الأزمات المعيشية تنذر بحدوث موجة غضب في مصر

12 ابريل 2017
قرارات اقتصادية خاطئة تتخدها الحكومة المصرية (العربي الجديد)
+ الخط -



تتوالى التحذيرات من تزايد السخط العام في مصر مع مضي السلطات قدما في تحقيق الأهداف لضبط أوضاع الموازنة العامة، وخفض مستويات الدين الحكومي، وتحسين وضع السيولة الخارجية.

ويقول الخبراء والمحللون إن من المشاكل الرئيسية في الإدارة المالية العامة في مصر بُعد المسافة بين المتوقع أو المستهدف، كما تعكسه الموازنة العامة من ناحية، والمتحقق فعليا كما يعكسه الحساب الختامي من ناحية أخرى.

وتضمن البيان التمهيدي لمشروع الموازنة العامة المصرية للعام المالي 2017-2018، استهداف رفع معدلات النمو الاقتصادي، لتحقيق المزيد من معدلات التشغيل عبر حزمة من الإجراءات لحفز النشاط الاستثماري والصناعي.

شروط صندوق النقد

اتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار، على أن تطبق حزمة من الشروط، وطبقت مصر عددا من شروط الصندوق مثل فرض ضريبة القيمة المضافة، وتحرير سعر الصرف، وخفض الدعم الموجه للكهرباء، والمواد البترولية.

وبحسب الخبراء، فإن هذه الشروط، انعكست على المواطن، إذ تشهد البلاد موجة مرتفعة من التضخم، تعد الأعلى منذ الحرب العالمية الثانية.

فقد صعدت معدلات التضخم في مصر من 11%، إبان انطلاق الثورة المصرية في عام 2011، إلى 32.5% في مارس/آذار الماضي، على أساس سنوي، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)، ما يشير إلى أزمة اجتماعية ومعيشية خانقة يواجهها المواطنون المصريون بفعل ارتفاع الأسعار المتواصل.

ارتفاع الأسعار في مصر (العربي الجديد) 



وبذلك سجّل التضخم الشهر الماضي في مصر، أعلى مستوى له منذ 75 عاماً، إذ قالت المديرة العامة لإدارة الأرقام القياسية بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، سعاد مصطفى في تصريحات سابقة تعليقاً على معدل التضخم الذي سجل في فبراير/ شباط الماضي، إنه "وفقا للتسلسل الزمني لبيانات التضخم في مصر، فإن ارتفاع الأسعار الحالي، هو الأعلى منذ الأربعينيات"، أي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وتؤكد مصر أن استكمال الإصلاحات الاقتصادية وزيادة معدلات النمو والحفاظ على شبكة الحماية الاجتماعية وتعزيزها أهداف تسعى لتحقيقها بالموازنة العامة للعام المالي المقبل.

وأعلنت الحكومة المصرية في 29 مارس/ آذار 2017، الموافقة على مشروع الموازنة العامة والخطة الاستثمارية للدولة للعام المالي 2017/2018، وإرسالها لمجلس النواب لمناقشتها تمهيدا لإقرارها.


زيادة النمو

ويقول المحلل الاقتصادي، مجدي عبد الهادي إن مشروع الموازنة العامة المصرية يتضمن عدداً من التناقضات بين " الإصلاحات" التي تعتزم الحكومة القيام بها وفق الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وبين أهداف زيادة النمو والحماية الاجتماعية.

ويستهدف مشروع الموازنة العامة للعام المالي المقبل تحقيق معدل نمو اقتصادي 4.6%، في ضوء تحسن النشاط الاقتصادي خاصة بقطاعي البترول والصناعة، مقابل 4% في العام المالي الجاري، بيان وزارة المالية المصرية.

ويضيف عبد الهادي، في حديثه مع "الأناضول"، أن التناقض الأول يتمثل في خفض العجز كسياسة انكماشية ورفع معدل النمو كسياسة توسعية، خصوصاً أن الانكماش استهدف الاستهلاك المحلي أكبر مُحرك للنمو الاقتصادي في مصر.

وتابع قائلا: "من غير المنتظر الاستثمار من القطاع الخاص (محلي أو أجنبي) بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وتدهور الدخول والاستثمار العام، بسبب تدني الكفاءة والفساد.

ويتوقع مشروع الموازنة أن يبلغ إجمالي المصروفات العامة حوالي 1.2 تريليون جنيه (66.6 مليار دولار) في العام المالي المقبل مقابل 936 مليار جنيه (52 مليار دولار) في العام المالي الجاري.

ويهدف المشروع أيضا إلى زيادة الإيرادات العامة بنحو 27% لتصل لنحو 830 مليار جنيه (46.1 مليار دولار) في العام المالي المقبل، مقابل نحو631 مليار جنيه (35 مليار دولار) في العام المالي الجاري.

أدوات انكماشية

وأشار المحلل الاقتصادي، لــ "الأناضول"، إلى وجود تناقض بين أدوات خفض العجز في الأجلين القصير والمتوسط، "فاستخدام أدوات انكماشية متعجلة في الأجل القصير تقوم أساساً على خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، وفي ظل وضعية ركود وسوء توزيع للدخل؛ إنما يعني خفض إمكانات النمو الحقيقي في الاقتصاد ومن ثم خفض الإيرادات الضريبية التي تسعى الحكومة لزيادتها".

واعتبر عبد الهادي، أن الحكومة المصرية "مفرطة في التفاؤل فيما يتعلق بالقدرة على تحصيل الضرائب، بسبب ضعف كفاءة الجهاز الضريبي، حيث افترضت تحقيق قفزة تتجاوز 30% في عام".

وتستهدف مصر تجميع حصيلة ضريبية بقيمة 604 مليارات جنيه (33.5 مليار دولار) في العام المالي المقبل مقابل نحو 460 مليار جنيه (25.5 مليار دولار) في العام المالي الجاري.

وطالب عبد الهادي الحكومة المصرية بأن تفسّر تقديرها "المتفائل" للدولار بـ 16 جنيهاً، "فلا يوجد ما يؤيده في الواقع الحالي ولا في المُعطيات الواقعية في المستقبل القريب، خصوصاً مع تأكيدات العديد من الخبراء أن الدولار لن يستقر قبل نوفمبر/تشرين الثاني المقبل".


ارتفاع التكاليف الاجتماعية

وقالت وكالة موديز، في تقرير صدر عنها مؤخراً، إن برنامج صندوق النقد الدولي في مصر سيدعم حدوث تحسن تدريجي في الوضع المالي والخارجي للبلاد، ولكن تكاليفه الاجتماعية والاقتصادية قد تؤدي إلى تباطؤ وتيرة زخم الإصلاح المالي.

من جهته، اعتبر أستاذ الاقتصاد، كمال الوصال أن مشروع الموازنة العامة للسنة المالية الجديدة يعكس الأزمة الخانقة التي يعيشها الاقتصاد المصري بأكثر مما يمثل محاولة لتجاوز هذه الأزمة.

واعتبر الوصال في حديثه مع "الأناضول"، أن "إعلان وزير المالية المصري عمرو الجارحي عن استهداف تخفيض نسبة الدين وعجز الموازنة من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة نسبة التحصيل الضريبي، وكأن مشروع الموازنة معد لبلد غير مصر".

ويتوقع مشروع الموازنة المصرية تراجع حجم المنح الدولية إلى 1.1 مليار جنيه (61 مليون دولار) في العام المالي المقبل مقابل نحو 2.2 مليار جنيه (122 مليون دولار) في العام المالي الجاري.

وانتقد الوصال "عدم وجود خطة لإصلاح الإدارة الضريبية أو زيادة الاستثمارات التي من شأنها زيادة معدلات النمو الاقتصادي ناهيك عن ضبابية المشهد السياسي وتزايد الغضب الاجتماعي نتيجة جنون الأسعار".

واعتبر الوصال أن "مشروع الموازنة يعكس بوضوح أسباب الأزمة ولا يقدم حلولا لها، ويتسم بغياب الرؤية والتخطيط وتضارب الأولويات ومعالجة قشور لا جذور المشكلات، وتوسع غير محسوب في الاقتراض".

جنون الأسعار في مصر (Getty)


ارتفاع الأسعار

شهدت أسعار السلع والمواد الغذائية ارتفاعات لافته خلال الفترة الماضية، وعبر عدد كبير من النواب المصريين عن تخوفهم بسبب ارتفاع الأسعار، وتأثيراتها المباشرة على ذوي الدخل، لافتين إلى أن الحكومة غائبة كلياً عن التصدي لظاهرة رفع الأسعار.

وتعيش مصر أزمة معيشية خانقة، خاصة بعد تحرير الجنيه، وقد اختفت العديد من السلع الأساسية في البلاد، كالأرز والسكر، وهو ما أدى إلى التهديد بحدوث ثورة اجتماعية.

(الأناضول، العربي الجديد)


المساهمون