فوجئ الدكتور فتح أحمد، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة النيلين السودانية الحكومية، بتقديم أحد طلابه بحثاً منتحَلاً من آخر، يعود لطالبة درست لديه قبل سنوات، ما جعله يرفض البحث ويأمر الطالب بإعادته، إذ يركز في عمله على قياس مستوى الطالب العام مقارنة بالبحث المقدم، والتوافق بين فروض البحث ونتائجه، والمقارنة بين التوصيات والخاتمة، ومدى التكامل بين الفصول، فضلا عن طريقة التسليم، فالطالب الذي يسلّم بحثه دفعة واحدة وبشكل متعجل، يمكن الشك فيه، كما يقول، خاصة بعد انتشار مراكز متخصصة في ما يسمى بمساعدة الباحثين وطباعة وتغليف البحوث العلمية وتصوير المستندات، بالقرب من بعض الجامعات السودانية.
وتبيع بعض تلك المكتبات أبحاثا كاملة منقولة من أخرى للطلاب، بحسب العنوان الذي يختارونه، وفق ما وثّقه مُعدّ التحقيق عبر جولة ميدانية على بعض تلك المراكز التي يعمل فيها متخصصون في علم الحاسوب وتقنية المعلومات، إذ رصد 10 أبحاث يجري إعدادها لصالح طلاب، من بينها بحث لطالبتين بعنوان "التداخل القبلي بين السودان وأفريقيا الوسطى، وأثره على الصراعات في الحدود"، تمت إعادته إلى صاحب المركز بعد أن شكّت المشرفة في أن البحث منقول من بحوث أخرى، ما دعا الطالبتين إلى الطلب من أحد موظفي المركز بذل المزيد من الجهد لتغييره، حتى لا تكتشف المشرفة أمرهما مرة أخرى.
اقــرأ أيضاً
توثيق عملية الانتحال العلمي
توجّه معدّ التحقيق إلى مركز لخدمات الطلاب بالقرب من جامعتي النيلين والسودان في الخرطوم، وادعى أنه طالب جامعي بقسم العلوم السياسية في جامعة الزعيم الأزهري الحكومية، وطلب من صاحب المركز بحثاً تكميلياً لنيل درجة البكالوريوس، بعنوان "أثر التنمية السياسية على الاستقرار السياسي في السودان"، لكن صاحب المركز اعتذر عن وجود عنوان مماثل، أو قريب منه، بيد أن موظفا في المركز نفسه استعرض له عناوين أخرى، رفضها معد التحقيق، وتوجه إلى مركز آخر في ذات المنطقة، وهناك وجد أحد العاملين الذي تعهّد له بتجهيز البحث خلال ثلاثة أيام، لا تنقص ولا تزيد، كما قال، طالبا منه اسم الجامعة والكلية والقسم، واسم الأستاذ المشرف على البحث، ومبلغ 300 جنيه سوداني (17 دولارا أميركيا). وفور انتهاء المدة، اكتمل البحث من كل النواحي، بما فيه التغليف الخارجي، مع وعد بإجراء أية تعديلات لاحقة يمكن أن يطلبها الأستاذ المشرف على البحث.
عبر البحث على محرك البحث غوغل باستخدام عبارة "تعد عملية التنمية السياسية عملية معقدة ومتشعبة" الواردة في مقدمة البحث، توصّل معد التحقيق إلى أن المستخلص من الدراسة، وجزءا كبيرا من الإطار النظري، منقول بالكامل من رسالة للحصول على درجة الماجستير، للطالب العماني علي بن سليمان بن سعيد الدرمكي، تقدم بها إلى كلية الآداب والعلوم، في جامعة الشرق الأوسط بالأردن.
وبالفعل، أقر موظف في المركز بأن جزءا من البحث منقول من مواقع على الإنترنت، ومن بحوث قُدمت إلى جامعات أخرى، قائلا لمعد التحقيق إن مهمته تنحصر في تجميع المادة وتنسيقها، وإعداد الخاتمة والتوصيات النهائية فقط.
الأمر اللافت أن الباحث وجه شكرا وتقديرا في مقدمة البحث لأسرة مكتبة الجامعة التي أخبره معد التحقيق أنه يدرس فيها، وإلى مكتبة جامعة السودان ومكتبة جامعة النيلين، رغم علمه أنه لم يذهب إلى أي مكتبة.
ضياع القيم الأخلاقية العلمية
ينفي صبري الشريف، صاحب مركز الجامعة، الواقع بالقرب من جامعة الزعيم الأزهري في الخرطوم بحري، عمل مركزه في إعداد البحوث الكاملة، لأنها عملية غير أخلاقية، كما يقول، مضيفا أن عبارة مساعدة الباحثين المعلقة على جدار مركزه، مقصود بها مساعدة الطلاب في الحصول على مراجع ومعلومات وتوفير استشارات بحثية.
ويتفق معه محمد سعيد، صاحب مركز النافذة الواقع بالقرب من جامعة الخرطوم، مؤكدا أنهم يساعدون الطلاب في إعداد الأوراق العملية، وغيرها من أعمال السنة، لكنهم لا يجهزون بحوثا كاملة، قائلا، لـ"العربي الجديد"، إن ظاهرة انتحال البحوث العلمية غير منتشرة في جامعة الخرطوم، لأن عدد الطلاب في الفصل الواحد قليل، الأمر الذي يساعد الأستاذ على مراجعة البحوث بدقة، وتابع "الظاهرة قد تكون منتشرة في الجامعات التي يكون أعداد الطلاب فيها أكبر من عدد الأساتذة"، ومنها الجامعة التي يدرس فيها الطالب السوداني عماد الشريف علي (اسم مستعار بناء على طلبه، خشية من تعرّضه لمشكلات في الجامعة) والذي يسعى إلى الالتحاق بالعمل في إحدى المنظمات غير الحكومية الدولية، ما دعاه للسعي إلى الحصول على بكالوريوس علم اجتماع، وتطلّب الأمر منه الحصول على بحث جاهز من مركز متخصص في تقديم خدمات للطلاب بمنطقة الشهداء في أم درمان، بعنوان "دور المجتمع المدني في كفالة الأطفال المشردين"، يقدمه لجامعته ضمن متطلبات التخرج، وفق إفادته لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه لجأ إلى فكرة تكليف مركز الخدمات لإعداد البحث في مقابل مبلغ 400 جنيه سوداني (22 دولارا)، لأن ظروف عمله كمحاسب لن تسمح له بدخول المكتبات الجامعية والعامة، والقيام بالدراسات واستطلاع عينات وغيرها، مكتفيا بمراجعة البحث حتى يستعد لمناقشته أمام أستاذه. وهو ما يصفه رئيس قسم الإعلام وتكنولوجيا الاتصال في جامعة غرب كردفان، الدكتور خليل عبد الله، بظاهرة تدنّي القيم الأخلاقية العلمية، قائلا لـ"العربي الجديد" إن ضعف اهتمام بعض الأساتذة بمراجعة البحوث التي يقدمها الطلاب، وضعف الطلاب في اللغات الأجنبية، وسهولة الحصول على المعلومة من الإنترنت، وتجاهل بعض الأساتذة لتعليم طلابهم مهارة تحليل المعلومات وقراءتها، بشكل ناقد وفاحص، فضلا عن عدم توفر المراجع والكتب والأوراق العلمية والدوريات في معظم المكتبات السودانية، تعد أبرز أسباب انتشار الظاهرة.
لكن الدكتور راشد عبد الحليم، مدير إدارة البحث العلمي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، يؤكد أن المفهوم التقليدي للمكتبات انتهى تماما، وظهرت المكتبات الحديثة على الإنترنت، والتي يوجد في الواحدة منها، نحو 10 آلاف مرجع متخصص، مشيرا إلى أن الوزارة توفرها، من خلال دفع رسوم الاشتراك في تلك المكتبات، وتعمل على تعميمها على الجامعات.
اقــرأ أيضاً
ضوابط غائبة
أكثر المجالات التي يعمد أصحاب مراكز تقديم الخدمات للطلاب الجامعيين إلى انتحال البحوث العلمية الخاصة بها، هي التجارة والمحاسبة والتأمين وإدارة الأعمال والاجتماع والاقتصاد والعلوم السياسية والتطبيقية، من خلال جمع المعلومات من الكتب والدراسات السابقة والبحوث القديمة المنشورة على الإنترنت، وفق ما أوضحه مختار عابدين (اسم مستعار بناء على طلبه) الذي يعمل في مساعدة الباحثين بأحد المراكز، مشيرا إلى أن بعض الطلاب يطلبون خطة بحث فقط، وبعضهم يطلب معلومات محددة، وآخرين يطلبون إجراء دراسة تطبيقية، فيما يطلب آخرون بحثاً كاملاً، وهؤلاء من المنتسبين للجامعات من الموظفين غير المنتظمين في الدراسة.
وتحدد أسعار البحوث الطلابية المنتحَلة وفقا لنوع البحث وعدد أوراقه والدراسات التطبيقية والإحصائية والجُهد البحثي، إذ تتراوح الأسعار بين 600 جنيه (33 دولارا) و2000 جنيه (111 دولارا) بحسب عابدين، مؤكدا أن أصحاب المراكز الذين يقومون بإعداد البحوث يعملون بصورة طبيعية، وليس هناك قانون يمنعهم من ذلك.
غير أن الدكتور عبد الحليم يؤكد على تطبيق لوائح جامعية مختلفة من مؤسسة لأخرى ضد المنتحلين، لافتا إلى اختلاف العقوبات حسب اللوائح، ومن بينها حجب الدرجة العلمية والفصل من الجامعة، في حالة طلاب الماجستير والدكتوراه، في حين يتم التعامل بصورة مخففة مع طلاب البكالوريوس الذين تنظر في أمر انتحالهم لجنة داخلية، وتأمر الطالب بإعادة البحث، أو أي قرار آخر تراه مناسباً، لأن الوزارة لا تُصنف طلاب البكالوريوس ضمن قائمة الباحثين، إنما تعمل على تهيئتهم للمستقبل العلمي، أو العملي. وتابع، في إفادته لـ "العربي الجديد": "بمجرد دراسة الطلاب لمناهج البحث، وتطبيقها بجمع المعلومات، يكونون قد حققوا الهدف الأول، على أن يستكملوا مسيرة البحث العلمي في مراحل لاحقة، لذا لا يكون التشديد عليهم، حتى ولو تكررت بعض العناوين. تركيز الوزارة ينصبّ على طلاب الدراسات العليا".
محاولات للحد من الظاهرة
سعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى زيادة المشرفين على البحوث، لكل الدرجات العلمية، من خلال تأهيل نحو 5 آلاف من حملة الدكتوراه والماجستير، للتعامل مع مشكلة قلة المشرفين، رغم ظروف الهجرة المتصاعدة وسط أساتذة الجامعات، بحسب تأكيد البروفسور عبد الحليم، غير أن رئيس قسم الإعلام في جامعة غرب كردفان، الدكتور خليل عبد الله، يدعو إلى التركيز على تزويد الطلاب بأخلاقيات البحث العلمي. فيما ذهبت الدكتورة سلافة عثمان، الخبيرة في الجودة الأكاديمية والأستاذة المتعاونة في قسم العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، إلى المطالبة بضرورة اتفاق الجامعات العربية على تفعيل فكرة رقم الجودة، حتى تكون كل البحوث العربية ضمن قائمة واحدة، وبرقم مرجعي، حتى لا يتكرر العنوان أكثر من مرة، مقترحة تطبيق التقويم السري للجامعات، عبر إرسال البحث للمشرفين الأكاديميين، من دون توضيح اسم مُعد البحث، أو الأستاذ المشرف عليه، للتخلص من هذه الظاهرة التي تعود إلى الشخصية الميالة إلى الاستهلاكية أكثر من الإبداع والتفكير الخلاق، كما تقول.
وتبيع بعض تلك المكتبات أبحاثا كاملة منقولة من أخرى للطلاب، بحسب العنوان الذي يختارونه، وفق ما وثّقه مُعدّ التحقيق عبر جولة ميدانية على بعض تلك المراكز التي يعمل فيها متخصصون في علم الحاسوب وتقنية المعلومات، إذ رصد 10 أبحاث يجري إعدادها لصالح طلاب، من بينها بحث لطالبتين بعنوان "التداخل القبلي بين السودان وأفريقيا الوسطى، وأثره على الصراعات في الحدود"، تمت إعادته إلى صاحب المركز بعد أن شكّت المشرفة في أن البحث منقول من بحوث أخرى، ما دعا الطالبتين إلى الطلب من أحد موظفي المركز بذل المزيد من الجهد لتغييره، حتى لا تكتشف المشرفة أمرهما مرة أخرى.
توثيق عملية الانتحال العلمي
توجّه معدّ التحقيق إلى مركز لخدمات الطلاب بالقرب من جامعتي النيلين والسودان في الخرطوم، وادعى أنه طالب جامعي بقسم العلوم السياسية في جامعة الزعيم الأزهري الحكومية، وطلب من صاحب المركز بحثاً تكميلياً لنيل درجة البكالوريوس، بعنوان "أثر التنمية السياسية على الاستقرار السياسي في السودان"، لكن صاحب المركز اعتذر عن وجود عنوان مماثل، أو قريب منه، بيد أن موظفا في المركز نفسه استعرض له عناوين أخرى، رفضها معد التحقيق، وتوجه إلى مركز آخر في ذات المنطقة، وهناك وجد أحد العاملين الذي تعهّد له بتجهيز البحث خلال ثلاثة أيام، لا تنقص ولا تزيد، كما قال، طالبا منه اسم الجامعة والكلية والقسم، واسم الأستاذ المشرف على البحث، ومبلغ 300 جنيه سوداني (17 دولارا أميركيا). وفور انتهاء المدة، اكتمل البحث من كل النواحي، بما فيه التغليف الخارجي، مع وعد بإجراء أية تعديلات لاحقة يمكن أن يطلبها الأستاذ المشرف على البحث.
عبر البحث على محرك البحث غوغل باستخدام عبارة "تعد عملية التنمية السياسية عملية معقدة ومتشعبة" الواردة في مقدمة البحث، توصّل معد التحقيق إلى أن المستخلص من الدراسة، وجزءا كبيرا من الإطار النظري، منقول بالكامل من رسالة للحصول على درجة الماجستير، للطالب العماني علي بن سليمان بن سعيد الدرمكي، تقدم بها إلى كلية الآداب والعلوم، في جامعة الشرق الأوسط بالأردن.
وبالفعل، أقر موظف في المركز بأن جزءا من البحث منقول من مواقع على الإنترنت، ومن بحوث قُدمت إلى جامعات أخرى، قائلا لمعد التحقيق إن مهمته تنحصر في تجميع المادة وتنسيقها، وإعداد الخاتمة والتوصيات النهائية فقط.
الأمر اللافت أن الباحث وجه شكرا وتقديرا في مقدمة البحث لأسرة مكتبة الجامعة التي أخبره معد التحقيق أنه يدرس فيها، وإلى مكتبة جامعة السودان ومكتبة جامعة النيلين، رغم علمه أنه لم يذهب إلى أي مكتبة.
ضياع القيم الأخلاقية العلمية
ينفي صبري الشريف، صاحب مركز الجامعة، الواقع بالقرب من جامعة الزعيم الأزهري في الخرطوم بحري، عمل مركزه في إعداد البحوث الكاملة، لأنها عملية غير أخلاقية، كما يقول، مضيفا أن عبارة مساعدة الباحثين المعلقة على جدار مركزه، مقصود بها مساعدة الطلاب في الحصول على مراجع ومعلومات وتوفير استشارات بحثية.
ويتفق معه محمد سعيد، صاحب مركز النافذة الواقع بالقرب من جامعة الخرطوم، مؤكدا أنهم يساعدون الطلاب في إعداد الأوراق العملية، وغيرها من أعمال السنة، لكنهم لا يجهزون بحوثا كاملة، قائلا، لـ"العربي الجديد"، إن ظاهرة انتحال البحوث العلمية غير منتشرة في جامعة الخرطوم، لأن عدد الطلاب في الفصل الواحد قليل، الأمر الذي يساعد الأستاذ على مراجعة البحوث بدقة، وتابع "الظاهرة قد تكون منتشرة في الجامعات التي يكون أعداد الطلاب فيها أكبر من عدد الأساتذة"، ومنها الجامعة التي يدرس فيها الطالب السوداني عماد الشريف علي (اسم مستعار بناء على طلبه، خشية من تعرّضه لمشكلات في الجامعة) والذي يسعى إلى الالتحاق بالعمل في إحدى المنظمات غير الحكومية الدولية، ما دعاه للسعي إلى الحصول على بكالوريوس علم اجتماع، وتطلّب الأمر منه الحصول على بحث جاهز من مركز متخصص في تقديم خدمات للطلاب بمنطقة الشهداء في أم درمان، بعنوان "دور المجتمع المدني في كفالة الأطفال المشردين"، يقدمه لجامعته ضمن متطلبات التخرج، وفق إفادته لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه لجأ إلى فكرة تكليف مركز الخدمات لإعداد البحث في مقابل مبلغ 400 جنيه سوداني (22 دولارا)، لأن ظروف عمله كمحاسب لن تسمح له بدخول المكتبات الجامعية والعامة، والقيام بالدراسات واستطلاع عينات وغيرها، مكتفيا بمراجعة البحث حتى يستعد لمناقشته أمام أستاذه. وهو ما يصفه رئيس قسم الإعلام وتكنولوجيا الاتصال في جامعة غرب كردفان، الدكتور خليل عبد الله، بظاهرة تدنّي القيم الأخلاقية العلمية، قائلا لـ"العربي الجديد" إن ضعف اهتمام بعض الأساتذة بمراجعة البحوث التي يقدمها الطلاب، وضعف الطلاب في اللغات الأجنبية، وسهولة الحصول على المعلومة من الإنترنت، وتجاهل بعض الأساتذة لتعليم طلابهم مهارة تحليل المعلومات وقراءتها، بشكل ناقد وفاحص، فضلا عن عدم توفر المراجع والكتب والأوراق العلمية والدوريات في معظم المكتبات السودانية، تعد أبرز أسباب انتشار الظاهرة.
لكن الدكتور راشد عبد الحليم، مدير إدارة البحث العلمي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، يؤكد أن المفهوم التقليدي للمكتبات انتهى تماما، وظهرت المكتبات الحديثة على الإنترنت، والتي يوجد في الواحدة منها، نحو 10 آلاف مرجع متخصص، مشيرا إلى أن الوزارة توفرها، من خلال دفع رسوم الاشتراك في تلك المكتبات، وتعمل على تعميمها على الجامعات.
ضوابط غائبة
أكثر المجالات التي يعمد أصحاب مراكز تقديم الخدمات للطلاب الجامعيين إلى انتحال البحوث العلمية الخاصة بها، هي التجارة والمحاسبة والتأمين وإدارة الأعمال والاجتماع والاقتصاد والعلوم السياسية والتطبيقية، من خلال جمع المعلومات من الكتب والدراسات السابقة والبحوث القديمة المنشورة على الإنترنت، وفق ما أوضحه مختار عابدين (اسم مستعار بناء على طلبه) الذي يعمل في مساعدة الباحثين بأحد المراكز، مشيرا إلى أن بعض الطلاب يطلبون خطة بحث فقط، وبعضهم يطلب معلومات محددة، وآخرين يطلبون إجراء دراسة تطبيقية، فيما يطلب آخرون بحثاً كاملاً، وهؤلاء من المنتسبين للجامعات من الموظفين غير المنتظمين في الدراسة.
وتحدد أسعار البحوث الطلابية المنتحَلة وفقا لنوع البحث وعدد أوراقه والدراسات التطبيقية والإحصائية والجُهد البحثي، إذ تتراوح الأسعار بين 600 جنيه (33 دولارا) و2000 جنيه (111 دولارا) بحسب عابدين، مؤكدا أن أصحاب المراكز الذين يقومون بإعداد البحوث يعملون بصورة طبيعية، وليس هناك قانون يمنعهم من ذلك.
غير أن الدكتور عبد الحليم يؤكد على تطبيق لوائح جامعية مختلفة من مؤسسة لأخرى ضد المنتحلين، لافتا إلى اختلاف العقوبات حسب اللوائح، ومن بينها حجب الدرجة العلمية والفصل من الجامعة، في حالة طلاب الماجستير والدكتوراه، في حين يتم التعامل بصورة مخففة مع طلاب البكالوريوس الذين تنظر في أمر انتحالهم لجنة داخلية، وتأمر الطالب بإعادة البحث، أو أي قرار آخر تراه مناسباً، لأن الوزارة لا تُصنف طلاب البكالوريوس ضمن قائمة الباحثين، إنما تعمل على تهيئتهم للمستقبل العلمي، أو العملي. وتابع، في إفادته لـ "العربي الجديد": "بمجرد دراسة الطلاب لمناهج البحث، وتطبيقها بجمع المعلومات، يكونون قد حققوا الهدف الأول، على أن يستكملوا مسيرة البحث العلمي في مراحل لاحقة، لذا لا يكون التشديد عليهم، حتى ولو تكررت بعض العناوين. تركيز الوزارة ينصبّ على طلاب الدراسات العليا".
محاولات للحد من الظاهرة
سعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى زيادة المشرفين على البحوث، لكل الدرجات العلمية، من خلال تأهيل نحو 5 آلاف من حملة الدكتوراه والماجستير، للتعامل مع مشكلة قلة المشرفين، رغم ظروف الهجرة المتصاعدة وسط أساتذة الجامعات، بحسب تأكيد البروفسور عبد الحليم، غير أن رئيس قسم الإعلام في جامعة غرب كردفان، الدكتور خليل عبد الله، يدعو إلى التركيز على تزويد الطلاب بأخلاقيات البحث العلمي. فيما ذهبت الدكتورة سلافة عثمان، الخبيرة في الجودة الأكاديمية والأستاذة المتعاونة في قسم العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، إلى المطالبة بضرورة اتفاق الجامعات العربية على تفعيل فكرة رقم الجودة، حتى تكون كل البحوث العربية ضمن قائمة واحدة، وبرقم مرجعي، حتى لا يتكرر العنوان أكثر من مرة، مقترحة تطبيق التقويم السري للجامعات، عبر إرسال البحث للمشرفين الأكاديميين، من دون توضيح اسم مُعد البحث، أو الأستاذ المشرف عليه، للتخلص من هذه الظاهرة التي تعود إلى الشخصية الميالة إلى الاستهلاكية أكثر من الإبداع والتفكير الخلاق، كما تقول.