الإهمال الطبّي في سجون مصر.."يا تعالجوهم يا تفرجوا عنهم"

06 يونيو 2017
(محكمة القاهرة 2014، الصورة: وكالة الأناضول)
+ الخط -
أصدر مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب بالتعاون مع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية دراسة بعنوان "يا تعالجوهم يا تفرجوا عنهم"، تهدف إلى رصد الانتهاكات التي تحدث بسبب الحرمان من الرعاية الصحيّة في السجون المصرية، والتي باتت شكوى شائعة من المحتجزين وأسرهم على السواء.

تبدأ الدراسة بالتأكيد على أن الأصل في عقوبة الحبس أو الاحتجاز هو أن يحرم الشخص أثناء حبسه من حريته، بمعنى أن العقوبة تتوقّف عند هذا، ومن ثم فإن أي عقوبات أخرى مضافة إلى الحرمان من الحريّة تعدّ انتهاكاً لحقوق الشخص أثناء فترة الاحتجاز، مثل التعذيب أو سوء المعاملة، إلخ. لكن الوضع في السجون المصرية يضيف إلى العقوبة انتهاكات أخرى جسيمة أخطرها الحرمان من الرعاية الصحية والإهمال الطبي، ما يتسبّب في ارتفاع الوفيات داخل السجون.

عقبات في طريق الخدمة الطبية
وفقًا للشهادات التي حصلت عليها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن الوصول إلى الخدمات الطبية داخل السجن عملية معقدة تنقسم إلى مراحل عدّة، أولى تلك المراحل هو الخروج من الزنزانة لرؤية الطبي،ب وهي عملية ليست سهلة على الإطلاق وتكاد تكون مستحيلة في حالة تمام السجن (أي إغلاق زنازين السجن على السجناء).

كما أن طبيب السجن يكون موجوداً بصفة مستمرّة في أوقات العمل الرسمية، أما بعد انتهاء أوقات العمل الرسمية وفي الإجازات فإن الطبيب غالباً لا يكون موجوداً ويقوم ممرّض العيادة بالكشف على الحالات ووصف الأدوية، وغالبًا تكون مسكنات رغم أنه من المفترض أن يكون هناك طبيب مداوم في أوقات المناوبة في عيادة السجن للتعامل مع الحالات الطارئة.

مشكلة أخرى تتمثل في تعطل الكشف على المساجين المرضى وهي مشكلة عرضهم على الاختصاصيين والاستشاريين في التخصّصات المختلفة داخل عيادة السجن، إذ يأتي هؤلاء إلى العيادة مرّة واحدة أسبوعيّاً لفحص الحالات التي يحوّلها لهم طبيب السجن الممارس العام، ولكن المشكلة هي في عدم انتظام مواعيدهم، وعندما يأتون فإنه كثيراً ما يحدث ألا يتمّ إبلاغ السجناء المرضى في زنازينهم وعنابرهم بوجود الطبيب المختص، بسبب إهمال من العيادة أو تعنّت أفراد الشرطة.

وإذا ما حدث وتمّت مقابلة الطبيب المختص، نصل إلى المرحلة الأخيرة وهي مرحلة الحصول على دواء وهو الأمر الذي يمثّل عقبة أمام السجناء، فنقص الدواء هو السائد داخل السجن، ما يدفع السجناء إلى شراء أدوية وإيداعها بالأمانات، ما يسبب ضغوطاً مادية عليهم، بالإضافة إلى تأخّر حصولهم على العلاج في الوقت المناسب، بالإضافة إلى إغلاق الصيدلية مع تمام السجن، ما يجعل الوصول إلى الدواء في الحالات الطارئة شبه مستحيل.

إهمال طبي متعمّد
تسرد الدراسة عشرات الشهادات لسجناء سابقين عن وقائع إهمال طبي في السجون، فتحكي النزيلة سميرة، وهي سجينة سابقة في سجن القناطر، عن معاناة زميلتها أمينة في السجن، والتي فقدت بصرها بسبب عملية خاطئة داخل مستشفى السجن.

السجين كمال أيضًا، على الرغم من إصابته بكسر في الركبة، وهو الأمر الذي يسبب ألمًا شديدًا ويحتاج إلى نقل سريع إلى المستشفى وإجراء أشعة لبدء العلاج، فإن إدارة السجن لم توافق إلا في اليوم الذي يليه على أن يخرج لإجراء الأشعة.

وفي بعض الحالات يكون هناك تباطؤ عن عمد مع بعض الحالات، فمنع العلاج أو التأخّر في النقل إلى المستشفى حتى مرحلة الخطر يمثل واقع العديد من السجناء، مثل صابر المقيم في سجن طرة، والذي يعاني من فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي وترفض مصلحة السجون والنيابة نقله إلى مستشفى السجن للعلاج، وحسين الذي يعاني من تقرّحات في المعدة ونزيف في القولون، وترفض إدارة السجن علاجه.

وترى الدراسة أن إحدى المشاكل الهيكلية المتعلّقة بالصحة داخل السجون هي غياب المحاسبة في ما يتعلّق بالإهمال الطبّي، فأطباء السجن يتبعون وزارة الداخلية عوضاً عن وزارة الصحّة، ما يجعل التحقيق في أخطائهم أو الشكوى من إهمالهم من قبل السجناء صعباً من الناحية العملية.


تدخل الأمن في العلاج
رصدت الدراسة العديد من الحالات التي كان يتدخل فيها قطاع الأمن الوطني أو قطاع مصلحة السجون صراحة في عملية النقل إلى المستشفى خارج السجن، فتقول زوجة السجين (جمال) إنه جرى نقله إلى المستشفى بعد الاشتباه في إصابته بجلطة، وعلى الرغم من عدم وجود أسرّة شاغرة في المستشفى فإن ضابط الأمن الوطني رفض نقله إلى مستشفى خاص على حساب الأسرة، كذلك كانت هناك ضغوط من الأمن الوطني على أطبّاء المستشفى لإعادته إلى السجن قبل إنهاء علاجه.

تستمر سلطة الأمن داخل المستشفى أيضًا، فبعد نقل (نادر) من سجن العقرب إلى مستشفى القصر العيني لم يسمح الضابط المسؤول عن عنبر المرضى للزوجة أن تزور زوجها، كما تعنتت إدارة السجن في نقله لإجراء أشعة بحجة عدم وجود مأموريات، وعندما أجرى نادر الأشعة اكتشف أنه يعاني من تليف في الاثنا عشر وانسداد بسبب ورم سرطاني.

مخالفة للدستور والقوانين
ينصّ الدستور المصري على أن "كل من يقبض عليه أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًّا أو معنويًّا، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيّاً وصحيّاً، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة"، كما ينص على أن "السجن دار إصلاح وتأهيل. وتخضع السجون للإشراف القضائي ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر".

وتعترف التشريعات المصرية بحق السجين في الرعاية الطبية، ولكنها دون المستوى لضمان وصول السجناء في مصر إلى رعاية مناسبة دون تمييز. إذ اهتم المشرع حال تنظيمه الأوضاع الصحية للمساجين بشكل عام في ذلك القانون بالحديث عن واجبات الأطباء ودورهم دون الحديث بشكل أكثر تفصيلًا عن حقوق المساجين المرضى في الرعاية الصحية التي تكفلها لهم كافة المواثيق الدولية ومبادئ حقوق الإنسان.

ورغم أن النصوص الدستورية والقانونية التي تؤكد على حقوق المساجين بشكل عام والمرضى منهم بشكل خاص، إلا أنها تظل حبرًا على ورق ولا تنفذ، ما يؤدي إلى فقدان كثير من المساجين لحياتهم أو إصابتهم بالأمراض.

 

المساهمون