إسرائيل: ماراثون تشريعات على حساب حقوق الإنسان والديمقراطية

09 مارس 2017
تتكرّس العنصرية الإسرائيلية يومياً (عباس المومني/فرانس برس)
+ الخط -


مرّر الكنيست الإسرائيلي خلال 72 ساعة فقط قانونين من أكثر القوانين عنصرية وانتهاكاً لحقوق الإنسان، فضلاً عن مصادقته التمهيدية على قانون إضافي يمسّ مباشرة حرية العبادة، الأمر الذي يشكّل دليلاً إضافياً في سلسلة القوانين العنصرية وغير الديمقراطية التي مررها الكنيست في السنوات الأخيرة، مع نزوع واضح في العامين الأخيرين إلى عدم نفي الأهداف الحقيقية من وراء هذه القوانين، حتى مع حملها رسمياً مسميات مضللة تبدو وكأنها قوانين مدنية عادية لا تنطوي على أي مضامين أو أوامر عنصرية.

وقد أقرّ الكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة، تباعاً، قانونين من أشد القوانين خطورة على حقوق الإنسان، بفارق ساعات معدودة بينهما. وجرت المصادقة على القانون المعروف باسم "قانون عزمي بشارة"، والذي جاء لتعديل قانون المواطنة الحالية، لجهة "تمكين وزير الداخلية الإسرائيلي بسحب جنسية مواطن يحمل الجنسية الإسرائيلية، ويعيش خارج إسرائيل، للاشتباه بأنه متهم بمخالفة وارتكاب جرائم تمسّ بأمن الدولة". ومع أن القانون رسمياً اسمه "قانون المواطنة، التعديل 13"، إلا أن رئيس لجنة الداخلية البرلمانية، دافيد أمسالم، اعترف من دون أي مواربة، بأن "الهدف من هذا القانون هو تسهيل عملية سحب الجنسية عن المفكر العربي عزمي بشارة"، مدعياً أن "ذلك ليس نابعاً من خوف إسرائيل بل هو انتقام لكرامتها القومية". وجاء ذلك بادعاء الملف الأمني الذي لفقته سلطات الاحتلال لبشارة، عندما كان نائباً في البرلمان، على خلفية مواقفه القومية والوطنية المساندة لحق مقاومة الاحتلال، ومن ضمنها مساندة المقاومة اللبنانية خلال حرب 2006.

وشكّل القانون خرقاً وانتهاكاً للحقوق الأساسية للإنسان، وفي مقدمتها انتهاكه قواعد القانون الدولي التي تنصّ على أنه لا يجوز سحب الجنسية من مواطن في دولة ما وإبقاؤه من دون جنسية. كما أن نصوص القانون تتيح لدولة الاحتلال إتمام كل هذه الإجراءات، من دون الحاجة لمثول المواطن المنوي سحب جنسيته أمام المحاكم، أو حتى السماح له أو لمحاميه بالاطلاع على حقيقة التهم والأدلة أو القرائن ضده، ما يتيح للدولة أن تختلق ما تريد من أدلة وبراهين.

أما القانون الآخر الذي لا يقلّ خطورة فمتعلّق بمنح وزير الداخلية الإسرائيلي، أيضاً، صلاحية مفتوحة من دون أي قيود لمنع دخول أي مواطن أجنبي، من خارج إسرائيل، لمجرد الاشتباه بأنه "مؤيّد لحركة المقاطعة الدولية ضد إسرائيل". وبالاعتماد فقط على تصريحات سابقة له، أو كونه عمل، أو يعمل، في منظمة أجنبية تعارض الاحتلال وتعارض حركة الاستيطان وتؤيّد فرض المقاطعة على منتجات المستوطنات. ومع أن هذا الأسبوع شمل تشريعاً لقانونين بشكل تام وإطلاق تشريع قانون منع رفع الأذان عبر مكبرات الصوت، في ما يبدو وكأنه للوهلة الأولى تدهور سريع في التشريع القانوني المناهض لحقوق الإنسان، إلا أن الواقع مغاير لذلك، بل هو استمرار لهذه السيرورة التي تميز السياسية الإسرائيلية وعملية التشريع فيها في السنوات الأخيرة، بفعل تفكك بنى الأحزاب الكبرى في الوسط واليسار (كديما وحزب العمل) وتشظيها لأحزاب متوسطة الحجم. وذلك في مقابل حفاظ الليكود على كتلة برلمانية كبيرة نسبياً، مع فائض في الكتل اليمينية المتطرفة الأخرى، والتي توفر لليكود ائتلافاً حكومياً متيناً، قادراً على سنّ قوانين عنصرية بلهجة مكشوفة من دون تردد أو مواربة، خلافاً للفترة التي سادت مثلاً خلال عهد حكومتي آرييل شارون وإيهود أولمرت.



مع ذلك فإن ازدياد نفوذ كتل اليمين المتطرفة والصغيرة، وفي مقدمتها حزبا البيت اليهودي بقيادة نفتالي بينيت، وحزب يسرائيل بيتينو، وطموحها لزيادة قوتها وزيادة نفوذها، أطلق في العامين الأخيرين ديناميكية من المزايدات بين أحزاب اليمين نفسها، حول "من هو الحزب الأكثر تطرفاً والأكثر تشريعاً للقوانين المناهضة لحقوق الإنسان وحقوق العرب، والتي يمكنها أن تقيّد أكثر فأكثر نشاط جمعيات اليسار في إسرائيل".

وقاد هذا إلى ضرورة الإشارة إلى أن العامين الأخيرين شهدا في هذا السياق تشريع قانون يلزم جمعيات اليسار التي تتلقى تمويلاً أجنبياً بأن يضع نشطاؤها شارات توضح أن جمعياتهم تتلقّى تمويلاً أجنبياً. ورافقت سنّ القانون حملة تحريض واسعة في إسرائيل وصلت حد اتهام هذه الجمعيات، وفي مقدمتها جمعية "يكسرون الصمت"، والتي توثق جرائم الجنود في الأراضي المحتلة، وجمعية "بتسيلم" و"ييش دين"، بأنها "جمعيات مدسوسة تعمل ضد أمن ومصلحة إسرائيل".

لكن الوصول إلى سنّ هذه القوانين ضد جمعيات اليسار سبقته تشريعات عنصرية واضحة ضد العرب في الداخل وضد أحزابهم، أبرزها سن "قانون النكبة" الذي "يمنع المجالس والبلديات العربية من المشاركة رسمياً وبتمويل رسمي في نشاطات لإحياء ذكرى النكبة الفلسطينية". وهو قانون حظي بتأييد أحزاب من الوسط واليسار الصهيوني.



كما أن هناك قانون "منع الشمل" الذي لا يعترف بزواج فلسطينيي الداخل بفلسطينيي القدس والأراضي المحتلة، وبالتالي يحول القانون دون منح الزوج أو الزوجة المواطنة، ما يعني مطاردتهما وإبقاءهما في الأراضي المحتلة، وإجبار الزوج أو الزوجة إذا شاء الانتقال للعيش في أراضي الضفة الغربية، أو الاكتفاء بتصريح زيارة لمن هو من خارج الأراضي المحتلة عام 1967.

وهناك أيضاً "قانون العزل" الذي أقرّ الصيف الماضي، ونصّ على "جواز عزل وإقصاء نائب من الكنيست في حال تورّط بأعمال تأييد للإرهاب". وجاء هذا القانون رداً على قيام نواب التجمع الوطني بلقاء ذوي الشهداء في القدس، في سياق تأسيسه بنية قانونية وقضائية، لمنع السماح لنواب التجمع أو أي نائب عربي آخر مثلاً لا يعترف بيهودية إسرائيل، أو يصر على تأييد حق مقاومة الاحتلال، من خوض انتخابات الكنيست. وللمفارقة فإنه من المقرر أن تنعقد، اليوم الخميس، لجنة الكنيست للبت في تطبيق بنود القانون المذكور على النائب الفلسطيني باسل غطاس، في محاولة لعزله من الكنيست، إثر اتهامه بنقل هواتف خليوية لأسرى فلسطينيين خلال زيارته لهم في سجن كتسيعوت في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وإذا كانت سلة القوانين العنصرية هذه مفضوحة، فإن هناك كثيراً من "الأنظمة" والمراسيم القانونية التي يصدرها الوزير في وزارته، في إسرائيل، والتي لا تقل عنصرية أو انتهاكاً لحقوق الإنسان، مثل تلك التي أقرها الجيش ويتم بموجبها حرمان جمعيات حقوقية إسرائيلية مثل "بتسيلم" و"يكسرون الصمت" من حصتها في عدد الشباب اليهود والشابات اليهوديات، والذين يؤدون الخدمة الوطنية (بدلاً من الخدمة العسكرية) في هذه الجمعيات. وهو قرار يعني عملياً نزع الشرعية الوطنية (الإسرائيلية) عن هذه المنظمات. كذلك صدرت قرارات من وزير التعليم منعت ممثلي هاتين الجمعيتين من دخول المدارس وتقديم محاضرات فيها، فضلاً عن وجود قرارات وزارية سابقة تمنع الاعتراف بحركة شبابية يحق لها التمويل من وزارة التعليم، ما لم "تقرّ بيهودية إسرائيل أو بتأييد الخدمة العسكرية والخدمة الوطنية". وهي قرارات أصدرت في أواسط التسعينيات عن طريق البروفيسور أمنون روبنشتاين من حركة ميرتس اليسارية عندما كان وزيراً للتربية والتعليم.

ومع تراكم هذه القوانين في السنوات الأخيرة، إلا أن ذلك لا ينفي وجود سلسلة قوانين عنصرية سابقة وفي مقدمتها "قانون العودة" الإسرائيلي الذي يحرم الفلسطينيين من العودة، بينما تُمنح الجنسية الإسرائيلية وامتيازات كثيرة لكل يهودي من مختلف أنحاء العالم بمجرد هجرته إلى إسرائيل. مع ذلك فإن السمة المميزة لموجات التشريع العنصرية نابعة من أجواء الفاشية والعنصرية الزائدة في إسرائيل في الأعوام الأخيرة، وربما نابعة أيضاً مما لفت إليه غطاس، من أن "اليمين الإسرائيلي بدأ يشعر أخيراً، بأنه هو المنتصر والحاكم في إسرائيل".


المساهمون