إغراق الأسواق اليمنية بالبضائع الصينية يدمّر المشروعات الحرفية الصغيرة

22 يناير 2020
الحرف اليدوية مهدّدة بسبب البضائع المستوردة (محمد حواس/فرانس برس)
+ الخط -

 

وسط فوضى الحرب والاضطرابات الأمنية وغياب الدور الحكومي في ضبط الأسواق اليمنية، يضرب الكساد المشروعات الصغيرة ولا سيما أعمال الحرف اليدوية وورش النجارة والحدادة، وهي آخر معاقل صغار المستثمرين في بلد تجتاحه بطالة متفاقمة وفقر مدقع.

وتأتي الفوضى في ظل إغراق الأسواق اليمنية بالمنتجات الصناعية والحرفية المستوردة بشكل رئيسي من الصين، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأصوات للمطالبة بضرورة حماية ما تبقى من هذا القطاع في البلاد.

ويشكو أصحاب الأعمال الحرفية والصناعات الصغيرة من أن تأثير المنتجات المستوردة والمقلدة وعدم الاهتمام الحكومي بمنتجاتهم، لا يقل عن تأثير الحرب على هذا القطاع المهم، ما أدى إلى إغلاق عدد كبير من هذه المشروعات.

ويرى محمد المعلمي، وهو صاحب معمل للنجارة وصناعة الزجاج، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هذه المهنة تعد من أهم الأعمال الحرفية التي يمكن الاستفادة منها اقتصادياً، إلا أنها تواجه العديد من المعوقات، أهمها إغراق الأسواق بالمنتجات الخشبية المستوردة، مثل الأبواب والشبابيك والمكاتب، بالإضافة إلى البضائع الزجاجية والألمنيوم.

ويؤكد المعلمي أن "الصين تقوم بدور سلبي في إغراق الأسواق بما يضر بالاقتصاد اليمني من ناحية إهدار عملة صعبة على استيراد منتجات لا تحتاجها الأسواق المحلية في ظروف صعبة وقاسية تمر بها البلاد، ومن ناحية أخرى الحد من أي مشاريع صغيرة تساعد في مكافحة الفقر والبطالة".

من جانبه، يؤكد النجار عمران ناصر، لـ"العربي الجديد"، حاجة النجارين وغيرهم من الحرفيين والصناعيين للتأهيل والتطوير وتنظيم أعمالهم والدعم من جميع الأطراف الحكومية المختصة بهذه المهنة. والأهم، من وجهة نظر ناصر، يتمثل في تخصيص أماكن تتوفر فيها الأشجار لاستخدام أخشابها في أعمالهم.

وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، يحمل الحداد علي حميد الجهات الحكومية والمؤسسات المعبرة عن القطاع الخاص مسؤولية تجاهل الأعمال والمهن الحرفية، رغم أن بعض الجهات، كوزارة الصناعة والتجارة والاتحادات والجمعيات الخاصة بالصناعات والأعمال المهنية معنية بشكل مباشر بتطوير هذا القطاع.

في هذا الصدد، يشير رئيس اتحاد الصناعات الحرفية والأعمال المهنية في اليمن، محمد إسحاق، إلى عدة عوامل تهدد المهن في اليمن، على رأسها إلى جانب الحرب والصراع الدائر، الاستيراد والتقليد.

ويقول إسحاق لـ"العربي الجديد"، إن الأسواق المحلية تغرق بالمنتجات المستوردة والمقلدة، الأمر الذي أصاب الصناعات والأعمال الحرفية والتقليدية بالركود والانهيار، إذ تكافح أعمال النجارة والحدادة للبقاء في هذه الوضعية المتردية وغياب سلطات الدولة التي تحمي هذه الأعمال والصناعات.

وتكشف بيانات حديثة للاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية اليمنية عن تفاقم ظاهرة الغش التجاري، إذ أصبحت السلع المهرّبة تشكل ما بين 50 و60% من حجم التجارة في اليمن.

ويؤكد إسحاق أن المؤسسات المعنية بهذه الأعمال تقف مكتوفة الأيدي لتقديم مساعدات ملموسة لحماية هذه الصناعات والمهن ومنتجاتها في ظل الأوضاع الراهنة التي أنتجتها الحرب في اليمن، لافتاً إلى ما تمثله هذه الأعمال من أهمية كبيرة لمكافحة البطالة في بلد يعاني من فقر وبطالة في ظل غياب البرامج والمشاريع التنموية والاستثمارية.

وتمثل الصناعات الصغيرة والحرف التقليدية الشريان النابض لصنعاء القديمة المكتظة بالأسواق والأعمال التقليدية، إذ أصبحت في أسوأ مراحلها بعدما أغرقت السوق المحلية بأنواع لا تحصى من المنتجات المزيفة والقادمة من الخارج بأسعار زهيدة وبجودة رديئة.

ويرى رئيس جمعية المهنيين اليمنيين عبد الملك السويدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذا القطاع يفتقد للتنظيم والتشجيع والتعريف بأهميته، لهذا تقتضي الضرورة تبني استراتيجية وطنية فاعلة لتنمية الصناعات الحرفية والأنشطة الاقتصادية والصناعية الصغيرة والمتوسطة لإكسابها جودة عالية تمكنها من المنافسة في السوق المحلية، وتصديرها إلى الخارج.

بدوره، يقول مدير الجمعية المحلية لحماية المنتجات الوطنية، سامي النهاري، إن اندثار مثل هذه الأعمال يمثل إحدى كوارث الحرب التي تسببت في أكبر أزمة إنسانية يشهدها البلد المنكوب.

ويرى النهاري في حديث لـ"العربي الجديد"، أن حماية هذه المهن والصناعات ومنتجاتها مسؤولية الجميع، موضحا أن استيراد المنتجات المقلدة من الخارج يصل إلى أكثر من ملياري ريال سنوياً.

ويوضح أن الحرب كونت طبقات ثرية في مختلف مناطق الصراع في اليمن، خصوصاً في صنعاء وعدن وتعز ومأرب وحضرموت، تستثمر أموالا طائلة في العقارات وشراء الأراضي والبناء المتواصل وإقامة المراكز التجارية دون ضوابط.

وتقتضي الضرورة، طبقاً لخبراء، التركيز على الجوانب التدريبية والتأهيلية للكوادر العاملة في المهن الحرفية والصناعات الصغيرة وتشجيع الشباب على ممارسة مثل هذه الأعمال.

وتتطلب هذه العملية، حسب الخبير الاقتصادي وهيب سالم، إلزام القطاع التجاري والمستوردين بعدم الإضرار بالمهن اليمنية ودعم منتجاتها والتوقف عن إهدار مبالغ طائلة من العملة الصعبة في أوضاع حرجة تمر بها البلاد لإغراق الأسواق بالمنتجات الصينية في وقت يستطيع فيه الحرفيون توفير بضائع بجودة عالية وأسعار مناسبة.

ويشدد سالم في حديث لـ"العربي الجديد"، على أهمية تثبيت الأسواق التقليدية والاهتمام بمواقعها ونظافتها وجاذبيتها، وإيجاد خطة ترويجية تبرز أهمية هذه الأسواق وما تحمله من منتجات وطنية تعكس حرفية ومهنية العامل اليمني، وتساهم في تحفيز وتشجيع الصناعات الصغيرة التي تعتبر القاعدة التي يمكن أن ترتكز عليها توجهات التنمية الاقتصادية وإعادة البناء والإعمار مستقبلاً في البلاد.

ويشير إلى ضرورة تنسيق وتوحيد الجهود المشتركة للجمعيات العاملة في المجالات الحرفية والمهنية والصناعات الصغيرة وإيلاء عناية فائقة بمنتجاتها وإكسابها قدرات تنافسية عالية، موضحاً أهمية ذلك للنهوض بها وتفعيل دورها الإنتاجي والخدمي وتحسين مستوى دخل الأسر الفقيرة.

وطبقاً لدراسة أعدها الصندوق الاجتماعي للتنمية، فإن أهم التحديات التي تواجه الصناعات الصغيرة والمهن الحرفية في اليمن تتمثل في التمويل والتسويق وعقبات فنية مرتبطة بالقصور الشديد في مجال الخدمات المساندة لتوفير المعلومات التي تحتاجها هذه المهن، إضافة إلى الاستيراد المتواصل للبضائع المقلدة والتي أغرقت الأسواق وأضرت كثيراً بالمنتجات الوطنية.

وتدعو الدراسة التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، إلى أهمية الاهتمام بالتأهيل والتدريب والتركيز على عملية الترويج والتسويق والمشاركة في المعارض الدولية، بالإضافة إلى ضرورة وضع ضوابط قانونية تحد من إغراق السوق المحلية بالمنتجات المستوردة وتضمن حماية الصناعات الوطنية.

 

(الدولار = 250 ريالاً يمنياً)

المساهمون