من الخطأ تصنيف السياسة العدائية لإدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تجاه "الأونروا"، ردة فعل عصبية من رئيس مضطرب لإجبار القيادة الفلسطينية على العودة للمفاوضات تحت رعايته المنحازة، وليست عقاباً عابراً للدول المضيفة على مواقفها الرافضة لاعترافه بالقدس عاصمة إسرائيلية.
السياسة الأميركية، التي بدأت بالتهديد بوقفٍ نهائي للمساعدات، وانتهت إلى إعلانها تجميد نصفها، تمثل تلاقياً مكشوفاً على نحو غير مسبوق بين العنصرية الأميركية والإسرائيلية، التزاماً بالمخطط الصهيوني الرامي لتصفية القضية الفلسطينية عبر فرض وقائع على الأرض تنهي أحلام/ أوهام الفلسطينيين بالتوصل إلى حل يعتبرونه عادلاً لقضيتهم.
تعاني الأونروا أزمة تمويل مزمنة، فرضت عليها خلال السنوات الماضية إعداد موازنات تقشفية كان لها بالغ الأثر على مستوى الخدمات المقدمة للاجئين، وهي اليوم أمام خطر حقيقي قد يتطور ليتحول وجودياً بفعل المخططات الأميركية، المغلفة أحياناً بمبررات سياسية خادعة، وأحياناً أخرى بمنطلقات اقتصادية تنتقد إسراف الأمم المتحدة وسوء إدارتها للأموال.
ما ترمي إليه الإدارة الأميركية والصهيونية العالمية، يتعدى مسألة العقاب الجماعي للاجئين الفلسطينيين عبر وضعهم في ظروف صعبة نتيجة التراجع المتوقع في مستوى خدمات الأونروا أو عجزها عن الاضطلاع بتلك الخدمات مستقبلاً، وما قد يصاحب ذلك من اضطرابات في الدولة المضيفة، أو ضغط على القيادة الفلسطينية، بل يمتد لفرض واقع يتساوق ومخططاتهم الرامية لإلغاء الوكالة نهائياً.
خلافاً لما يروج فإن مخططات التصفية، لا تستهدف مباشرة المهمة التقنية لعمل الأونروا المتمثلة بالإغاثة، بقدر ما تستهدف المهمة القانونية باعتبارها سجلاً للجوء الفلسطينيين المتوارث والعصي على السقوط مهما تعددت الجنسيات التي يحملها اللاجئون المسجلون، وهو دور لا تتوقف إسرائيل عن محاربته.
التمسك بالأونروا التي أُسست على القرار 194، الضامن لحق عودة اللاجئين، يستدعي من القيادة الفلسطينية والدول المضيفة والعالم الحر، انتزاع قرار يحول موازنتها إلى مساهمات إلزامية لا طوعية.