إمبراطورية الداخلية

14 ديسمبر 2015
دخول الشرطة عالم البيزنس أمر غير مسبوق (فرانس برس)
+ الخط -

 

يبدو أن النظام الذي فقد اتزانه عندما اضطربت صفوف قوات الداخلية إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، قد وعى الدرس جيداً، فراح يؤسس لعمداء الشرطة مصالح اقتصادية تضمن ولاءهم وتسد أطماعهم، شأنهم في ذلك شأن العسكر الذي يستمر جنرالاته على الإمبراطورية الاقتصادية، التي تعود بالمنفعة الشخصية عليهم أولا وثانيا وثالثا.

بالطبع، لا يحب الجنرالات تسمين لواءات الشرطة عبر السماح بتأسيس إمبراطورية اقتصادية لوزارة الداخلية، لكن تفويت جزء من حصة القطاع الخاص لصالح الداخلية لن يكلف الجيش كثيرا، ولن يخلق كيانا منافسا لأخطبوط الأعمال العسكري بأي حال، لكنه يُطيّب نفوس رجال الشرطة الذين قد يتسرب إليهم الفهم بأنهم يدفعون أثمانا تصل إلى حد قطع الرؤوس على يد الثوار، في سبيل حماية نظام عسكري يغرق في ثروات البلد وتنمو مدخرات جنرالاته مع كل طلعة شمس.

دخول الشرطة عالم البيزنس، أمر غير مسبوق، وجدير بالتوقف عنده كثيراً، إذ يؤسس لجهاز نفعي يستقوي باقتصاده قبل نفوذه السلطوية، هذا أحرى بأن يُعظّم من بطش الداخلية وجبروتها ضد أي محاولات شعبية تجرؤ على مناهضة فسادها، إذ لن تدافع الشرطة عن سلطاتها فحسب، بل عن ثرواتها أيضا.

وقد يدفع عالم الأعمال والاستثمارات، حكومية كانت أو خاصة، ثمنا باهظا، هو الآخر، نتيجة هذا الإجراء، إذ تتسع ساحة المنافسة التي أنهكت هؤلاء طيلة العقود الخمسة الماضية بسبب تدخل الجيش في الاقتصاد، لتشمل لاعبا آخر يتمتع بنفوذ قوي مدنيا، وإن كان تحت مظلة عسكرية.

اقرأ أيضاً: الشرطة المصرية تنافس الجيش في أسواق السلع

وإذا كان الجيش قد تمكن في غضون نحو 50 عاما من تأسيس قوة اقتصادية تقترب من 40% من إجمالي اقتصاد دولة عمرها سبعة آلاف سنة، فمن غير المستبعد أن تؤسس الداخلية كيانا ضخما ووازنا في غضون أعوام قليلة بفعل التوترات التي تشوب المشهد. إذ كلما زاد الرهان على الداخلية في ردع المقاومين للنظام، كلما زادت فرصهم في فتح منافذ وقطاعات اقتصادية جديدة لينشطوا فيها. فمن غير المعقول أن تقتصر أعمال الشرطة على بيع منتجات غذائية.

ومن غير المعقول أيضا أن يضحي الجيش بجزء من حصته في اقتصاد الدولة لصالح الداخلية، فكل القوانين والإجراءات التي يتخذها الجيش والتي كان آخرها السماح بتأسيس شركات بمساهمات أجنبية، تشير إلى أن الجيش يطمح في حصة أكبر لتحقيق ربح أكثر.

إذاً مكاسب الجيش من فطيرة الاقتصاد العام سيحصل عليها من حصة المدنيين، وكذلك الحال بالنسبة للحصة المتوقع أن تحصل عليها الداخلية.

هكذا يبدو الاقتصاد، كعكة يتقاسمها الجيش والشرطة، ولا عزاء للمواطنين الذين يزعم وزير الداخلية أنّ تدخل وزارته في شؤون الاقتصاد لصالحهم المطلق، فمصر لم تجن نفعا طيلة العقود الماضية من سيطرة الجيش على 40% من الاقتصاد، بل على العكس. فيما جنى الجنرالات كل خير في الدولة.
 


اقرأ أيضاً:
مصر تستغيث بصندوق النقد لإقراضها 6 مليارات دولار
القطاع الخاص المصري يتخوّف من تمدّد الجيش اقتصادياً

المساهمون