اعتقال حقاني وقتل زعيم "جند الله": حوار "طالبان" بالقوة

22 أكتوبر 2014
حقق الأمن الأفغاني نجاحات أخيراً (نورالله شيزارد/فرانس برس)
+ الخط -
يتعقّد الملف الأمني في أفغانستان، ولا سيما أن دوامة الحرب مستمرّة والمسؤوليات الأمنية لحكومة الرئيس أشرف غني أحمد زاي، تزداد مع انسحاب القوات الدولية نهاية العام الحالي.

تولى أحمد زاي منصبه في 29 سبتمبر/أيلول الماضي المنصرم، ووعد بالتصدي للملف الأمني من خلال حوار مثمر مع حركة "طالبان" والجماعات المسلحة، التي وصفها بـ"المعارضة السياسية"، وتطوير أجهزة الأمن والقوات المسلحة الأفغانية.

وعلى الرغم من أن المراقبين للوضع الأفغاني عن كثب يقللون من فرص نجاح الحكومة في إقناع "طالبان" والجماعات المسلحة المناوئة للوجود الأجنبي في أفغانستان بالعودة إلى طاولة المفاوضات، فإن الرئيس الأفغاني يشدد على أن الحوار هو الخيار الأول والأخير لإخراج أفغانستان من الأزمة الأمنية، لذا يدعو "طالبان" مرة بعد أخرى إلى الحوار والعمل السياسي بدل حمل السلاح.

لكن معظم الأفغان يرون أن أحمد زاي، بتوقيعه الاتفاقية الأمنية مع واشنطن قد اختار طريق الحرب في مواجهة حركة "طالبان أفغانستان" والجماعات المسلّحة، خلافاً لما يدعو إليه من المفاوضات والحوار. وقد رفضت "طالبان" الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة بعد توقيع الاتفاقية مع واشنطن، التي وصفتها باتفاقية "بيع أفغانستان".

ولا يزال الرئيس الأفغاني يحاول، بوساطة بعض الدول الإسلامية وعلماء الدين وشيوخ القبائل، أن يقنع "طالبان" بالانخراط في العمل السياسي، وترك السلاح. وقد استطاع فعلاً، كما يزعم بعض المقربين إليه، الوصول إلى قيادات في حركة "طالبان" و"الحزب الإسلامي" الذي يرأسه قلب الدين حكمتيار.

ولم تكتف الحكومة الأفغانية بدعوة "طالبان" والجماعات المسلحة إلى الحوار فحسب، بل بدأت تراجع الحسابات الأمنية الداخلية، وأجرت تغييرات جذرية في المنظومة الأمنية. ويقول مصدر مقرب للرئيس الأفغاني لـ"العربي الجديد"، فضل عدم الكشف عن هويته، إن "الرئيس يجري بشكل يومي لقائات مع وزيري الداخلية والدفاع ومسؤولي أجهزة الأمن، ويناقش معهم المستجدات والخطط الأمنية".

وأدت التغييرات الأخيرة التي أجريت في أجهزة الأمن الأفغانية، إلى تحسن الأوضاع الأمنية نسبياً خلال الأسبوعين الماضيين، لا سيما في المدن الرئيسية والعاصمة كابول. وقد أبدى سكان العاصمة إرتياحهم لتحسن الأوضاع الأمنية ولو نسبياً.

من جهته، يقول محمد شريف، وهو أحد سكان العاصمة، لـ"العربي الجديد"، "إننا لا نريد من الحكومة إلا الأمن، فنحن نصنع حياتنا بأنفسنا، ونكد ونعمل إذا وفرت الحكومة لنا الأمن. نريد أن نخرج في الصباح إلى العمل ونرجع في المساء إلى منازلنا آمنين مطمئنين".

وفي هذه الفترة، أحرزت أجهزة الأمن الأفغانية والقوات الدولية المتمركزة في أفغانستان، نجاحات كبيرة على الصعيد الأمني من أهمها اعتقال قيادي في "شبكة حقاني"، أنس حقاني، المعروف بعبد الله، وهو ابن القائد الجهادي الشهير جلال الدين حقاني، ونائب زعيم الشبكة سراج الدين حقاني. وذلك بالإضافة إلى اعتقال قيادي آخر في الشبكة الموالية لـ"طالبان أفغانستان" وتنظيم "القاعدة" حافظ رشيد.

وبحسب أجهزة الأمن الأفغانية فإن أنس حقاني، كان مسؤولاً عن جمع الأموال للشبكة ومن أهم القياديين الذين كانوا يخططون لتنفيذ العمليات في الأقاليم الجنوبية. فيما كان حافظ رشيد مسؤولاً محلياً في إقليم خوست أثناء حكم "طالبان"، وكان يعمل قبل اعتقاله كمسؤول العمليات ضد الجيش الأفغاني والقوات الدولية في إقليم خوست.

وتعتبر "شبكة حقاني" التي تنسب إلى قائدها الأول جلال الدين حقاني، والد الزعيم الحالي للشبكة سراج الدين حقاني، من أهم وأخطر الجماعات المسلحة الموالية لحركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة". وتتهم الحكومة الأفغانية الاستخبارات الباكستانية بدعم الشبكة التي تتخذ من المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان قاعدة لها.

وإلى جانب نفوذها في بعض الأقاليم الجنوبية والشرقية، تتميز "شبكة حقاني" بقدرات قتالية عالية، إذ قادت عمليات منسقة وقوية، استهدفت المناطق الحساسة داخل العاصمة الأفغانية كابول والمدن الرئيسية، غير أن فقدان قياداتها، أخيراً، قد تسبب في ضعف قدرتها. وكان بدر الدين حقاني، قائد العمليات العسكرية في الشبكة قد قُتل في غارة أميركية في مقاطعة شمال وزيرستان في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012. كما قُتل أخوه نصير الدين، وهو المسؤول المالي للشبكة في ظروف غامضة في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، في سبتمبر/أيلول 2013، ما أدى إلى ضعف نشاط الشبكة.

لذا يرى المراقبون أن اعتقال أنس حقاني، يُعدّ من دون شك نجاحاً كبيراً للأمن الأفغاني وضربة قوية للشبكة.

ولم تمضِ 24 ساعة من اعتقال حقاني، حتى أعلنت الاستخبارات الأفغانية قتل زعيم حركة "جند الله" المعروفة بـ"حركة أوزبكستان الإسلامية" في أفغانستان الملا شمس الدين، المعروف بقاري زبير. وأخبرت أجهزة الأمن الأفغانية أن زعيم "جند الله"، قُتل في غارة جوية نفذتها طائرات تابعة لحلف شمال الطلسي في مديرية إشكمش في إقليم تخار شمال أفغانستان. كما قُتل معه قيادي آخر في الحركة يدعى الملا أسد.

شكل مقاتلون أزبك حركة "أزبكستان الإسلامية" أو "جند الله"، وهي توالي تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان أفغانستان" وكانت تنشط في المناطق القبلية الباكستانية، بيد أنها باتت تهدد أمن أفغانستان بعد نقل معظم مقاتليها من المناطق القبلية الباكستانية إلى أفغانستان، إثر عملية عسكرية يقوم بها الجيش الباكستاني في المناطق القبلية الباكستانية وبالتحديد في مقاطعة شمال وزيرستان. وقد شنت الحركة في الآونة الأخيرة هجمات كبيرة ضد قوات الأمن الأفغانية في شمال أفغانستان.

وذلك بالإضافة إلى اغتيال عدد من المسؤولين الأمنيين وزعماء القبائل الموالين للحكومة الأفغانية، وكان الملا شمس الدين، يدير هذه العمليات ويخطط لها، وفق تقارير أجهزة الأمن الأفغانية.

ويلاحظ أن "جند الله" قد أعلنت، أخيراً، دعمها لتنظيم "الدولة الإسلامية (داعش) بزعامة أبو بكر البغدادي في العراق وسورية. وقد تحدث الرئيس الأفغاني ومسؤولون أفغان عن وجود جماعات في أفغانستان تدعم وتؤيد "داعش".

ومع أن المراقبين يعتبرون اعتقال حقاني وقتل الملا شمس الدين من أهم النجاحات على الصعيد الأمني في أفغانستان، إلا أن استتباب الأمن الدائم في ربوع هذه البلاد التي تعاني منذ عقود من دوامة حرب لا يمكن إلا بعد عودة "طالبان" والجماعات المسلحة إلى الحوار المثمر وهو مرهون بالانسحاب الدولي من أفغانستان بشكل كامل.

المساهمون