الإعلام الأميركي .. زواج السطحية والسذاجة

13 اغسطس 2014
+ الخط -


يقول هارولد إيفنز، رئيس تحرير صحيفة صاندي تايمز البريطانية السابق، "الحقيقة يتم دفنها تحت التحريض على نشر بذور الكراهية وأنقاض الحرب". تنطبق هذه الفكرة على وسائل الإعلام الأميركية، فهي تعتمد التضليل والكذب، لاستدرار استعطاف الناس لمصلحة إسرائيل، حتى وإن ترتب على ذلك دفن الحقيقة، وإنكارها.

في كل خطاب وكل ذهاب وإياب، في كل صورة، وفكرة، وحوار أميركي، تتجسد مقولة إيفنز، فطمر الحقيقية ودفنها إحدى سمات مدرسة الصحافة الأميركية. وعندما تفشل الوسائل الإعلامية في تحقيق أبسط معايير المهنة، باعتبارها وسيلة تنوير، من المفترض محاسبة هذه الوسائل، أولاً بواسطة زملائهم في المؤسسات الأخرى، ثانياً بواسطة دافعي الضرائب، الذين يعيش جانب واسع من هذا الإعلام، على أموالهم، كما أنهم هم من يُعرَف عنه بمصطلح "الرأي العام".

في العدوان على غزة، تصعق، وأنت تتابع الأخبار الواردة من هناك بصيغتها الأميركية خصوصاً، فالتحيز الأحادي مجير مسبقاً لحساب إسرائيل، فهي الضحية وسواها قاتل، مدجج بالسلاح، يهدد أمنها واستقرارها. صحافة اصطبغت بلون واحد، وحوار واحد، قد تختلف العناوين، لكن المضمون واحد، ولا سيما وأن الوسائل الإعلامية لا تولي اهتماماً لبعضها، حيث ينشأ مجالٌ واسعٌ للتنافس، فكلٌ منها يركز على جانب معين، وفق منهجية معينة.

يطلون عليك عبر فضائياتهم من شوارع تل أبيب، لكنهم لا يطلون عليك من شوارع غزة، لا بل هم في هذه الحرب قلبوا الحقائق والصور والمشاهد كلها، فالبيوت المهدمة في غزة أضحت بيوتاً في تل أبيب، والجرحى في المستشفيات الفلسطينية صاروا مصابين إسرائيليين. وكل التقارير الأميركية، بثها الصحافيون من أطراف غزة لا من قلبها، فهم لا يوجدون فيها أصلاً، على الأغلب، وما يصور ليس إلا لقطات بعيدة، تأخذها كاميراتهم، انفجارات ضخمة، ودخان كثيف، وخلفية رتل من دبابات إسرائيلية، أو جنود منهكين من التعب، أو الخوف.

الأدهى والأمر من هذا كله، هو أن فضائيات عربية استخدمت الأسلوب نفسه، ووحدت بين الضحية والجلاد، بين الكف والمخرز، بين الذئب والحمل، فالمقاومة، من وجهة نظرهم، تتحمل مسؤولية العدوان والقتل، وأنه في رقبتها، لا في رقبة أنظمتنا العربية التي تناست قضية فلسطين منذ عام ١٩٤٨، وتماهت مع المشروع الصهيوني.

القول إن الإعلام في الوطن العربي لا مهني فكرة غبية، بل هو مهني ومؤثر، يستطيع التلاعب والتحكم بتوجيهات المواطنين وأفكارهم كيفا يريد. وإن إخفاقات المؤسسات الإعلامية، وإسقاطها للمبادئ الموضوعية والحيادية في تناولها الأحداث، عملت على إسقاط مصداقيتهم ومصداقية مؤسساتهم. لذا، من الضرورة إيجاد آليات تطوير ثقافة العقاب ومحاسبة الصحافيين ومؤسساتهم، في حال انتهجوا الآليات لقلب الحقائق وتزييفها، لمصلحة طرف دون الآخر. لئلا يطل عليك صحافي غربي ليقول: قبل أن تلوم الصحافة الأميركية والغربية، عليك أن تلوم صحافة بلادك العربية، وطرائق تغطيتها الحاصلة في فلسطين منذ عقود.

avata
avata
خالد عياصرة (الأردن)
خالد عياصرة (الأردن)