الاحتلال يسترد تكاليف الحرب من إعادة إعمار غزة

12 أكتوبر 2014
مواد بناء إسرائيلية لإعمار غزة (محمد عبد/فرانس برس)
+ الخط -

يُستدل من تفاصيل خطة إعادة إعمار قطاع غزة المنشورة حتى الآن، وبحسب الشروط الإسرائيلية، أن الاحتلال يعتزم في واقع الحال، استرداد تكاليف حربه على غزة من الأرباح التي سيجنيها من مشروع إعادة إعمار القطاع من جهة، ومن مواصلة احتكار البضائع والمواد الغذائية والمواد الخام الأخرى وخدمات الطاقة والبنزين والسولار التي يبيعها الى القطاع من جهة ثانية.

احتكار إدخال البضائع والمواد الخام الضرورية لإعادة إعمار غزة بعد الحرب الإسرائيلية من المعبر الإسرائيلي كرم أبو سالم، كما كشفت "العربي الجديد" في وقت سابق، يعني تنازلاً مصرياً غير مفهوم، مثلاً عن دور الموانئ والمعابر المصرية ولا سيما ميناء العريش ومعبر رفح البري لإيصال المواد اللازمة لإعادة إعمار القطاع.

وكانت السلطة الفلسطينية قد قدّرت في تقارير نُشرت في فترات سابقة، تكاليف إعادة إعمار قطاع غزة بأنها لن تقل عن 7,9 مليارات دولار.

لكن ما يجري السكوت عنه لغاية الآن في مشروع إعادة إعمار القطاع، هو حجم الواردات والأرباح التي ستجنيها إسرائيل من المشروع عبر بوابة كرم أبو سالم. فمنح إسرائيل امتياز إدخال مواد البناء عبر معبرها البري، بموافقة السلطة الفلسطينية (سواء كانت هذه الموافقة حصلت بشكل حرّ أم رغماً عن السلطة الفلسطينية) والسكوت الظاهر للنظام في مصر، يعني إطلاق صناعة كاملة للسلطات الإسرائيلية، تبدأ بالرسوم الجمركية التي ستأخذها إسرائيل مع وصول هذه البضائع إلى موانئها، مروراً بتكاليف شحن هذه المواد ونقلها حتى معبر كرم أبو سالم، فصلاً عن بيع مواد خام إسرائيلية بامتياز بحجة توفير مصاريف استيرادها من الخارج. وهي "صناعة" ستدرّ على إسرائيل نسبة لا يُستهان بها من مجمل تكاليف مشروع إعادة الإعمار في غزة.

لكن الأرباح الإسرائيلية لن تقف عند هذا الحد، فالتسهيلات "المعلن عنها" لتحسين ظروف المعيشة في القطاع، ستخرج هي الأخرى بدورها من عنق معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي فقط، وهذا يعني أن الاحتلال، وفي ظل إصرار النظام الحاكم في مصر على إغلاق معبر رفح الحدودي مع غزة، سيربح نحو مليوني مستهلك يومياً كزبائن ليس أمامهم مجال إلا أن يشتروا ويعيشوا على البضائع الإسرائيلية المختلفة، ولا سيما أن منتوجات غزة الزراعية الذاتية، وكذلك افتقارها لثروة حيوانية (سواء من البقر أو الماشية) وصناعاتها الغذائية المحلية، لا توفر لأهل القطاع اكتفاء ذاتياً، مما يتركهم معلّقين في نظامهم الغذائي اليومي على ما يجود به معبر كرم أبو سالم.

وإذا افترضنا أن إجمالي إنفاق الفرد الفلسطيني في اليوم الواحد في قطاع غزة هو 10 دولارات أميركية، فإن النتيجة ستكون 20 مليون دولار يومياً و600 مليون دولار شهرياً ثمن ما يشتريه الفلسطينيون في قطاع غزة من إسرائيل، من دون احتساب أرباح الاقتصاد الإسرائيلي من سوق يتجاوز حجمه المليوني مستهلك، يحتاج سكانه في حياتهم ليس فقط الى الغذاء والماء، بل أيضاً الى الدواء، الذي يمر بدوره عبر معبر كرم أبو سالم، والملابس (ما لا يُصنع منه في القطاع) والأجهزة بدءاً بالهواتف (بما فيها الخليوية الذكية) وانتهاء بآخر الأجهزة الكهربائية البيتية والصناعية.

خلاصة القول أن الاتفاق الذي تم على ما يبدو التوصل إليه بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأمم المتحدة، بسكوت أو موافقة مصرية، يمنح إسرائيل مورداً مالياً هاماً لتغطية تكاليف الحرب على غزة، ومكافأة لمواصلة الحصار على القطاع تتمثل بسكوت مصر وموافقتها مع السلطة الفلسطينية على عدم فتح منفذ آخر لأهالي غزة، وإبقائهم في واقع الحال أسرى الاحتكار الإسرائيلي للإعمار ولتدفق سير الحياة اليومية في غزة، التي ستجبي إسرائيل منها عمولاتها يومياً، مما يعفيها من دفع تكاليف الاحتلال إن لم تربح منه وفق المعادلة المطروحة حالياً.