تبدأ محكمة الجنايات الدولية، خلال الأسابيع المقبلة، عمليات تحقيق واسعة في جرائم الحرب التي شهدتها مدينتا طرابلس وترهونة في ليبيا، والتي ارتكبتها مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر طيلة أكثر من عام.
وجاء قرار المحكمة بالبدء في التحقيقات بناء على طلب من حكومة الوفاق، حيث رحبت الأخيرة بموافقة المحكمة على طلبها بشأن إرسال فريق للتحقيق في الجرائم التي شهدتها المدينتان.
وبحسب بيان وزارة الخارجية بحكومة الوفاق، أمس الثلاثاء، فإن المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية فاتو بنسودا "تتوقع بدء مهمة الفريق في النصف الثاني من يوليو/ تموز بالتعاون مع السلطات الليبية".
ويتوقع خبراء في الشأن الليبي أن يكون فتح مثل هذه التحقيقات سبيلا لتقصير عمر وجود حفتر في المشهد الليبي، حيث ستطاوله المسؤولية دون شك، خصوصا بعد اتهام البعثة الأممية مليشيات حفتر بمسؤوليتها عن الألغام المزروعة جنوب طرابلس وترهونة.
اتهمت رئيسة البعثة الاممية في ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، في بيان لها الاثنين الماضي، مليشيات حفتر صراحة بـ"زرع الأجهزة المتفجرة في الأحياء المدنية وبشكل عشوائي"، مشيرة إلى أنها تسببت في مقتل وجرح 81 مدنياً و57 من غير المدنيين، بمن فيهم عاملون في مجال إزالة الألغام، ما يعدّ انتهاكاً محتملاً للقانون الدولي.
وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد قرر، في الـ22 من الشهر الماضي، إنشاء بعثة دولية لتقصي الحقائق في ليبيا لـ"توثيق الانتهاكات والتجاوزات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من قبل جميع الأطراف في ليبيا منذ بداية العام 2016"، بحسب بيان للبعثة الأممية في ليبيا.
وينص القرار على أن تتولى بعثة تقصي الحقائق في ليبيا أيضاً حفظ الأدلة التي تكفل محاسبة الجناة، مطالبة السلطات الليبية بضرورة إتاحة إمكانية وصول بعثة تقصي الحقائق إلى جميع الأراضي الليبية دون عوائق ودون إبطاء، والسماح لأعضائها بزيارة المواقع وإجراء المقابلات مع أي شخص في ليبيا بحرية وبشكل انفرادي وخصوصية تامة.
وفي آخر إحصائيات وزارة الصحة بحكومة الوفاق بشأن ضحايا الألغام في طرابلس، التي زرعتها مليشيات حفتر ومرتزقتها، فقد بلغت 177 ضحية في 74 واقعة.
وشرحت الإحصائية، التي صدرت أمس الثلاثاء، أن الوفيات هي 50، بينما بلغ عدد الإصابات 94، مشيرة إلى أن حي عين زاره، جنوب طرابلس، هو الأكثر تضررا حيث وقع فيه 64 تفجيرا.
في آخر إحصائيات وزارة الصحة بحكومة الوفاق بشأن ضحايا الألغام في طرابلس، التي زرعتها مليشيات حفتر ومرتزقتها، فقد بلغت 177 ضحية في 74 واقعة
وأوضح الحقوقي الليبي عبد الحميد المنصوري أن الأمم المتحدة سترسل لجنتين إلى ليبيا، الأولى بعثة دولية لتقضي الحقائق في كل الجرائم المتعلقة بالحروب بدءا من العام 2016، من خلال مجلس حقوق الإنسان وبالتعاون مع البعثة الأممية، والثانية عبر محكمة الجنايات الدولية بشأن الألغام في طرابلس وترهونة، والتي عناها بيان الخارجية بحكومة الوفاق أمس، وستفتح الباب أمام المتضررين من المواطنين جراء الألغام والمفخخات لقبول شكاواهم.
وأضاف المنصوري، في حديثه لــ"العربي الجديد": "من غير شك فإن تغيّر الوضع العسكري والسياسي في ليبيا استدعى نشاطا وتغيّرا في الموقف الأممي، وما تشهده مواقف منظمات الأمم المتحدة من تغير إزاء الأطراف في ليبيا ليس جديدا، فهناك حالات مشابهة في دول أخرى سابقا".
وأشار إلى أن "حساسية وضع حفتر المهدد حاليا بأن يصبح مطلوبا لدى المحكمة، ليس لكونه قائدا لهذه المليشيات ومسؤولا عن كل جرائمها فقط، بل لارتباطه بمرتزقة أجانب أيضا، وهي شريحة من المقاتلين الذين لهم تصنيف خاص في القانون الدولي، ومن يتعامل معهم يصبح محل شبهة بموجب تلك القوانين".
وأكد الحقوقي الليبي أن "الحالة الليبية منذ أن وضعت تحت سلطة البند السابع بقرارات من مجلس الأمن أصبحت حالة يتم التعامل معها وفق القانون الدولي"، مشيرا إلى "وضع سيف الإسلام القذافي، الذي أكد أن المحكمة تجاوزت في حالته القانون المحلي الليبي وتطالب، وفق البند السابع، بأن تكون محاكمته وفقا للقانون الدولي، ولم يعد القانون الليبي صاحب اختصاص أصيل بشأنه".
وبينما يرجح المنصوري أن يكون تسارع الخطوات القضائية التي تؤكدها لجان التحقيق طريقا لوصول حفتر إلى خانة الاتهام الدولي، يرى الأكاديمي الليبي، خليفة الحداد، من جانبه أن "الأمر له خلفياته المتعلقة بذهاب المجتمع الدولي إلى التخلي عن حفتر ورغبته في إقصائه كليا عن المشهد".
وعن تأثيرات تغير خطاب البعثة ومنظمات الأمم المتحدة على المسار السياسي والعسكري، قال الحداد، في حديثه لــ"العربي الجديد"، إنه "بكل تأكيد سيكون له تأثير. فكيف يكون طرفا سياسيا في أي تفاوض والبعثة الأممية التي تعمل وسيطا للحل تتهمه صراحة بتورطه في زرع ألغام، بل وتحدد عدد ضحاياه".
وأشار إلى أن "الخطاب الأممي تغير، ولا يعكس سوى تغير في المواقف الدولية بعد أن خسر حلفاء حفتر الرهان عليه، ويتوجب عليهم تحميله كل المسؤوليات، بما في ذلك جرائم الحرب التي قد تقود خيوطها إلى تلك الدول".
وبشأن إمكانية إثبات تورط مرتزقة فاغنر في زرع تلك الألغام، قال الحداد إن "ذلك لا يعفي حفتر من المسؤولية كما أنه لن يقود التهم إلى موسكو، كونها تؤكد أن فاغنر شركة أمنية ولا علاقة رسمية لها بها، كما أن فاغنر في السابق معاقبة ولم يؤثر هذا على الوضع في موسكو".
وتابع: "لا يجب أن نتعامل مع القانون الدولي بمثالية كبيرة، فليس جديدا القول إن تلك المنظمات الدولية تسير في ركاب سياسات الدول الكبرى، وتعمل في الكثير من الأحيان كغطاء لتحركاتها، ومن دفع بتلك المنظمات للنشاط الآن للتخلص من حفتر لن يعجزه إبعاد تلك الشبهات عنه"، مشيرا إلى أن "أغلب الدول التي دعمت حفتر أصبحت اليوم تعمل بشكل واضح في ليبيا، وأصبح من الواضح أنها طرف مؤثر في أي طاولة للتفاوض حول الحل الإقليمي والدولي في ليبيا".