إيران وأوروبا.. توتر على وقع التصعيد بين طهران وواشنطن

21 مايو 2019
طهران ما زالت تحاول إنقاذ الاتفاق (فرانس برس)
+ الخط -

فيما يستمر التصعيد بين واشنطن وطهران ولا تلوح في الأفق حلول ممكنة، تتجه العلاقات الإيرانية الأوروبية نحو التوتر، لتصعّد إيران انتقاداتها للأوروبيين، إذ تتهمهم بالتبعية والفشل في إنقاذ الاتفاق النووي من جهة، وتعلن أطراف أوروبية وفي مقدمتها بريطانيا بشكل أو بآخر اصطفافها إلى جانب الولايات المتحدة ضد إيران من جهة أخرى.


في السياق، قال رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، اليوم الثلاثاء، لوكالة "مهر" الإيرانية للأنباء إن أوروبا تنتظر نشوء ظروف جديدة بين طهران وواشنطن، مضيفا أنها "أظهرت عدم استقلاليتها في التطورات الراهنة".

وأوضح أنه "إلى حين نشوء تلك الظروف، ستسعى أوروبا لتبقى مجرد لاعب من دون أن تقدم على خطوة"، لافتا إلى أن "من يفكر بأن أوروبا عليها إنقاذ الاتفاق النووي فهو مخطئ، لأنها غير قادرة على ذلك".

وأشار فلاحت بيشه إلى القناة المالية الأوروبية لدعم التجارة مع بلاده (إينستكس)، التي أسستها الترويكا الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي خلال يناير/ كانون الثاني الماضي، لكنها لم تفعّلها بعد، قائلا: "أستبعد أن تقوم أوروبا بشيء في هذا الصدد".

وعلى الضفة الأوروبية أيضا، يُستشف من المواقف والتصريحات الصادرة منها خلال الفترة الأخيرة وبالذات من دول مثل فرنسا وبريطانيا، وهما الشريكتان في الاتفاق النووي، أن الأوروبيين أصبحوا أقرب من قبل إلى المواقف الأميركية بدرجة أو أخرى، رغم مناشداتهم الطرفين بتخفيف حدة التصعيد وتأكيداتهم بضرورة الإبقاء على الاتفاق.

وفي السياق، اعتبر وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هنت، أمس الإثنين، على هامش اجتماع لجمعية الصحة العالمية في جنيف، أن "الحل الطويل الأمد هو أن تكف إيران عن أنشطة زعزعة الاستقرار في المنطقة".
كما حذر الوزير البريطاني طهران من عدم الاستهانة بعزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على الحرب، قائلا: "أقول للإيرانيين: لا تستهينوا بعزم الجانب الأميركي. إنهم لا يريدون حرباً مع إيران. لكن إذا تعرضت المصالح الأميركية لهجوم، فسيردون. وهذا أمر يحتاج الإيرانيون إلى التفكير فيه بتمعن شديد".

دمار اقتصادي
وكان الرئيس الأميركي قد قال، الأحد في تغريدة على "تويتر": "إذا أرادت إيران الحرب فستكون نهايتها رسمياً. لا تهددوا الولايات المتحدة مجدداً"، قبل أن يتراجع خطوة في مقابلته مع قناته المفضلة، "فوكس نيوز"، يوم الإثنين، ليقول إنه لا يريد الحرب مع إيران، مضيفا: "إذا كان هناك غزو فهو غزو اقتصادي"، مشيراً إلى أن إيران "تعرضت لدمار كامل من الناحية الاقتصادية".


ورمت طهران في الثامن من الشهر الجاري، كرة الاتفاق النووي المثقوبة في الملعب الأوروبي، فضلا عن الشريكين الآخرين للاتفاق النووي، وهما الصين وروسيا، من خلال كشفها عن جملة قرارات "مرحلية"، في الذكرى السنوية الأولى من الانسحاب الأميركي من الاتفاق، تعلّق بموجبها تنفيذ بعض تعهداتها النووية، في خطوة تؤكد أنها "لن تبقى الطرف الوحيد الذي ينفذ التزاماته تجاه الاتفاق النووي".


وجاءت هذه القرارات التي دخلت حيز التنفيذ الأربعاء الماضي، ردا على تداعيات الضغوط الأميركية وخصوصا الاقتصادية منها وما تصفها طهران بمماطلات بقية شركاء الاتفاق النووي في تنفيذ تعهداتهم، الأمر الذي جعل الجانب الإيراني الخاسر منه بعد أن صفّرت العقوبات الأميركية منافعها الاقتصادية من الاتفاق.

ومنحت إيران مهلة ستين يوما لهؤلاء الشركاء لتلبية مطالبها في المجالين النفطي والمصرفي، قبل أن تنتقل إلى تنفيذ المرحلة الثانية من قراراتها المرحلية، والتي تشمل عدم الالتزام بمستوى محدد لتخصيب اليورانيوم وتفعيل منشآت "أراك".

وفي السياق، أعلنت طهران، أنها بدأت اعتباراً من أمس الإثنين، زيادة إنتاجها من اليورانيوم المخصب أربعة أضعاف، من دون رفع نسبة التخصيب أكثر من 3.67 في المائة، وهي النسبة التي حددها الاتفاق النووي المبرم مع المجموعة السداسية الدولية عام 2015.

وكان الاتفاق النووي قد حدّد سقف 300 كيلوغرام لإنتاج اليورانيوم بمستوى 3.67 في المائة، إلا أن ذلك سيرتفع أربعة أضعاف ليصل إلى 1200 كيلوغرام بموجب الإعلان الإيراني.


وتستهدف الخطوات الضغط على الجانب الأوروبي ليدفعه باتجاه تسهيل بيع طهران نفطها ومعاملاتها المصرفية، لكن الأنباء الواردة من إيران تؤكد أن أوروبا لم تقم بشيء، حتى اللحظة، يلبي مطالبها في المجالين. وأعلن رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني أخيرا، أن الأوروبيين "لم يقدموا على أيّ خطوة بعد مرور 10 أيام على مهلة الشهرين"، التي منحتها السلطات الإيرانية لهم لتنفيذ ما تعتبره تعهدات أوروبية منصوصاً عليها في الاتفاق.

وأضاف أن "أوروبا طيلة عام بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي لم تفعل شيئا في ما يخص القضايا المالية في إطار الاتفاق، ومهلة الشهرين تعتبر فرصة جديدة لها"، مضيفا أن "أمام الأوروبيين 50 يوما كفرصة لتسهيل المعاملات المالية لإيران بعد عدم قيامهم بشيء خلال الأيام العشرة التي مرت على المهلة".

رد فعل سيئ
من جهته، قال النائب حاجي دليجاني إن "أوروبا حتى لم تنفذ آلية إنستكس المالية، والتي لا تجلب أساسا أي منفعة لإيران"، مؤكدا أن بلاده لم تلاحظ "أي خطوة صغيرة يقوم بها الأوروبيون، لذلك فالرهان عليهم لاتخاذ خطوة عملية خلال شهرين عبثي".

وأضاف أنه بحسب آلية "إنستكس" لدعم التجارة مع إيران والتي أسستها الترويكا الأوروبية (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) خلال يناير/كانون الثاني الماضي، "كان من المقرر أن تبيع إيران نفطها لأوروبا، وفي المقابل تستورد مواد غذائية والأدوية والمعدات الطبية".

وكان وزير الخارجية الفرنسي، جان-إيف لو دريان، قد وصف، في وقت سابق، تعليق طهران بعض التعهّدات التي كانت قطعتها في إطار الاتّفاق النووي المبرم عام 2015، بأنّه "ردّ فعل سيّئ" من جانبها، داعياً طهران إلى إظهار "نضج سياسي"، مع تهديدات أوروبية بالعودة إلى العقوبات مستقبلا للرد على السياسة الإيرانية الجديدة.

في موازاة ذلك، وفي ضوء المواقف الأوروبية تجاه الاتفاق النووي، خلال العام الأخير، والتي لم تتجاوز إطلاق وعود وتصريحات، يستبعد أن يقوم الاتحاد الأوروبي خلال المدة المتبقية لمهلة إيران بما يلبي مطالبها ويمكّنها من تجاوز العقوبات الأميركية، وذلك لأسباب كثيرة؛ الأول أنه بصرف النظر عن أن أوروبا تستطيع فعل ذلك أم لا، إلا أنها لا تبدو راغبة في القيام بما يبطل مفاعيل الضغوط الاقتصادية الأميركية، تكون قد خسرت هي نفسها ورقة ضغط على طهران في ملفات تعتبرها حساسة، مثل برنامج إيران الصاروخي والإقليمي.

والسبب الثاني أن مسار العلاقات الأميركية الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية إلى اليوم، يظهر جليا أن هناك توافقا شبه كامل في سياسات الجانبين في قضايا عالمية وإقليمية حساسة، وإن اختلفت رؤية الأوروبيين تجاه هذه القضايا عن الرؤية الأميركية في بعض التفاصيل، إلا أنهم في نهاية المطاف، لا يتحركون بمعزل عن السياسات الأميركية، ليسايروها عمليا ولو خالفوها كلاميا، سواء من منطلق العجز أو الرغبة، الأمر الذي أدى حتى اليوم إلى أن تكون الرؤية الأميركية هي النافذة. وفي السياق، تُمكن الإشارة إلى الموقف الأوروبي من السياسات الأميركية الأخيرة تجاه القضية الفلسطينية والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، وتدمير حل الدولتين، وهو موقف لم يتجاوز تنديدات كلامية خجولة، مما شجّع واشنطن على التمادي في هذه السياسات.


والسبب الثالث، أن التشابك الوثيق بين المصالح الاقتصادية والأمنية الأوروبية الأميركية، مع الغلبة للأخيرة، يفقد الأوروبيين القدرة العملية على التغريد خارج السرب الأميركي، وحتى إن أرادوا ذلك.
أمام هذا الواقع، على الأغلب ستنتهي مهلة الستين يوما الإيرانية من دون أن تقوم أوروبا بإجراء ملحوظ يرضي طهران، مما يترتب على ذلك ذهاب الأخيرة باتجاه تنفيذ المرحلة الثانية من قراراتها المرحلية، والتي ستكون بمثابة انسحاب غير معلن من الاتفاق النووي.

المساهمون