الإسكندرية ليه

04 نوفمبر 2015

بهجة في شاطئ الإسكندرية (العربي الجديد)

+ الخط -

وضع أحد الشباب شرطاً أنه يريد أن تكون عروسه محجبة في يوم الزفاف، وبناءً على شرطه، فوجئ بالعروس تغطي شعرها فقط وترتدي ثوب زفاف يكشف مفاتن صدرها وذراعيها وظهرها. ذكّرتني هذه الحادثة التي رصدها "فيسبوك" بحال الحكومات العربية في مواجهة الشتاء، لأنها تشبه كثيراً حال هذا العريس، فهي تهتم بالواجهة السياحية لمدنها صيفاً، وتتركها تغرق شتاءً.

عروس البحر المتوسط الإسكندرية، وثاني أهم مدن مصر، والتي كانت وجهة ساحرة شتاءً، لمن ينشد الهدوء، أمثال الفنانين والأدباء، والتي تعلمنا في المنهج المصري أن جوها ماطر بارد شتاء، تعرضت لنوّة "الصليبة"، أخيراً، فوقعت الخسائر في الأرواح والأموال، في وقت تؤكد فيه الأرصاد الجوية أن هذه النوة لا تحمل أمطاراً غالباً، حيث تتعرض الإسكندرية كل عام إلى حوالي 18 نوّة، والجميع يعرف تاريخ وصولها إلى عروس البحر، وعدد أيامها، وهل هي ماطرة أم رياح وعواصف فقط، لكنها حملت المطر هذا العام، لكي تكشف عورة الحكومة، وبأنها تهتم بتجميل الكورنيش من أجل الأثرياء بإنشاء الكافيهات السياحية، ولا تهتم بالبنية التحتية للمدينة التي يتضرر المواطن الغلبان بسبب انهيارها.

ولعل ما يحدث من مطر مفاجئ من نوّة غير معتادة الأمطار رسالة السماء إلى أهل الأرض، كما يحدث في فلسطين، فالمغتصبون الصهاينة أصبحوا عمي البصر والبصيرة، إذ يحدث أن يقتلوا بعضهم خطأ، لأنهم يتهمون الفلسطينيين بالشروع في قتلهم ويضعون السكين أداة، تحت رأس أحد الشهداء، أو بجواره، بعد أن يعدمونه بدم بارد.

ربما علي أن أكرر مقولة الراحل جلال عامر أن أمطار السماء تفضح فساد أهل الأرض، لأن هذا ما نراه على "الأرض" فعلاً في مصر وغزة ولبنان والعراق ودول كثيرة، وضع مسؤولوها همَّ الغلابة في آخر أولوياتهم، واعتادوا تقديم كبش فداء عند كل كارثة، مثل قبول استقالة محافظ الإسكندرية سريعاً، بعد موت عدة أشخاص، بينهم أطفال، في أثناء النوّة التي ضربت المحافظة أخيراً، علماً أنه تولى منصبه منذ شهور، وهذه المشكلة التي تعاني منها الإسكندرية تراكمية، وليست طارئة.

في غزة، يتم إخلاء منازل كل عام في مخيم جباليا، أفقر مخيمات اللاجئين الثمانية، من دون القدرة على تأمين تلك البيوت، لتكون صالحة لمواجهة موسم الشتاء، ويقف الدفاع المدني عاجزاً في مناطق أخرى في قطاع غزة أمام السيول، وإغراقها البيوت المتآكلة والكرفانات التي أقيمت في العراء، لمن تهدمت بيوتهم في العدوان على غزة. ومع إصرار إسرائيل على عدم إعمار بيوتهم، لتستمر مأساتهم فيما لا يجد هؤلاء سوى معونات تعرف بـ "كسوة الشتاء"، مثل البطاطين والمعاطف الصوفية. وهنا لنا أن نتساءل عن جدوى هذه المعونة في مساعدة من يغرق بيته كاملاً، بفعل السيول التي تجتاحه، وهذا ما عبر عنه رسم كاريكاتوري لمواطن مصري يقف مستنداً إلى ثلاجة منزله في الشارع، وحوله ملابس وأثاث عائلته.

في فلسطين عموماً، هناك "شتوة المساطيح"، وهي الشتوة الأولى التي تنذر ببدء موسم المطر، وتنبه النساء الغافلات إلى ضرورة أخذ الاحتياطات، لكي لا تتلف الأمطار ممتلكاتهن، فيجمعن الغلال المنثورة فوق أسطح البيوت مثلاً. وتصادف هذه الشتوة في شهر سبتمبر/أيلول، وعلى الرغم من انقراض هذا الطقس الفلاحي، إلا أن الحكومات هي الأجدر بإحيائه، برفع كفاءة شبكات الصرف الصحي، وكل ما يخص البنى التحتية لمواجهة موسم الشتاء وعدم انتظار سقوط المطر، ليكشف إهمالهم وتقاعسهم، كما تكشف "شتوة المساطيح" النسوة الكسولات الخاملات.

النوة القادمة للإسكندرية، وهي شديدة الأمطار ستكون بين 11و16نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وتعرف بأنواء المكنسة، وتستمر أربعة أيام، ويكون اتجاه الرياح فيها شمالية غربية، فهل سيتحرّك رؤساء الأحياء الثمانية في المدينة لمواجهتها، وينسون أنهم لواءات شرطة سابقون، كل همهم النواحي الأمنية لحماية النظام القائم في مصر حالياً وخدمته.

 

 

 

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.