اقتربت "قوات سورية الديمقراطية" مدعومة من الولايات المتحدة، من حسم معركة الرقة لصالحها، مع محاصرة مقاتلي تنظيم "داعش" في بقعة ضيّقة، قبل الانقضاض النهائي عليهم في المدينة. في المقابل، بدأت ملامح تصعيد كبير بين الروس والأميركيين في دير الزور، مع توجيه موسكو تحذيراً شديد اللهجة لواشنطن، مطالبة بوقف العمليات ضد قوات النظام. وهو ما فتح الباب أمام صدام روسي أميركي محتمل، بالوكالة، عبر قوات النظام المدعومة من الروس، و"قوات سورية الديمقراطية".
في هذا السياق، سجّلت "قوات سورية الديمقراطية" اختراقاً عسكرياً مهماً، مساء الأربعاء، في الرقة، من شأنه تعجيل الحسم في المدينة، وأفادت بأنها "شنّت حملة مباغتة استهدفت تحصينات تنظيم داعش في الجبهة الشمالية للمدينة، أدت إلى استعادة السيطرة على مقرات الفرقة 17 العسكرية، التي كانت تابعة لقوات النظام قبل عام 2014". وأضافت تلك القوات في بيان، أن "هذه الجبهة كانت هادئة وحصينة، نظراً لاتساع مساحتها، وتنوّع تفاصيلها ما بين أحياء سكنية، ومباني مؤسسات عامة، كالصوامع والمطحنة. وخلف ذلك موقع الفرقة السابعة عشرة التي تعتبر بحد ذاتها موقعاً عسكرياً استراتيجياً تم تأمينه، واستكمال تحرير محيطه"، وفق البيان.
وكان "داعش" قد اتخذ من الفرقة مقراً محصّناً دفاعياً، وسوّره بالألغام، ما دفع التحالف الدولي إلى تأجيل اقتحامه حتى إنهاك التنظيم في بقية أرجاء المدينة. وأكدت القوات أن "حملتها على الفرقة كانت قوية في النتائج العسكرية التي حققتها، وبزمن قياسي وبأقل الخسائر"، مشيرة إلى أنها "تقدمت من محور معمل السكر في شمال المدينة محطمة تحصينات المرتزقة، ومتجاوزة حقول ألغامه، وبحركة عسكرية مباغتة حررت كامل محيط الفرقة السابعة عشرة وتمّ تأمين جغرافية الفرقة، وتحرير صوامع مدينة الرقة".
وأضافت "قوات سورية الديمقراطية" أنها "استعادت السيطرة أيضاً على أحياء تشرين، والرميلة، والروضة، والمطحنة، وأنها قتلت أعداداً كبيرة من مسلحي التنظيم، وحررت مئات العائلات، واستولت على العديد من مخازن الأسلحة العائدة للتنظيم". وشدّدت على أنها "سيطرت على نحو 80 في المائة من مدينة الرقة، وما تبقى من مساحة المدينة بات ساحات للمعارك والاشتباك مع التنظيم". واعتبرت أن "ما جرى الأربعاء هو من المراحل النهائية لحملة غضب الفرات"، مشيرة إلى أن "هذه الحملة شارفت على النهاية، وآذنت بأفول نجم أحد أبرز التنظيمات الإرهابية في سورية".
بالتالي انحصر وجود مسلحي تنظيم "داعش" في منطقة التوسعية، شمال غربي مدينة الرقة، ومناطق في وسطها، وبات على وشك خسارة معقله البارز في سورية. مع العلم أنه منذ بدء الحملة العسكرية على الرقة، قتل أكثر من ألف مدني، وفق "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، بقصف من طيران التحالف الدولي، ومن مدفعية "قوات سورية الديمقراطية"، وبألغام تنظيم "داعش"، بينما أكد ناشطون محليون أن "عدد القتلى الموثق أكبر من ذلك"، مشيرين إلى أنه "سقط نحو 1500 قتيل، وآلاف الجرحى"، فيما نزح نحو 50 ألف شخص، وذكروا أن "طيران التحالف الدولي أغار نحو ثلاثة آلاف مرة على المدينة، كما قصفها بآلاف القذائف المدفعية".
في غضون ذلك، بدأت معركة السيطرة على مدينة دير الزور وريفها المترامي الأطراف، بالانتقال إلى مستويات تعقّد الصراع وتؤزمه، مشرعاً الباب لمواجهة بين الروس والأميركيين بالوكالة، بين قوات النظام و"قوات سورية الديمقراطية" ممثلة بـ"مجلس دير الزور العسكري" التابع لها.
وأكدت قوات النظام، أمس الخميس، أنها "وسّعت نطاق سيطرتها على الضفة الشرقية لنهر الفرات، بعد القضاء على آخر تجمعات تنظيم داعش في قرية مراط"، مشيرة إلى أنها "حققت تقدماً باتجاه بلدة خشام ومنطقة حويجة صكر، كما فرضت السيطرة الكاملة على بلدة التبني وقرية البويطية في الريف الغربي لدير الزور".
وادّعت قوات النظام أن "تنظيم داعش نقل في الأيام الماضية معظم مسلّحيه الأجانب مع عائلاتهم من أحياء مدينة دير الزور إلى الريف الشرقي". في المقابل، أكد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن "قوات سورية الديمقراطية حققت تقدماً شمالي مدينة دير الزور"، مشيراً إلى أنها "سيطرت على كامل المدينة الصناعية ومناطق أخرى، وصولاً لمسافة نحو 14 كيلومتراً من بلدة صور القريبة من الحدود الإدارية لريف دير الزور الشمالي مع ريف الحسكة الجنوبي".
مع العلم أن "مجلس دير الزور العسكري" المنضوي تحت راية "قوات سورية الديمقراطية"، بدأ في التاسع من الشهر الحالي حملة "عاصفة الجزيرة"، بدعم من طائرات التحالف الدولي وقوات خاصة أميركية، بهدف السيطرة على المنطقة الممتدة من ريف الشدادي الجنوبي، الواقع في جنوب محافظة الحسكة، وصولاً إلى الضفاف الشرقية لنهر الفرات، استعداداً لبدء معركة إنهاء وجود "داعش" هناك.
بدورها، وجّهت وزارة الدفاع الروسية تحذيراً شديد اللهجة للقوات الأميركية، طالبتها فيه بوقف عمليات قصف مواقع لقوات النظام في محيط نهر الفرات بالقرب من دير الزور، مشيرة إلى أنه "تمّ إبلاغ ممثل قيادة القوات الأميركية في قطر، بلهجة حازمة وحاسمة، بوجوب وقف جميع محاولات قصف مواقع قوات النظام السوري من المناطق التي تتواجد فيها القوات الأميركية الخاصة إلى جانب قوات سورية الديمقراطية شرق نهر الفرات". وذكرت القيادة العسكرية الروسية أنه "تمّ فتح النار مرتين أخيراً، وجرى قصف كثيف براجمات الصواريخ وقذائف الهاون لمواقع قوات النظام قرب نهر الفرات، من منطقة تسيطر عليها القوات الأميركية الخاصة، وقوات سورية الديمقراطية".
وكشفت وزارة الدفاع الروسية عن أن "قوات العمليات الخاصة الروسية تقوم بمهام قتالية إلى جانب قوات النظام في هذه المناطق المستهدفة، بهدف القضاء على مسلحي داعش هناك"، وفق ما نقلت وسائل إعلام روسية عن الوزارة. وكانت مصادر إعلامية أشارت، الأربعاء، إلى أنه "وصلت قافلة أسلحة وذخائر مرسلة من التحالف لقوات سورية الديمقراطية إلى الشرق السوري آتية من العراق، تضم عشرات الشاحنات"، مرجحة أن "تكون وجهتها النهائية ريف دير الزور، للمشاركة في عملية (عاصفة الجزيرة) الجارية في ريفي الحسكة الجنوبي ودير الزور"، فيما أشارت مصادر أخرى إلى أن "قافلة الأسلحة اتجهت إلى الرقة لتعجيل حسم معركتها".