الاختفاء المؤقت لكيم جونغ أون: فشل استراتيجية ترامب

06 مايو 2020
لقاء ترامب وكيم على الحدود بين الكوريتين(برندان سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -
للمرة الأولى منذ خلافته والده كيم جونغ ـ إيل عام 2011، أثار الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ـ أون، قلقاً عالمياً بغيابه عن الأنظار أكثر من 20 يوماً، منذ 11 إبريل/نيسان الماضي، خصوصاً تغيبه عن الاحتفالات بمناسبة ذكرى مولد جده، كيم إيل - سونغ مؤسس الدولة الحالية، في 15 إبريل الماضي، ما سمح على مدى ثلاثة أسابيع بتدفق تحليلات وشائعات حول احتمال وفاته والبحث عن وريث له، خصوصاً بعد الأحاديث التي راجت عن إجرائه عملية جراحية. وخلال هذه الفترة كان لافتاً إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تأكيد أنه على دراية جيدة بوضع كيم الصحي، قبل أن يبدي سعادته "لرؤيته مرة أخرى بصحة جيدة". ومع ظهوره يوم الجمعة الماضي، خلال افتتاح مصنع للأسمدة قرب العاصمة بيونغ يانغ، للمرة الأولى منذ اختفائه عن الأنظار، بات واضحاً سبب المخاوف الأميركية من احتمال غيابه: الأسلحة النووية.

في السياق، رأت الكاتبة في "بوليتيكو"، جونغ أتش باك، أن ترقّب ترامب وحذره وتناقضه في أحيانٍ كثيرة في إجاباته حول كيم، يعود لاستناده في المفاوضات حول كوريا الشمالية إلى شخص كيم فقط، وهو ما أكده بقوله "لو كان هناك شخص آخر في هذا الموقف، لكنا الآن في حالة حرب مع كوريا الشمالية". ودلّ هذا الأمر على محدودية استراتيجية ترامب، المتمحورة حول تجنب العمليات الدبلوماسية التقليدية وحصر العلاقات الأميركية مع كوريا الشمالية بقناة واحدة بينه وبين كيم. مع ذلك، فإن التواصل المباشر بين ترامب وكيم لم يؤدِ إلى اختراقات دبلوماسية، فترامب منح كيم شرعية عالمية في ظلّ مواصلته بناء ترسانته النووية. كما سمح للزعيم الكوري الشمالي بتجاهل مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية على كل المستويات، مغلقاً المحادثات الجدّية، مع إضعاف قدرة واشنطن على جمع الأفكار حول بيونغ يانغ. وهو ما جعل إدارة ترامب غير جاهزة للتعامل مع أي ظرفٍ مستجد وطارئ، فمن المحتمل امتلاك كوريا الشمالية الصواريخ النووية، وأسلحة بيولوجية وكيميائية، ومجموعة متنوعة من الصواريخ البالستية وجيش يضم مليون شخص. وكل ذلك ممسوك بيد كيم وفقاً للدعاية الرسمية في بيونغ يانغ. بالتالي، ففي حال غياب كيم عن الواجهة، يمكن أن يؤدي نشوب صراع على السلطة في كوريا الشمالية، إلى فقدان السيطرة على الأسلحة، بما قد يفضي إلى استخدامها أو بيعها. هذا التطور وحده قد يدفع إلى تدخل عسكري أميركي وصيني وكوري جنوبي.
واعتبرت جونغ أن إدارة ترامب ليست مستعدة للتعامل مع كوريا الشمالية بعد رحيل كيم، حتى أن قرار ترامب الأحادي في عام 2018 بالتعامل مباشرة مع الزعيم الكوري الشمالي، و"تهميشه" المفاوضين في قمة فبراير/شباط 2019 الفاشلة في هانوي الفيتنامية، قوض الدبلوماسية الثنائية بين البلدين وصولاً إلى تبادل الرسائل القليلة بين ترامب وكيم. ليس لدى ترامب سوى القليل ليظهره، فقد بنى كيم ترسانة نووية أكثر خطورة وقوة من قبل، مقدماً وعوداً فارغة بأنه سيعمل على "نزع السلاح النووي الكامل لشبه الجزيرة الكورية". وهو تعهّد لا يرقى إلى مستوى الاتفاقات السابقة، مثل البيان المشترك لعام 2005 الذي التزمت فيه كوريا الشمالية بالتخلي عن جميع الأسلحة النووية والبرامج النووية القائمة.

في غضون ذلك، قوّضت رغبة ترامب في إجراء صفقة كبرى مع كيم، عمل دبلوماسييه الذين كافحوا من أجل التأثير على نظرائهم الكوريين الشماليين حتى في تحديد معنى مصطلح "نزع السلاح النووي". في الواقع، من الصعب تحديد مدى النجاح الذي كان سيحققه الدبلوماسيون الأميركيون عبر إقامة اتصالات جوهرية ومستدامة لو لم يتابع ترامب انفصاله الفردي، لكن تصرفات ترامب بالتأكيد لم تساعد، وفقاً لجونغ. فقد أطرى الرئيس الأميركي على كيم، وأجّل المناورات العسكرية مع كوريا الجنوبية، ومنع فرض عقوبات واسعة على كوريا الشمالية، رغم استمرار التجارب الصاروخية لبيونغ يانغ من جهة، وانتهاكها حقوق الإنسان من جهة أخرى. سمح هذا الأمر لكيم بتجاهل تعميق الاستثمار في المحادثات مع الولايات المتحدة. كما أدت خطوات ترامب إلى منع الدبلوماسيين الأميركيين من إقامة اتصالات قد تكون حاسمة الآن في وضع كوريا الشمالية.

بدورهما، تحدث كل من إيما أشفورد، وماثيو كرونيغ في "فورين بوليسي" عن خلافة كيم، فاعتبرا أن شقيقته كيم يو ـ جونغ، هي الأوفر حظاً لوراثته، مع الأخذ في عين الاعتبار احتمال تسليم السلطة لقائد عسكري كبير. ومع ذكرهما بأن الشقيقة شاركت في محطات كسر الجليد بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي أُقيمت في الجنوب عام 2018، كأرفع مسؤولة تزوره من الشمال، فضلاً عن لقائها نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، أعرب كل من أشفورد، وكرونيغ عن اعتقادهما بأن الشقيقة خطت خطوة نحو الاعتراف بها وريثة لكيم لدى الغرب. غير أنهما حذّرا من احتمال انهيار النظام، في حال تمرّد فصيل مناوئ عليها، ما قد يؤدي إلى حرب كبيرة في شبه الجزيرة الكورية.

واعتبرا أن أي انهيار في كوريا الشمالية يمكن أن يضع القوات الأميركية والقوات الصينية في مواجهة بعضهما البعض، مع انتشار 28 ألف جندي أميركي في سيول، بعد الحرب الكورية (1950 ـ 1953). لكنهما وضعا في الحسبان احتمال اتفاق واشنطن وبكين على ترتيب جديد، يضمن مصالحهما من دون الانغماس في نزاع مسلّح. وما يعزز قوة هذه الفرضية، هو محاولة أميركا استخدام انهيار النظام العراقي عام 2003 كـ"فرصة"، غير أنه تحوّل إلى أزمة واسعة فاقمت الوضع في الشرق الأوسط، ما يمنع الأميركيين من تكرار الأمر في كوريا الشمالية. أما في حال اتحاد شبه الجزيرة الكورية تحت حكم سيول، فمن المؤكد أن الحكومة المنبثقة عن عملية التوحيد، ستقوم بتفكيك البرنامج النووي.

الحرب النووية ليست الاحتمال الوحيد الذي يقلق الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والصين واليابان، إذ يمكن للانهيار الداخلي في كوريا الشمالية وأي صراع يأخذ طابعاً مسلحاً أن يؤدي إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين، مما يفرض ضغوطاً على قدرة المنطقة على الاستجابة، خصوصاً في ظلّ تفشي وباء كورونا. فمن أصل 25 مليون مواطن كوري شمالي، يعاني 10 ملايين منهم من سوء التغذية و8 ملايين يفتقرون إلى المياه النظيفة، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالفيروسات وغيرها من الأمراض. ويمكن أن يؤدي عدم الاستقرار الداخلي أيضاً إلى كشف التدابير الصارمة التي تتخذها الدولة لاحتواء وباء كورونا، فقد كثفت الدولة حملتها لمكافحة الفيروسات، بما في ذلك تعزيز عمليات إغلاق الحدود وتفتيش السلع المستوردة، في إشارة إلى وجود إصابات بين مواطنيها، رغم إصرارها على عدم احتوائها على أي إصابات.

(العربي الجديد)

المساهمون