتبين من خلال جولة قام بها معدّا التحقيق شملت عمادات البحث العلمي في خمس جامعات في القطاع وهي الأزهر، الإسلامية، والإسراء، والأقصى، والقدس المفتوحة، وجود أنظمة مختلفة ومتباينة داخل الجامعات لضبط حقوق الملكية الفكرية، وهو ما يعد سببا في نمو ظاهرة التعدي على الملكية الفكرية والانتحال الأدبي، وفق ما ذكره الدكتور أيمن اليازوري وكيل مساعد التعليم العالي في وزارة التربية والتعليم، قائلا "غياب نظام أكاديمي موحد لضبط التعديات على الملكية الفكرية والانتحال الأدبي، يرجع إلى أن الوزارة لا تمتلك مهام فعلية داخل النظام الجامعي، وانحصرت مهامها في تحديد نسب القبول للتسجيل بالجامعات، وتصديق الشهادات الجامعية".
ويخشى القائمون على الجامعات الغزية التعامل مع الوزارة في القطاع تحسبا من سحب الاعتراف بالبرامج الأكاديمية من قبل الوزارة في الضفة الغربية، لأن الأخيرة الجهة الشرعية والرسمية في المعاملات الإقليمية والدولية، وكل الجامعات تحاول الحفاظ على اعترافها وفق ما أوضحه عميد الشؤون الأكاديمية بجامعة الإسراء، ردّاً على سؤال عن سبب الفشل في محاولة وزارة التربية والتعليم في غزة تطبيق نظام أكاديمي موحد.
نسبة الاقتباس
ما ذهب إليه الأكاديمي اليازوري يتفق معه عميد البحث العلمي في الجامعة الإسلامية، والذي لفت إلى أن غياب نظام أكاديمي موحد في الجامعات الفلسطينية لضبط حقوق الملكية الفكرية، سهل انتهاكها وسرقة المؤلفات، وتابع قائلا "النظام الأكاديمي في الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية لا يسير على محددات فعلية لقياس نسبة الاقتباس المقبولة، وغالبا ما تعتمد نسبة لا تزيد على 25% من المتشابهات والاقتباس من إجمالي المؤلف أو البحث العلمي أو الدارسة لقبولها، وتعتبر إدارة الجامعات ما يزيد على ذلك مخالفاً"، وهو ما ينتقده الدكتور اليازوري، معتبرا أن نسبة 25% من الاقتباس كبيرة، والأصل أن يُمنع نشر البحث أو المؤلف الذي يحتوي على هذه النسبة العالية التي تفقد المادة العلمية مصداقيتها بأصالة وجدة المعلومات والبيانات المدونة، والأصل إحالة من يتجاوزها إلى القضاء، الأمر الذي يوافق ما ذهب إليه عميد البحث العلمي في الجامعة الإسلامية الذي يطالب بألا تزيد الاقتباسات والمتشابهات في المؤلفات الأكاديمية والدراسات العلمية عن 15% من إجمالي المادة وألا تتجاوز نسبة الاقتباس من المصدر الواحد حاجز الـ 5% من المادة العلمية، قائلا "لجنة تحكيم في الجامعات تراجع الكتاب أو البحث لتقييمه ومطابقته للمواصفات البحثية، وسبق إلغاء 6 من الأبحاث المقدمة لنيل درجة الماجستير والعلاوات الأكاديمية خلال عام 2017 ومطلع عام 2018 بسبب تجاوزها النسبة المقرة سلفا".
نظام الترقي
أكد عمداء البحث العلمي في الجامعات الفلسطينية المشاركين بالتحقيق، أن لكل جامعة نظامها الخاص في الترقية الأكاديمية، وبينما تتبع الجامعة الإسلامية ضمن لوائحها الداخلية نظام النقاط لترقية المحاضر، والذي يوجب على المحاضر الراغب في نيل درجة أستاذ مساعد أن يقدم بحثين للحصول على 200 نقطة، (لكل بحث مائة نقطة)، أما نيل درجة أستاذ مشارك فتتطلب أن يحقق الباحث 400 نقطة وتقسم نصفها لبحث يقدم وينشر في مجلة الجامعة، والنصف الآخر عبر نشر الأبحاث في مجلات دولية.
وتشترط جامعة الأزهر على المحاضر الراغب في الحصول على درجة أستاذ مساعد بأن يقدم بحثين، ولكن لا تحسب كافة النقاط على الأبحاث، بل تكون موزعة بين نشاط أكاديمي ومشاركة فعالة في المحاضرات والحضور، فيما يقدم المحاضر بحثين على الأقل للحصول على لقب أستاذ مشارك، وتحسب له نصف النقاط على أنشطة نشاط ومحددات أكاديمية وفنية، أما الحصول على درجة أستاذ دكتور فتسجل له بعد مضي أربع سنوات من الخبرة الأكاديمية وتقديمه خمسة أبحاث، بحسب عميد البحث العلمي في الجامعة.
كتب للبيع
يعرض باحثون على أساتذة في القطاع توفير رسائل علمية ومؤلفات أكاديمية جاهزة لهم في مقابل المال، وفق ما أكده أستاذ الإعلام في جامعة فلسطين الدكتور حسن دوحان، الذي يقول إن الظاهرة باتت منتشرة في القطاع.
ووفق دوحان فإن باحثا حاصلا على درجة الماجستير عرض عليه إجراء بحث يحمل اسمه مقابل مبلغ من المال، لكنه رفض ذلك، قائلا "الظاهرة خطرة، وبعض الباحثين والأساتذة خاصة الكسولين أو المشغولين، لا يجهدون أنفسهم في البحث والتفكير، ويكلفون شخصاً بإعداد بحث أو تأليف كتاب مقابل مبلغ مالي، وهذا الكتاب قد يكون مسروقا أو ذا مضمون ضعيف، ويهمهم فقط الحصول على الدرجة العلمية الأكاديمية أو العلاوة.
انعدام تطبيق القانون
يسري قانون حقوق الطبع والتأليف لعام 1911 الصادر في الحقبة العثمانية حتى الآن وفق ما أوضحه مدير الشؤون القانونية في المجلس التشريعي الفلسطيني بغزة، أمجد الأغا، والذي وصف القانون بالقديم والمهترئ، قائلا "لم تصدر قوانين جديدة تعالج مشكلات السرقة والتعدي على الملكية الفكرية، رغم وجود أكثر من مشروع قانون، لكنها لم تصبح نافذة بسبب الانقسام وتعطل المجلس التشريعي".
وتنص المادة 6 من القانون المذكور على أنه "إذا وقع تعدّ على حق الطبع والتأليف المحفوظ في أثر، فيحق لصاحب الحق المذكور أن يلجأ إلى كافة طرق المقاضاة التي يخوله أو قد يخوله إياها القانون فيما يتعلق بالتعدي على ذلك الحق كاستصدار أمر تحذيري أو أمر بالمنع أو الحصول على عطل وضرر أو محاسبة المتعدي"، لكن محمد الشريف مدير عام المعارض والمكتبات في وزارة الثقافة، (الجهة المخولة وفق القانون بتسجيل المؤلفات عبر أرقام إيداع لحمايتها من الانتحال الأدبي)، يرى أن عدم تسجيل الأكاديميين والجامعات لمؤلفاتهم برقم إيداعي، يؤدي إلى العجز عن تفعيل القانون لحماية المؤلفات العلمية، الأمر الذي يؤيده بكر التركماني المحامي والخبير القانوني بالهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم)، قائلا "قانون حق التأليف العثماني لعام 1910 نصّ على توفير الحماية القانونية للمؤلفات حال نشرها بشرط إيداعها لدى الجهات المختصة" وبالتالي لا يمكن مقاضاة المعتدين على تلك الحقوق ما لم يتم تسجيل المؤلفات الأكاديمية والتقدم بشكوى قضائية، بينما أوصى الأكاديمي دوحان بتشكيل لجنة موحدة من الجامعات ووزارة التربية والتعليم العالي، يعرض عليها المؤلفات الأكاديمية والبحوث العلمية، مع توفير نظام محوسب يسهل كشف السرقات أو التعديات على حقوق الملكية الفكرية، وأن تتم مناقشة صاحب المؤلف في أدق التفاصيل لمعرفة إذا كان مسروقاً، أو كتبه أحدهم لصالحه، قائلا "لا بد أن تكون اللجنة هي المخولة بمنح المؤلف أو الباحث شهادة تسمح له بنشر مؤلفه".