24 مارس 2023
إسلاميو تونس.. إسلاميو مصر
محمد اليحيائي
وحدها تونس، من بين دول ما يعرف بالربيع العربي، عرفت كلمة السر للخروج من نفق حكم الاستبداد والعسكر الطويل والمظلم في العالم العربي، ولكن طريق تونس إلى الديمقراطية، ودولة المواطنة والقانون، ما يزال طويلاً ومحفوفاً بالمخاطر والمنعرجات، بعضها داخلي يتعلق بحداثة تجربة التحول، وعدم رسوخ قواعد الصراع السلمي الديمقراطي على السلطة، وبعضها خارجي يتعلق بالمحيط الإقليمي العربي، وقوى الثورة المضادة التي تعمل جاهدة على إفشال أي تجربة للتحول الديمقراطي قد تنقل العدوى إليها، إضافة إلى الوضع غير المستقر في البلدين المجاورين ليبيا والجزائر، وأيضا بسبب ضعف التزام المجتمع الدولي بدعم التحول الديمقراطي وتشجيعه في تونس والعالم العربي عموماً.
على الرغم من ذلك، يمكن القول، ببعض الحذر، إن لدى تونس من المناعة الذاتية ضد التراجع والنكوص، والقدرة على صد هجمات قوى الثورة المضادة، ما ليس لدى غيرها من الدول العربية، ما يعود إلى الخبرة التي اكتسبتها قوى الحراك المدني، ووجوه النضال الحقوقي السلمي، وإلى تجذّر ثقافة الحوار والتعايش بين مكونات المجتمع التونسي وأطيافه، على الرغم من سنوات القمع الطويلة وحكم الاستبداد التي عاشتها البلاد خلال الأربعين عاما التي سبقت تحول 2011 . ويشار هنا إلى أن المنظمة التونسية لحقوق الإنسان التي تأسست عام 1977 كانت أول منظمة تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان في أفريقيا والعالم العربي. غير أن بقاء هذه
المناعة رهن ببقاء التوازنات القائمة بين القوى السياسية المختلفة، القوية والضعيفة.
تمكّنت تونس من حماية تجربتها الوليدة في التحول الديمقراطي في السنوات الثماني الماضية، ومن رعاية مساره، على الرغم من الظروف المحيطة ومحاولات الإعاقة، بفضل ما أظهره اللاعبون الأساسيون في المشهد السياسي ما بعد الثورة، بمختلف توجهاتهم ومرجعياتهم الدينية والعلمانية، من رغبةٍ في إنجاح عملية التحوّل عبر توافق وتفاهمات على قواعد "اللعبة الديمقراطية"، ومن براغماتية وحذر سياسيين كبيرين، خصوصاً من حركة النهضة، ذات القواعدة الشعبية الواسعة، والتي اكتفت في حكومات ما بعد انتخابات 2014 بعدد محدود من الحقائب الوزارية، غير أن تحولات اللحظة الراهنة، والتي أعقبت وفاة الرئيس الباجي السبسي، وعلامات التدافع على الاستحقاقين الانتخابيين المقبلين؛ الرئاسي والبرلماني، تثير بعض القلق.
رفضت حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية استثمار قواعدها الشعبية في السيطرة على مفاصل الدولة والحكم في مرحلة ما بعد الثورة، واقتسمت السلطة مع القوى الأخرى، حتى التي لم يكن وزنها الانتخابي يؤهلها للعب أدوار كبرى، وذهبت إلى التحالف مع أحزاب وتيارات تعارضها وتختلف معها في التوجهات والمواقف، مثل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ذي التوجه اليساري، وحزبي نداء تونس وتحيا تونس من التوجه العلماني، وبذلك تجنبت الحركة الوقوع في الأخطاء التي وقعت فيها جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد ثورة 25 يناير، ولكنها، كما يبدو، قرّرت أن تتمدّد على مساحة أوسع في خريطة الصراع السياسي، خصوصا بعد قرارها ترشيح نائب رئيسها، وأحد أبرز وجوه الحراك السياسي والنضالي في تونس، عبد الفتاح مورو، إلى الانتخابات الرئاسية المزمعة الشهر المقبل (سبتمبر/ أيلول). مكانة مورو الشخصية وتاريخه النضالي إضافة إلى القواعد الشعبية للنهضة تمنحه حظوظا متقدّمة في الوصول إلى الرئاسة، وإذا ما تحقق ذلك، ومع توجه الحركة، كما رشح من مواقف
وتصريحات إلى إبقاء هيمنتها على البرلمان، ولعل عين رئيس "النهضة" راشد الغنوشي على رئاسة المؤسسة التشريعية، وفي حال ما تمكّنت الحركة من إبقاء يوسف الشاهد رئيسا للحكومة، على ما يقوم من تحالف بين حزبه "تحيا تونس" و"النهضة"، فإن نتيجة الانتخبات الرئاسية والبرلمانية المقبلة هي سيطرة "النهضة" على مفاصل السلطة الأساسية في تونس.
وفقا لأي ممارسة ديمقراطية طبيعية، يحق لأي قوى سياسية تحظى بشعبية واسعة، وتُبقي شعبيتها وخطاباتها وبرامجها الانتخابية ضمن قواعد اللعبة المتوافق عليها، يحق لها استثمار شعبيتها وتوظيفها لتحقيق مكاسب تجعلها تتسيد المشهد، وتهيمن على مفاصل الدولة والحكم، غير أن "تفاحة الديمقراطية" التونسية الطّرية المحاطة بتفاحات الاستبداد العربي الفاسدة، تتطلب أن تُبقي حركة النهضة عين الحذر مفتوحة، وأن تبقي ميزان ممارستها كما هو على قاعدة أن نجاح التجربة، وعبور تونس مسار التحول إلى الديمقراطية الناجزة، أهم وأبلغ معنىً من نجاح الحزب في الانتخابات، وأهم من الخضوع لأصوات المطالبين بتجربة حكم "ديمقراطية – إسلامية" على الطريقة التركية مثلا، وأن تتجنّب، بالتالي، تكرار خطيئة الإخوان المسلمين في مصر الذين قدّم اندفاعهم إلى السلطة بعد ثورة يناير إلى المآل الذي آلت إليه مصر وثورتها المجيدة.
هل يُبقي إسلاميو تونس تطلعاتهم في بعدها الوطني، وليس بعدها الحزبي، ويواصلون، مع القوى المدنية والعلمانية الأخرى، حماية التجربة الوليدة ورعايتها، حتى ترسخ وتكون عصية على هجمات أعداء التغيير والديمقراطية؟
تمكّنت تونس من حماية تجربتها الوليدة في التحول الديمقراطي في السنوات الثماني الماضية، ومن رعاية مساره، على الرغم من الظروف المحيطة ومحاولات الإعاقة، بفضل ما أظهره اللاعبون الأساسيون في المشهد السياسي ما بعد الثورة، بمختلف توجهاتهم ومرجعياتهم الدينية والعلمانية، من رغبةٍ في إنجاح عملية التحوّل عبر توافق وتفاهمات على قواعد "اللعبة الديمقراطية"، ومن براغماتية وحذر سياسيين كبيرين، خصوصاً من حركة النهضة، ذات القواعدة الشعبية الواسعة، والتي اكتفت في حكومات ما بعد انتخابات 2014 بعدد محدود من الحقائب الوزارية، غير أن تحولات اللحظة الراهنة، والتي أعقبت وفاة الرئيس الباجي السبسي، وعلامات التدافع على الاستحقاقين الانتخابيين المقبلين؛ الرئاسي والبرلماني، تثير بعض القلق.
رفضت حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية استثمار قواعدها الشعبية في السيطرة على مفاصل الدولة والحكم في مرحلة ما بعد الثورة، واقتسمت السلطة مع القوى الأخرى، حتى التي لم يكن وزنها الانتخابي يؤهلها للعب أدوار كبرى، وذهبت إلى التحالف مع أحزاب وتيارات تعارضها وتختلف معها في التوجهات والمواقف، مثل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ذي التوجه اليساري، وحزبي نداء تونس وتحيا تونس من التوجه العلماني، وبذلك تجنبت الحركة الوقوع في الأخطاء التي وقعت فيها جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد ثورة 25 يناير، ولكنها، كما يبدو، قرّرت أن تتمدّد على مساحة أوسع في خريطة الصراع السياسي، خصوصا بعد قرارها ترشيح نائب رئيسها، وأحد أبرز وجوه الحراك السياسي والنضالي في تونس، عبد الفتاح مورو، إلى الانتخابات الرئاسية المزمعة الشهر المقبل (سبتمبر/ أيلول). مكانة مورو الشخصية وتاريخه النضالي إضافة إلى القواعد الشعبية للنهضة تمنحه حظوظا متقدّمة في الوصول إلى الرئاسة، وإذا ما تحقق ذلك، ومع توجه الحركة، كما رشح من مواقف
وفقا لأي ممارسة ديمقراطية طبيعية، يحق لأي قوى سياسية تحظى بشعبية واسعة، وتُبقي شعبيتها وخطاباتها وبرامجها الانتخابية ضمن قواعد اللعبة المتوافق عليها، يحق لها استثمار شعبيتها وتوظيفها لتحقيق مكاسب تجعلها تتسيد المشهد، وتهيمن على مفاصل الدولة والحكم، غير أن "تفاحة الديمقراطية" التونسية الطّرية المحاطة بتفاحات الاستبداد العربي الفاسدة، تتطلب أن تُبقي حركة النهضة عين الحذر مفتوحة، وأن تبقي ميزان ممارستها كما هو على قاعدة أن نجاح التجربة، وعبور تونس مسار التحول إلى الديمقراطية الناجزة، أهم وأبلغ معنىً من نجاح الحزب في الانتخابات، وأهم من الخضوع لأصوات المطالبين بتجربة حكم "ديمقراطية – إسلامية" على الطريقة التركية مثلا، وأن تتجنّب، بالتالي، تكرار خطيئة الإخوان المسلمين في مصر الذين قدّم اندفاعهم إلى السلطة بعد ثورة يناير إلى المآل الذي آلت إليه مصر وثورتها المجيدة.
هل يُبقي إسلاميو تونس تطلعاتهم في بعدها الوطني، وليس بعدها الحزبي، ويواصلون، مع القوى المدنية والعلمانية الأخرى، حماية التجربة الوليدة ورعايتها، حتى ترسخ وتكون عصية على هجمات أعداء التغيير والديمقراطية؟
مقالات أخرى
01 سبتمبر 2019
06 اغسطس 2019
05 ديسمبر 2018