ولم توضح "لواء الثورة" أسباب استهدافها رجائي تحديداً، ما يزيد من الغموض حول عملية اغتياله، فقد كان للعميد دور بارز في عملية هدم الأنفاق بين سيناء وقطاع غزة. وطبيعة عمل رجائي، ودوره البارز في سيناء، ربما جعلا تنظيم "ولاية سيناء" المتمركز في محافظة شمال سيناء، أو خلايا تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في القاهرة يريدان قتله، من دون أن يكون للرجل خصومة مع أي من مجموعات العنف الناشئة. وتأتي عملية اغتيال قائد الفرقة المدرعة التاسعة قبل مرور أقل من شهر، على محاولة اغتيال النائب العام المساعد، المستشار زكريا عبد العزيز، وهو تأكيد على تطور قدرات مجموعات العنف الناشئة في مصر. ويرى مراقبون أن تقارب العمليات، ووجود عمليات رصد دقيقة، وتنفيذ متقدم مقارنة بأسلوب وتكتيك المجموعات الصغيرة، ينذر بوجود كارثة أمنية حقيقية. وثمة تشكيك كبير في هذه المجموعات، فهناك من يذهب إلى اعتبارها تابعة للتيار الإسلامي، وآخرون يرون أنها تابعة للنظام المصري الحالي وأجهزته الأمنية، باعتباره المستفيد الأول، لكي يستمر في الحكم تحت مظلة القضاء على الإرهاب.
ويذهب أصحاب الرأي الأخير إلى تعزيز وجهة نظرهم بإثارة الشكوك حول توقيت عملية الاغتيال، بالتوازي مع صدور أول حكم نهائي من محكمة النقض على الرئيس المعزول، محمد مرسي، بسجنه 20 عاماً، قائلين "إذا حدثت أية تظاهرات من أنصار مرسي في هذا التوقيت، فيمكن للسلطات الحاكمة استخدام حادث الاغتيال لمزيد من شيطنة هؤلاء، وإلصاق التهم الجاهزة بالإرهاب والعنف بهم، بما يساعد في استفزازهم، وجرهم نحو أي رد فعل عنيف تسعى أجنحة داخل النظام لاستثماره داخلياً وخارجياً في تعميم ما تدعيه من تصنيف الإخوان المسلمين، وأنصار مرسي، جماعة إرهابية".
ويقول باحث في الحركات الإسلامية، إنه حتى الآن لا يمكن الجزم بحقيقة أي من المجموعات المسلحة التي ظهرت حديثاً، خصوصاً مع عدم وجود معلومات متوفرة عنها. ويضيف الباحث، لـ"العربي الجديد"، إن تلك المجموعات، مع اختلاف أسمائها، ربما تكون منبثقة عن كيان أكبر، أو ظهرت على أنقاض مجموعة تمت تصفيتها من قبل الأمن، إلا أن الشاهد البارز في عملياتها هو وجود درجة كبيرة من التقدم في التنفيذ. ويشير إلى أن وجود نوع من الدقة في الرصد واختيار شخصيات بارزة، والأهم الوصول إلى تلك الشخصيات ومعرفة خط سيرها، وتوقيت تنفيذ العملية، أمور تحتاج إلى خبرات، لذلك يرجح انضمام عناصر من تنظيم "القاعدة" أو "داعش" لهذه المجموعات. ويؤكد أن مجموعات العنف الناشئة تطورت بشكل كبير، بما ينذر بخطر حقيقي على الدولة المصرية، إذا لم يتم التعامل مع هذا الملف، ليس من منظور أمني فقط.
من جانبه، يقول الخبير الأمني، اللواء جمال أبو زكري، إن الإرهاب الغادر لا يزال يضرب في قلب القاهرة، ولولا جهود أجهزة الأمن لتزايدت معدلات الهجمات المسلحة. ويضيف أبو زكري، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يوجد قصور أمني، لأن معدل العمليات الإرهابية تراجع بشكل كبير، لكن ما يحدث هو تداعيات للقضاء على المجموعات الأخرى". ويوضح أن معركة الإرهاب في النفس الأخير، ولا بد من تكثيف الأجهزة الأمنية حملاتها لضبط العناصر المسلحة، والمتعاونين معها من داخل أجهزة الدولة. وتعتبر عملية اغتيال رجائي العملية الثانية التي تزعم فيها المجموعة المجهولة نفسها، "لواء الثورة"، تنفيذها، خلال شهرين فقط. ففي 21 أغسطس/آب الماضي، هاجم مسلحون كميناً للشرطة المصرية في محافظة المنوفية، وظل الفاعل مجهولاً نحو أسبوعين، حتى إن وزارة الداخلية لم تفد بأي معلومات حول المتورطين في هذا الحادث. ثم بدأت منشورات جديدة تظهر حول الهجوم المسلح، من خلال شريط مصور لمجموعة جديدة على الساحة المصرية تزعم أن اسمها "لواء الثورة"، في 6 سبتمبر/أيلول الماضي، لتعلن مسؤوليتها عن الواقعة.
هذا الإعلان، كما يرى مسؤول أمني مصري سابق، عن وجود حركة مسلحة ناشئة، يثير علامات الاستفهام كنظيره من الإعلانات السابقة عن مجموعات ظهرت في مصر كرد فعل على الانتهاكات والقتل والتنكيل برافضي الانقلاب، بحسب ما أعلنوه في بيانات سابقة. ولم يستبعد مراقبون للحركات اﻹسلامية، أن تكون هذه المنظمة الجديدة منبثقة عن مجموعات كانت موجودة سلفاً، وتفككت ﻷي سبب، وهذا ما يعكسه وجود نوع من الحرفية في العمليات المسلحة. ويعتبر الشريط المصور الذي حمل اسم "ثأر اﻷحرار"، الذي يوثق لعملية الهجوم على كمين المنوفية، أكثر ما يثير التساؤل وعلامات الاستفهام، بسبب ما يحمله من تناقضات واضحة وغير منطقية، فقد حمل الخطاب وجهين متباينين، هما الخطاب "الجهادي" المسلح، والثوري الراديكالي معاً، فاﻷول من خلال استخدام شعار على هيئة رجل يحمل علماً كتب عليه "لا إله إلا الله"، والثاني يعززه اسم المجموعة نفسها، "لواء الثورة" وخطابها المرتبط بالثورة. وتختلف هذه المجموعة مع "الحركات الجهادية" المسلحة فكرياً، على مستوى الخطاب المقدم، فهي استخدمت مفردات مثل "الخونة" و"السفاح" و"مرتزقة الداخلية"، في حين أن الحركات الجهادية تتوسع في استخدام مفردات التكفير والردة. كما أن اختيار الكمين المستهدف يكشف عن وجود تخطيط مسبق لعملية الهجوم، بدلاً من الاستهداف العشوائي الذي قد يؤدي إلى إسقاط المجموعة.