اتحاد الشجاعية..من رحم المعاناة يُصنع الإنجاز

11 مايو 2015
فريق الشجاعية لم يأبه بالدمار ليبدع ويخطف الأنظار(العربي الجديد)
+ الخط -

"من رحم المعاناة يُولد الإبداع" هذا ما أثبته فريق اتحاد الشجاعية، ممثل الحي المدمر في رياضة كرة القدم في فلسطين؛ وذلك بعدما نجح في حصد بطولة الدوري الفلسطيني لكرة القدم للمرة الأولى في تاريخه.

وقد يصعب علينا اختصار البداية؛ وذلك لأنّ الدمار الذي حل بحي الشجاعية الكائن شرق مدينة غزة يوم العشرين من شهر يوليو/تموز عام 2014 يفوق الوصف والكلمات، وحتى الصورة التي لا تعكس هول ما جرى في تلك الليلة الدامية.

ففي ذلك اليوم، ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلية مجزرة بشعة انضمت إلى سجل جرائمها ضد أبناء الشعب الفلسطيني، حينما قصفت الحي عشوائياً مما أسفر عن استشهاد أكثر من 74 مواطناً وإصابة نحو 400 آخرين بجروح ما بين متوسطة وخطيرة.

ولم تقل مجزرة حي الشجاعية ضراوة عن مجزرة صبرا وشاتيلا، التي حدثت في لبنان وراح ضحيتها نحو 5 آلاف لاجئ فلسطيني على يد القوات الإسرائيلية وحزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي في سبتمبر/ أيلول عام 1982.

ووقفت عربات الإسعاف والإطفاء آنذاك على مشارف الحي مذعورة من هول ما رأت إذ تناثرت الجثث في الشوارع، وكان بعضها محترقاً لدرجة تجعل من الصعب التعرف على أصحابها، فيما ارتوت الأرض بدماء الشهداء الطاهرة؛ في مشهد يُعيد للأذهان ذكريات حرب صبرا وشاتيلا.

إرادة صلبة وعزيمة لا تلين
للوهلة الأولى يُدرك من يُشاهد صور حي الشجاعية عقب المجزرة التي حلت به، أن الحي قد أبيد تماماً، وضاعت ملامحه وتحطمت معنويات سكانه؛ نظراً لبشاعة المجزرة.

لكن الحقيقة مختلفة تماماً فقد أثبت الشعب الفلسطيني أنه صاحب إرادة فولاذية أجبرت المعتدين على الرضوخ والتراجع دون أن یتراجع أو یستسلم؛ حيث نجحوا في الصمود رغم ما حل بالحي من دمار.

وبرهن أبناء الحي الفلسطيني بالدليل القاطع صحة مقولة شيخ المجاهدين الليبيين، وأسد الصحراء، عمر المختار، الذي قال: "يمكنهم الأعداء هزيمتنا فقط إذا نجحوا في اختراق معنوياتنا".

أبطال رغم الدمار
وتُوج الفريق الفلسطيني باللقب بعد فوزه الكبير على منافسه خدمات النصيرات بنتيجة أربعة أهداف مقابل هدف في اللقاء الذي جمع الطرفين، يوم الجمعة، على ملعب الشهيد محمد الدرة في دير البلح، ضمن منافسات الجولة العشرين من بطولة الدوري الفلسطيني.

ووجّه فريق الشجاعية بهذا النصر العظيم رسالة تحدٍ للاحتلال الإسرائيلي، الذي دمر كل شيء جميل في هذا الحي، وقتل وشرد أهله في الحرب الأخيرة، لكنه لم ولن يتمكن من كسر الإرادة الفولاذية التي يتمتع بها أبناء هذا الحي.

المستحيل ليس فلسطينياً
وأعاد انتصار فريق اتحاد الشجاعية للأذهان، ما حدث مع المنتخب الألماني الأول لكرة القدم خلال النسخة الخامسة من بطولة كأس العالم، التي استضافتها سويسرا في عام 1954، وهي النسخة التي كانت شاهدة على عودة "الناسيونال مانشافت" لخوض البطولة العالمية، بعد مضي أربعة أعوام على حرمانها من المشاركة في النسخة الرابعة من بطولات كأس العالم والتي أقيمت في الملاعب البرازيلية؛ بسبب الحرب العالمية.

وتمكن "الناسيونال مانشافت" في ذلك الوقت من تحقيق مفاجأة مدوية حينما تُوج بلقب البطولة بعد أن أنهى السجل الكبير للمنتخب المجري بدون أي خسارة في 31 مباراة، وفاز عليه في نهائي البطولة، الذي أصبح يُعرف باسم معجزة بيرن، ليُنسي هذا الإنجاز الشعب الألماني ويلات الحرب العالمية.

وخلدت منذ تلك البطولة عبارة "المستحيل ليس ألمانيّاً" حيث ضرب المنتخب الألماني مثلاً في الصمود والنجاح لبلد مهزوم ووطن مدمر، بعدما نجح في صنع سيناريو لم يتكرر في تاريخ نهائيات كأس العالم، وذلك قبل أن يُتوج بالبطولة التي رسمت البسمة على شفاه أبناء الشعب الألماني الذي عانوا قبلها بتسع سنوات من حرب ضروس؛ وهو الأمر الذي فعله نادي اتحاد الشجاعية الفلسطيني الذي أعاد البسمة على شفاه أبناء الحي المدمر بعد تسعة أشهر على انتهاء الحرب، ليُخلد هو الآخر مقولة جديدة "المستحيل ليس فلسطينياً".

المساهمون