لم يستسغ كاظم عباس العوادي رؤية ابنه الشاب وهو يمضي أكثر وقته في تصفح الإنترنت عبر هاتفه النقال، فصرخ فيه بأن يكف عن هذا الفعل، ويجد شيئاً آخر يشغل به وقت فراغه.
لكن رد الشاب جاء هادئاً مفحماً لوالده، إذ قال "حفظت قصة حياتك يا أبي مذ كنتَ صغيراً، وقد رويتها لنا مرات عديدة، كنت تلهو خارج البيت مع أطفال الحي، ولا يهتم أهلك لتأخرك، وحين صرت شاباً تسهر في كثير من الأحيان في المقاهي مع أصدقائك، وتقوم برحلات ترفيهية، وتذهب إلى الملاعب لتشاهد مباريات فريقك المفضل، وترتاد المسارح والسينما".
واسترسل الابن "هل تعرف لماذا يا والدي؟ لأن الأمان في زمانك كان منتشراً بشكل كبير، وفي زماننا هذا لا أستطيع فعل ما كنت تفعله، فأنت تتصل بي عدة مرات إن تأخرتُ نصف ساعة عن موعد عودتي من الجامعة، وليس لي من ملاذ سوى الإنترنت".
يقول العوادي لـ"العربي الجديد": "لم أستطع أن أرد على ولدي، فهو على صواب، ولشدة خوفي مما يدور في الشارع أقلق كثيراً حين يكون خارج المنزل وأتصل به باستمرار، لذا أمنحه الحق في أن يتحول اهتمامه الأكبر إلى تصفح الإنترنت".
دخول الإنترنت إلى العراق رافق غزو البلاد في عام 2013، وكان أحد الممنوعات التي تفرضها الحكومة العراقية قبل هذا التاريخ.
الانفتاح على التقنية الجديدة في الاتصالات، التي كان العراقيون يسمعون بوجودها في دول العالم الأخرى، انتشرت بشكل سريع بينهم، ويزيد من هذا الاهتمام انحسار نسبة الأمن منذ 13 عاماً، وهو عمر التغيير الذي طرأ على البلاد بالإطاحة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين، ليكون الإنترنت الملاذ المفضل للعراقيين، بعد أن أصبحت المرافق الاجتماعية والترفيهية غير آمنة، بسبب وقوع عمليات "إرهابية" بشكل مستمر.
ويؤكد عراقيون لـ"العربي الجديد" أن فقدان الأمان وقلة المرافق الترفيهية جعلاهم يتوجهون إلى الإنترنت، الذي صار الوسيلة الأفضل للتواصل مع الآخرين.
هند الفضلي، 38 عاماً، تحاول جاهدة إنجاز متطلبات أسرتها اليومية، لتطلع على صفحتها الشخصية في "فيسبوك" و"تويتر"، فهي تشترك في عشرات المجموعات، بعضها يهتم بالأسرة والمطبخ والأزياء، وأيضاً بالفكاهة والتسلية.
وتضيف: "البعض يرى ذلك إدماناً، لكنه أمر جيد، فأنا على تواصل مع صديقاتي وأقاربي من خلال هذه المجموعات التي يوفرها الإنترنت، كذلك أستفيد من المعلومات المختارة، بالنسبة لي أجد أن تصفحي للإنترنت أفضل بكثير من الخروج في نزهة، فالوضع الأمني مقلق باستمرار، وأرى أنه من الأسلم أن أهتم بأسرتي، أما وقت فراغي فأخصصه للإنترنت".
وتجد مجموعة من الشباب أن تصفح الإنترنت يغنيهم عن شراء الكتب التي تتطلب الخروج للمكتبات. ويرى آخرون أنهم من خلال الشبكة العنكبوتية ينتفعون بمعلومات يرونها مهمة، وفي جميع الحالات، هذه الاحتياجات تأتيهم ولا يذهبون إليها، وهو ما يزيد من جاذبيتها، وتعلقهم بها.
رؤى طلال (28 عاماً)، تقول إن الإنترنت يغذي شغفها بالقراءة، مشيرة إلى أنها تقوم دائماً بتنزيل كتب مهمة، ما يوفر عليها شراء الكتب والبحث في المكتبات، مبينة أن "الخروج والتنقل لم يعد آمناً، لا يمر يوم من دون أن نسمع بعملية تفجير أو قتل أو خطف".
في حين يجد سعد العرداوي اللجوء للإنترنت أفضل وسيلة لجلب معلومات في كل ما يحتاج إليه، موضحاً أنه تعلم صناعة أدوات للزينة من خلال مقاطع "يوتيوب" طورها فيما بعد، وصار يعمل في مجال صناعة التحف المنزلية التي تدر عليه مورداً جيداً، معتمداً على أفكار تطرح في المواقع الإلكترونية التي يتابعها نحو خمس ساعات يومياً، وفق قوله.
أما محمد فرحان (35 عاماً)، فيستثمر شغف زوجته بمواقع التواصل الاجتماعي، ومواقع أخرى تهتم بالأزياء والزينة، ويرشدها إلى مواقع جديدة يتوصل إليها من خلال البحث في الإنترنت، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن زوجته "تلح أحياناً لنخرج بجولة في الأسواق والمحلات التجارية، هي لا تقتنع بوجود مخاطر أمنية، لكن بفضل الإنترنت انصرفت عن ذلك، وصارت تهتم بجديد الموضة عبر المواقع الجديدة".