الإدمان على الإنترنت.. هناك شيء مختلف

27 اغسطس 2017
(الصورة: piola666)
+ الخط -

أستيقظ صباحًا لأهرع فور فتح عيني الأولى وقبل أن أرى النور بعيني الثانية لأصل إلى هاتفي الذكي، أعرف أنّي لن أجد اتصالًا من شخصٍ مهم، بريدًا إلكترونيًا من شركةٍ تبحث عنّي لأكون مديرها التنفيذي، أو حتى رسالةً مستعجلةً من صديقٍ عالقٍ في إحدى الغابات. لكنّي ومع ذلك كلّه أفتح هاتفي أتصفّح كلّ الرسائل القديمة منها والحديثة، أستكشف ما فوّته في فترة نومي التي لا تتجاوز الست ساعات، وأبحر في التطبيقات المختلفة من صورٍ وفيديوهات إلى نصوص وكتابات.

أعلم أنّ هذا الأمر غير صحّي أو غير مناسبٍ على أقلّ تقدير، لكن هناك دائمًا تلك الرغبة التي تدفعني لعدم التفكير بأيّ شيء والقيام بالغوص في هذا العالم الوهمي. وما يواسيني حقًّا هو علمي بأنّي لست وحيدًا في هذا الأمر، فلعلّك أنت أيضًا تقوم بما أقوم به أو أكثر حتى.

حاولت الابتعاد عن ذلك السلوك المريض، أطفأت هاتفي الذكي وحوّلت حياتي إلى هاتفٍ لعلّ أحسن ما يقال في حقه أنّه "غبي"، لا تستطيع من خلال هذا "الهاتف" سوى الاتصال، كتابة رسالة قصيرة، بل يجب أن تكون قصيرة جدًا كي لا أستغرق في كتابتها أكثر مما استغرقه كتّابنا الأوائل وهم يخطون ريشتهم على الورق، أو تشغيل ضوء الولّاعة المميز الموجود في قمته.

كنت بدايةً مقبلًا على الأمر لأنني أرغب في التخلّص من هذا السلوك المريض، لكن بعد يومين أو نحوه بدأتُ أشعر بأشياء غريبةً لم أكن لأشعر بها ربما لو كان هاتفي الذكي نائمًا بجانبي؛ أصبحت أكثر قابليةً للغضب، ورحت أجنح إلى السكوت أكثر من اللازم بعد أن كنت لا أفوت فرصةً مناسبة أو غير مناسبة لأتكلّم، أو على الأقل هذا ما أخبرني به من كان حولي. هل فعلًا أعاني من أعراض الانسحاب؟ منذ متى وأنا مدمنٌ أصلًا؟

لربّما كنت مدمنًا دون أن أدري مثلي مثل غيري من البشر الذين تحدّثت عنهم دراسةٌ نشرت في مجلة علم النفس الإلكتروني، السلوك، والشبكات الاجتماعية من جامعة هون كونغ. وبحسب الدراسة فإنّ 6% من سكان العالم هم مدمنون على الإنترنت. يُعتبر هذا الرقم عاليًا بشكلٍ جنوني، فلا تتجاوز نسبة الأشخاص الذين تعاطوا دواءً مخدّرًا ممنوعًا لمرّة واحدة في السنة الماضية 6% أي حوالي ربع مليار شخص حول العالم بحسب تقرير المخدّرات العالمي للأمم المتحدة. ولا تتجاوز نسبة الأشخاص الذين لديهم قِمار مرضي 2% من السكان.

قد يبدو عدد الأشخاص "المدمنين" على الإنترنت ليس بالكثير، لكن دعني أجعل هذا الأمر مرعبًا قليلًا؛ يمتلك 39% فقط من الأشخاص الموجودين على سطح هذا الكوكب العامر وصولًا للإنترنت ومع ذلك هناك 6% من سكان الكوكب مصابون بهذا الإدمان!

لا يبدو الإدمان على الإنترنت الذي يعرّف بأنّه "مشكلة في التحكّم بالدافع تتصف بعدم القدرة على التوقّف عن استخدام الإنترنت مما يؤثّر سلبًا على مجالات الحياة الرئيسية (على سبيل المثال، العلاقات الشخصية، والصحة البدنية)" مشكلة ملحّة أو مألوفةً حتى مثل الإدمان على المخدّرات أو على القمار.

تشابه التأثيرات التي يمارسها الإدمان على الإنترنت على الدماغ تلك الناتجة عن تعاطي المخدّرات مثل (ضمور في القشر الدماغي واضطرابات معرفية أخرى مثل ضعف الذاكرة العاملة) وبحسب الدراسة نفسها يرتبط الإدمان على الإنترنت مع الاضطرابات العقلية مثل اضطراب نقص الانتباه، فرط النشاط والاكتئاب.


هل العيب فينا؟
لكن يوجد شيء مختلف وأكثر تعقيدًا عند الحديث عن "الإدمان" على الإنترنت، فعلى النقيض من القِمار أو حتى هوس نتف الأشعار، من الصعب جدًا وضع طريقة لقياس كم التأثيرات السلبية التي يمارسها إدمان الإنترنت على الأشخاص. نستطيع القول أنّ خسارة النقود وإيذاء نفسك والأشخاص المقربين لك هي من التأثيرات الجلية للقِمار المَرضي، لكن ماذا عن الأعراض التي نسمع عنها الآن التي تنتج عن استخدام الإنترنت؟ ماذا عن المراهقين الذين يبدؤون حياتهم الدراسية بجدٍ ونشاط واضعين نصب أعينهم التفوّق أو حتى الوصول إلى اختصاصٍ يرغبون به في الجامعة لكن مع الوقت يجدون أنفسهم غارقين في بحر التواصل الاجتماعي متلاطم الأمواج لا يستطيعون الفرار منه ولا يجدون من ينقذهم؟ كم مرةً سمعنا عن حالاتٍ يقوم الطلاب بترك دراستهم وإهمال صفوفهم ليقوموا بالتعرّف على أناسٍ لا يعرفونهم ليتسكّعوا معهم؟

هل نستطيع أن نقول أنّ لدى هؤلاء الأشخاص مشكلة في التعامل مع الإنترنت ومشكلة في إدارة حياتهم الاجتماعية؟ ماذا لو كان هؤلاء المراهقون مهووسين بالإنترنت ويقضون معظم وقتهم لبقية حياتهم بتعلّم اللغات أو بتحرير صفحات الويكيبيديا مثلًا؟ هل نسميهم مدمنين؟

لم يتوصّل أهل الخبرة والعلم بعد النقاشات الطويلة والمناظرات العميقة إلى البتّ بحتمية وجود الإدمان على الإنترنت، ولا يزال إلى اليوم موضع نقاشٍ لا ينتهي. فعلى سبيل المثال لا الحصر لم تقم الرابطة الأميركية للطب النفسي بالاعتراف بالإدمان على الإنترنت كواحد من أنواع الإدمان السلوكي في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الطبعة الخامسة (DSM-V) لكنّها احتوت على القِمار القهري، دون أن نذكر العقود العديدة من الأبحاث الواسعة والمكثّفة للوصول إلى تلك النقطة التي تمّ فيها اعتبار القِمار القهري أو المَرضي اضطرابًا سلوكيًا، ولم تتواجد في بداية الأمر الكثير من الدراسات المنهجية والطولانية المتعلّقة بالقِمار المرضي تمامًا كما هو الحال الآن مع الإدمان على الإنترنت.

لكن ما نعرفه إلى الآن هو أنّ الإنترنت يقوم عبر عالمه الافتراضي بعملية تسهيل نقل كل ما يرغب به الإنسان من عالمه الواقعي الذي يعيشه في حياته اليومية إلى المكان الذي يكون فيه، وبمعنىً آخر؛ ليس الإنترنت في النهاية إلا وسطًا مثله مثل باقي الأوساط المحيطة بنا، وليس نشاطًا في حدّ ذاته. فإذا قضيت الوقت على الإنترنت وأنت تلعب القمار عبر الشبكة فلربما لديك إدمان على القِمار وليس على الإنترنت، أو إذا كنت تقضي وقتك على مواقع التسوّق فربما كنت ممن يعانون من إدمان التسوّق.



المساهمون