02 نوفمبر 2024
إعلام يحرض على المجتمع المدني في تونس
يتبيّن المتابع للمشهد الإعلامي في تونس، بعد ستّ سنوات من الثورة، تزايد حملات تشويه منظمات المجتمع المدني، ومن جديد ذلك ظهور تسريب صوتي منسوب إلى هيئة تحرير قناة نسمة التلفزيونية الخاصّة، يدعو فيه نبيل القروي (أحد مالكيها) إعلاميين عاملين معه إلى بذل الجهد في ثلب منظّمة "أنا يقظ"، والتشويش على جهودها في مكافحة الفساد، بتمرير إشاعات مغرضة عن أعضائها، واتهامهم بالانتهازية، والعمالة، والجاسوسية. وجاء في المقطع المسرّب قول القروي، "من اللازم الآن أن نشنّ حملة تشويه ضدّ أنا يقظ، سنستعين بصحافيينا العاملين في التحقيقات، ونروّج أنّ هؤلاء (أعضاء المنظمة) خونة وعملاء، ومرتزقة، يبتزّون النّاس، ويغنمون الأموال ليبيعوا بلدهم...نقوم بصياغة إعلانات نضع فيها صور موظفي تلك الجمعية بأسمائهم، ونكتب أنهم خونة ووصوليون، ويمثّلون خطرا على البلاد... نخصّص أكثر من 45 دقيقة لشتمهم وإهانتهم حتّى نرعبهم... ونرسل أحد صحافيينا إلى أهاليهم وأحيائهم ليطرق الأبواب، ويُعلم أقرب الناس إليهم أنّهم عملاء وجواسيس، ويتلقون الأموال من أميركا... وإن توجهوا إلى المحكمة لمقاضاتنا ستكون العقوبة بعد خمس سنوات 700 دينار ندفعها لهم".
هذا الخطاب الصادم صريح في التحريض على المنظمة المذكورة، والدعوة إلى انتهاك حرمة الناشطين فيها، والتعريض بهم بغاية شيطنتهم لدى الرأي العامّ وتأليب الناس عليهم. وذلك راجع إلى أنّ المنظمة المعنية جمعيّة شبابية، مدنية مستقلّة، وعدت، في بيانها التأسيسي، بالانحياز إلى الثورة، والعمل على تحقيق أهدافها، ولأنّها جادّة في ممارسة دورها الرقابي المدني، وجهدها الاستقصائي النقدي، من أجل مزيد من الشفافية والعدالة والنزاهة داخل الاجتماع التونسي، وهي ممثّل منظّمة الشفافية الدولية في تونس، وسبق لها أن نشرت أعمالا
استقصائية مهمّة، كشفت من خلالها وجود شبهات فسادٍ لدى بعض الفاعلين السياسيين، ولدى بعض مؤسسات القطاعين، العام والخاص. ونشرت، في يوليو/ تموز الماضي، تحقيقا أبرزت فيه وجود شبهات فساد في قناة نسمة تتعلق "بالتهرب الضريبي" وعدم تسديد مبالغ بذمتها لفائدة الدولة، وهو ما يندرج تحت طائلة الاستيلاء على المال العامّ، وما يتعارض مع المصلحة الوطنية. والظاهر أنّ ذلك التحقيق دفع المشرفين على القناة إلى استهداف المنظمة والتخطيط لتحجيم دورها والتشهير بها. وقد لقي ذلك النهج التآمري في التعامل مع الجمعية ردود فعل منكِرة من القوى الحيّة في المجتمع التونسي، فدانته نقابة الصحفيين بعبارات شديدة اللهجة، وشجبته هيئة الاتصال السمعي البصري، وأغلب الأحزاب الفاعلة في المشهد السياسي التونسي، وعبّر آلاف الناشطين في شبكات التواصل الاجتماعي عن مساندتهم المنظمة، ولوّنوا صورهم بعبارة "متضامن مع أنا يقظ". وخطورة ما أقدمت عليه هيئة تحرير قناة نسمة في أنّه عمل كيدي، يستعدي المجتمع المدني، ويشرّع سياسة تكميم الأفواه وخيار التضييق على
الفاعلين في مجال مكافحة الفساد، ويوظّف قوّة المال والإعلام لتضليل الرأي العامّ وترويج أخبار تهدف إلى تشويه المنظمات المدنية، وتنفير الناس منها، بل وتحشيدهم ضدّها.
والأمر غير قاصر على منظمة "أنا يقظ"، فقبلها شنّت وسائل إعلامية تونسية مختلفة حملة شعواء على هيئة الحقيقة والكرامة، للتشويش على عملها، وتعطيل جهدها الاستقصائي في كشف الحقيقة، فجرى تخوينها حينا ونعتها بأنّها مسيّسة حينا آخر، وتمّ التشكيك في صدقيّتها ووطنية أعضائها، لأنّها منظّمة حقوقيّة مستقلّة، أقبلت على فتح ملفّات الماضي، وحاولت تفكيك شبكات الدولة القامعة بحثا عن الحقيقة، وتوقا لإنصاف الضحايا، وهو ما لا يروق لمتنفّذين في دوائر المال والسياسة والإعلام الذين يخشون العدالة، ويُؤثرون الإفلات من العقاب والهروب إلى الأمام. كما أنّ اتحاد الشغل، باعتبارة منظمةً نقابيةً معنيّة بالدفاع عن حقوق العمّال والفئات الهشّة، لم يسلم من حملات التشويه الإعلامي في منابر تعبيرية مختلفة، فكثيرا ما تهافت عليه بعضهم، فاتّهمه بالرغبة في الاستئثار بصناعة القرار، والهيمنة على الدولة، والعمل على إسقاط الحكومة، وخدمة أجنداتٍ حزبية معيّنة، وذلك بسبب انتصاره للمحتجّين والكادحين، ودفاعه عن حق الجهات الداخلية والطرفية في تنميةٍ عادلة، متوازنة وشاملة. وهو ما لا يعجب بعض قوى الشدّ إلى الخلف وناهبي المال العامّ.
والثابت أنّنا إزاء مشهد إعلامي تونسي غير مهني، مازال مسكونا بهواجس الدولة الشمولية، ومحكوما بهيمنة بارونات المال والأعمال الذين لم يستوعبوا بعد أنّ البلاد شهدت ثورة، وأنّ منظمات المجتمع المدني غير معنيّة بتزكية السلطة، ولا بتزويق الواقع، أو تلميع شخص ما أو طرف ما، بل معنيةٌ بكشف الحقيقة ومكافحة الفساد، وترسيخ أسباب الشفافية والنزاهة والعدالة، وهي مشغولةٌ في الديمقراطيات الحيّة بمراقبة أجهزة الدولة والفاعلين الاجتماعيين، وعليها المعوّل في إيصال أصوات المواطنين إلى أصحاب القرار، وتعزيز مشاركتهم في الشأن العامّ. وأحرى بالإعلام أن يدعم هذا التوجّه، لا أن يعارضه. ومن الضروري في هذا الخصوص المبادرة بإصلاح قطاع الإعلام في تونس بتقنينه وضبط مسالك تمويله، وتأهيل العاملين فيه وتطوير مهاراتهم الاتصالية، وإلزامهم باحترام أخلاقيات المهنة، وتشديد العقوبة على المخالفين، وإلّا سيظلّ هذا القطاع هشّا، رهينة أصحاب النفوذ، ومَنفذا لتضليل الرأي العام، وجسر عبور للنظام القديم.
هذا الخطاب الصادم صريح في التحريض على المنظمة المذكورة، والدعوة إلى انتهاك حرمة الناشطين فيها، والتعريض بهم بغاية شيطنتهم لدى الرأي العامّ وتأليب الناس عليهم. وذلك راجع إلى أنّ المنظمة المعنية جمعيّة شبابية، مدنية مستقلّة، وعدت، في بيانها التأسيسي، بالانحياز إلى الثورة، والعمل على تحقيق أهدافها، ولأنّها جادّة في ممارسة دورها الرقابي المدني، وجهدها الاستقصائي النقدي، من أجل مزيد من الشفافية والعدالة والنزاهة داخل الاجتماع التونسي، وهي ممثّل منظّمة الشفافية الدولية في تونس، وسبق لها أن نشرت أعمالا
والأمر غير قاصر على منظمة "أنا يقظ"، فقبلها شنّت وسائل إعلامية تونسية مختلفة حملة شعواء على هيئة الحقيقة والكرامة، للتشويش على عملها، وتعطيل جهدها الاستقصائي في كشف الحقيقة، فجرى تخوينها حينا ونعتها بأنّها مسيّسة حينا آخر، وتمّ التشكيك في صدقيّتها ووطنية أعضائها، لأنّها منظّمة حقوقيّة مستقلّة، أقبلت على فتح ملفّات الماضي، وحاولت تفكيك شبكات الدولة القامعة بحثا عن الحقيقة، وتوقا لإنصاف الضحايا، وهو ما لا يروق لمتنفّذين في دوائر المال والسياسة والإعلام الذين يخشون العدالة، ويُؤثرون الإفلات من العقاب والهروب إلى الأمام. كما أنّ اتحاد الشغل، باعتبارة منظمةً نقابيةً معنيّة بالدفاع عن حقوق العمّال والفئات الهشّة، لم يسلم من حملات التشويه الإعلامي في منابر تعبيرية مختلفة، فكثيرا ما تهافت عليه بعضهم، فاتّهمه بالرغبة في الاستئثار بصناعة القرار، والهيمنة على الدولة، والعمل على إسقاط الحكومة، وخدمة أجنداتٍ حزبية معيّنة، وذلك بسبب انتصاره للمحتجّين والكادحين، ودفاعه عن حق الجهات الداخلية والطرفية في تنميةٍ عادلة، متوازنة وشاملة. وهو ما لا يعجب بعض قوى الشدّ إلى الخلف وناهبي المال العامّ.
والثابت أنّنا إزاء مشهد إعلامي تونسي غير مهني، مازال مسكونا بهواجس الدولة الشمولية، ومحكوما بهيمنة بارونات المال والأعمال الذين لم يستوعبوا بعد أنّ البلاد شهدت ثورة، وأنّ منظمات المجتمع المدني غير معنيّة بتزكية السلطة، ولا بتزويق الواقع، أو تلميع شخص ما أو طرف ما، بل معنيةٌ بكشف الحقيقة ومكافحة الفساد، وترسيخ أسباب الشفافية والنزاهة والعدالة، وهي مشغولةٌ في الديمقراطيات الحيّة بمراقبة أجهزة الدولة والفاعلين الاجتماعيين، وعليها المعوّل في إيصال أصوات المواطنين إلى أصحاب القرار، وتعزيز مشاركتهم في الشأن العامّ. وأحرى بالإعلام أن يدعم هذا التوجّه، لا أن يعارضه. ومن الضروري في هذا الخصوص المبادرة بإصلاح قطاع الإعلام في تونس بتقنينه وضبط مسالك تمويله، وتأهيل العاملين فيه وتطوير مهاراتهم الاتصالية، وإلزامهم باحترام أخلاقيات المهنة، وتشديد العقوبة على المخالفين، وإلّا سيظلّ هذا القطاع هشّا، رهينة أصحاب النفوذ، ومَنفذا لتضليل الرأي العام، وجسر عبور للنظام القديم.