كذلك حاول مراقبون الربط بين هذه الخطوة واستفتاء جنوب السودان، والذي أدى إلى انفصال الأخير، ليصبح دولة مستقلة في عام 2011، وخصوصاً أن إقليم دارفور يعيش الظروف نفسها التي أدت إلى انفصال الجنوب.
وشهد إقليم دارفور حرباً أهلية اندلعت في عام 2003 ولا تزال مستمرة، وراح ضحيتها عشرات الآلاف وشرّدت نحو مليونين ونصف المليون نسمة.
ويرى مراقبون أن الحكومة السودانية تفتح الباب واسعاً بخطوتها هذه أمام الاستقطاب والفتنة والمزيد من الشرذمة للإقليم، فضلاً عن تغذية الحرب القبلية التي يعاني منها الإقليم. ويعتبرون أن الوقت غير مناسب لهذا الطرح، لأن الحرب لا تزال دائرة، كما أن المنطقة برمتها غير مستقرة أمنياً، فضلاً عن وجود النازحين داخل في تشاد.
كذلك أثارت الخطوة ردود أفعال سجالية داخل قبة البرلمان السوداني، حيث انقسم النواب بين مؤيد ورافض. وحذّر نواب من خطورة إجراء استفتاء في الإقليم بالتاريخ المعلن، مطالبين البشير بالتراجع عن القرار. وأكد النائب المستقل الطيب أحمد إبراهيم أن دارفور لا يحتاج إلى استفتاء في الوقت الحالي وإنما لسلام حقيقي. فيما وصف النائب عبدالمولى الطاهر عبارة الاستفتاء بالمحبطة، نتيجة ارتباطها في الأذهان بانفصال الجنوب. وتساءل عن جدوى إعلان الخطوة في ظل انطلاق مؤتمر الحوار الوطني وشروع لجانه في إيجاد مخرج للأزمة، معتبراً أن الخطوة استباق لنتائج الحوار.
اقرأ أيضاً: السودان: المعارضة ترفض "المحفّزات التكتيكيّة" للحوار
وتتمسك الحكومة في الخرطوم بإجراء الاستفتاء، على اعتباره استحقاقاً دستورياً، وخصوصاً أنه ورد ضمن اتفاق الدوحة للسلام الذي وقعته الحكومة في عام 2011 مع فصائل دارفورية، ونص على إجراء استفتاء في دارفور بعد عام من توقيع الاتفاق، أي في 2012، غير أنه تأجل بسبب الأوضاع الأمنية في الإقليم.
ويقول مسؤول ملف دارفور أمين حسن عمر لـ"العربي الجديد"، إن "الآراء الرافضة للاستفتاء قائمة على تصور خاطئ، يقوم على أن العملية مدخل للانفصال. وفي هذا سوء فهم، لأن الاستفتاء سيجري حول الوضع الإداري الدائم للمنطقة، هل تكون إقليماً أم ولايات". وأكد أنّ الحكومة ماضية في تنفيذ الخطوة لأنها استحقاق دستوري، ولا سيما بعد تضمين اتفاق الدوحة في الدستور. وأشار إلى أن مراسيم جمهورية تصدر الشهر المقبل في ما يتصل بتكوين مفوضية الاستفتاء وعملية التسجيل. ورأى أن "الجدل الدائر الآن لا معنى له".
ويرى محللون أن الحكومة تريد من وراء الخطوة استباق نتائج الحوار وأي ضغوط يمكن أن تفرض عليها من قبل الحركات المسلحة. وقال المحلل السياسي الطيب أحمد لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة تريد من وراء الخطوة فرض أجندتها في ظل الاستقطاب الحاد بدارفور، لذا هي تتجاهل تماماً الحوار بين الأفرقاء في دارفور، والذي نص عليه اتفاق الدوحة. وأوضح أن "الحوار بين الأفرقاء بدارفور يناقش قضايا محلية تتصل بالأراضي والنزاعات القبلية. ومن شأن هذه القضايا أن توحّدهم، وبالتالي يصوتون في الاستفتاء بناء على نتائج الحوار في ما بينهم". وتابع "أما في ظل الوضع القائم الآن والخلافات الموجودة، فإن نتيجة الاستفتاء بدارفور ستكون لصالح زيادة الولايات، بحيث تطالب كل قبيلة بولاية".
وفي السياق، رأى المحلل السياسي محجوب محمد صالح أن إصرار الحكومة على إجراء الاستفتاء على الرغم من الظروف الموضوعية التي تتطلب تأجيله، والمتصلة بوجود نصف أهل دارفور في الخارج؛ إما في معسكرات اللاجئين بالدول المجاورة أو هاجروا للخارج، سيفرز نتائج تزيد من حدة الاستقطاب، كما سيفجر صراعاً أعنف مما يجري. وأضاف "ليس من مصلحة أي طرف أن يتم إجراء الاستفتاء الآن قبل أن يعود السلام والاستقرار للمنطقة". وأكد أن التقسيم الحالي "خمس ولايات" ساهم في زيادة حالة التشظي وحدّة النزاعات المحلية والمواجهات القبلية".
وظلت الحركات الدارفورية، ومنذ اندلاع الصراع، تتمسك بعودة دارفور إلى نظام الإقليم، فضلاً عن عودة البلاد برمتها إليه، كي تمثل بستة أقاليم، يُعتبر كل منها ولاية فدرالية ذات كيان إداري وسياسي مستقل، له برلمان منتخب ومجلس وزراء يترأسه رئيس ولاية إقليمي أو رئيس وزراء (محلي)، ويكون كل رئيس حكومة إقليمية في كل من الأقاليم الستة نائباً لرئيس الجمهورية القومي (بالتناوب)، على أن يكون المنصب الأخير "شرفي".
غير أن الخرطوم ترفض ذلك الاقتراح، والذي تمسكت به الحركات في جميع طاولات التفاوض مع الحكومة بدءاً من أبوجا التي توجت باتفاق في عام 2006 غاب عنه فصيلان رئيسان في النزاع هي حركة "العدل والمساواة" بزعامة خليل إبراهيم وقتها، وحركة "تحرير السودان" بقيادة عبدالواحد نور، وصولاً إلى اتفاق الدوحة في عام 2011، والذي غاب عنه أيضاً الفصيلان أعلاه، إلى جانب الحركة التي وقعت على اتفاق أبوجا بقيادة مساعد الرئيس السابق مني أركو مناوي، ومثلت قضية إعادة دارفور إلى وضع الإقليم الفيصل بالنسبة لها.
وسارعت حركة "العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم إلى إعلان رفضها إجراء استفتاء بدارفور، ووصفت العملية بالعبثية.
وقالت في بيان إن "أية توجيهات أو قرارات بشأن الاستفتاء باطلة ولا تستند إلى مصوغ قانوني أو شرعي". وشددت على أنه "بما أن الحكومة قسمت دارفور إلى ولايات دون مشورة أهل دارفور، عليها أن تعيد الوضع كما هو علية قبل التقسيم (أي نظام الأقاليم)". وأكدت أن نتيجة الاستفاء المزمع معروفة سلفاً بالإبقاء على وضع الولايات الحالي، كما يريد النظام.
وبعد عام من وصول النظام الحالي إلى سدة الحكم في 1989، حاول تغيير ملامح الدولة السودانية التي ظلت سائدة منذ استقلاله في 1956، والتي ورثها عن الاستعمار، فأصدر في عام 1991 مرسوماً جمهورياً أصبح بموجبه السودان دولة اتحادية بتسع ولايات بدلاً من نظام الأقاليم. واعتُبرت اللجان الشعبية للنظام برلمانات ولائية، وقُسمت السلطات الى ثلاثة مستويات: اتحادية حصرية وولائية حصرية وسلطات مشتركة. ثم أصدر مرسوم آخر في عام 1994، أعاد من خلاله تقسيم الولايات السودانية إلى 26 ولاية، وكان نصيب دارفور ثلاث ولايات (شمال وجنوب وغرب)، قبل أن يعاد تقسيمه إلى خمس ولايات في عام 2012 كجزء من ترتيبات تتصل بالتراضيات القبلية.
وبحسب مصادر داخل الحزب الحاكم، فإنه لم يكن القصد من وراء قرار التقسيم حينها دارفور، وإنما جنوب السودان، ولاسيما أن النظام أخذ على عاتقه مهمة الوصول إلى تسوية سياسية مع الحركة الشعبية التي كان يقودها في ذاك الزمن جون قرنق. ويقول المصدر المطلع على ما جرى حينه، لـ"العربي الجديد"، إن "التقسيم جاء نتيجة سهولة السيطرة، باعتبار أن وجود المناطق في وحدات صغيرة تحت المركز، يسهل من هذه العملية، فضلاً عن أن الخطوة من شأنها أن تصعب على الحركة الشعبية حكم الجنوب، وخصوصاً أن رؤية قرنق حينها كانت قائمة على أن يكون الجنوب ثلاث مديريات فوجدها عشر ولايات".
اقرأ أيضاً: البشير يقرر وقف إطلاق النار في مناطق النزاعات