ارتفع الدخل اليومي لعيسى عبيد، الذي يملك سيارة أجرة في العاصمة العراقية بغداد، إلى ما يقارب الضعف خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بالقياس مع ما كان يتحصل عليه قبل عام، حيث عادت السيولة إلى شوارع بغداد بعد إزالة آلاف الحواجز والجدران الإسمنتية التي قطعت شرايينها على مدار نحو 11 عاماً وجمدت الحياة في الكثير من القطاعات.
لم يكن العاملون في قطاع النقل- وحدهم- المستفيدين من عودة الحياة إلى شوارع بغداد، فقد دب النشاط في المتاجر والأسواق، فنشاطات كثيرة اضطرت إلى إغلاق أبوابها خلال السنوات الماضية لانحسار أعمالها، تتنفس الآن الصعداء وتأمل في انتعاش أعمالها مجددا.
وخلال الأشهر الأخيرة تم فتح أكثر من ألف شارع، ما سهل أيضا على الملايين من الأشخاص في العاصمة التي يقطنها نحو 8 ملايين نسمة، التنقل للوصول إلى أعمالهم والتبضع لتوفير احتياجات منازلهم في هذه المناطق التي يتنقل خلال شوارعها ما لا يقل عن 2.25 مليون سيارة.
يقول عبيد في حديث لـ"العربي الجديد" إن الفضل في انتعاش أعماله يعود إلى فتح الطرق المغلقة ورفع الحواجز الإسمنتية التي كانت تقطع الشوارع أو تحيط بالمباني.
وبدا التغير واضحا في بغداد، فثمة نشاط وقت الذروة عند الصباح حيث بداية الدوام الحكومي وحركة العمل، ووقت الظهيرة في الساعة الثانية، حيث ينتهي وقت العمل بهذه المؤسسات، لكن الحلول أصبحت كثيرة بالنسبة لسائقي السيارات لتجاوز الازدحامات بعد فتح عدد كبير من الطرق الفرعية.
يقول عبيد إنه لم يعد مضطراً للعمل فقط في أوقات الليل ووقت الفجر حتى طلوع الشمس، مثلما كان الحال قبل شهور، مضيفا: "إزالة الحواجز فتحت أمامي المجال للعمل في أي وقت أشاء، في حين كنت أتفادى العمل في أثناء النهار بسبب الازدحامات المرورية الناتجة من قطع الطرق بالحواجز الإسمنتية".
وكانت الحواجز الإسمنتية، حلاً لتوفير الأمن اتخذته الحكومة العراقية إبان فترة اندلاع العنف الطائفي في البلاد، خاصة في العاصمة بغداد، التي شهدت وضع أول حاجز إسمنتي في إبريل/نيسان 2007.
وتحولت بغداد منذ ذلك التاريخ إلى مدينة حواجز، ما جعل الوصول إلى مكان معين يتطلب اتخاذ طريق واحد لا أكثر، ما جعل الازدحامات سمة من سمات العاصمة.
يقول العقيد في المرور علي النداوي، لـ"العربي الجديد" إن "عدد السيارات في بغداد قارب المليونين وربع المليون سيارة، فضلاً عن السيارات القادمة من المحافظات الأخرى، مشيراً إلى أن هذا العدد كان يتسبب في ازدحامات خانقة، لكن الحال اختلف اليوم، فرغم هذا العدد الكبير من السيارات إلا أن الازدحام قل كثيراً، والسبب بالتأكيد هو رفع الحواجز".
وعلى الرغم من أن الحواجز الإسمنتية لم ترفع من شوارع بغداد بالكامل، حيث تقول وزارة الداخلية إن الإزالة التي بدأت قبل نحو 3 أشهر تتم بعد دراسة وافية للحالة الأمنية للمنطقة التي يراد رفع الحواجز من شوارعها، لكن التغيير بدا، لا سيما مع إزالة أكثر من ألف حاجز حتى الآن.
وتسببت عودة حركة المرور نتيجة رفع الحواجز، بتسهيل حركة نقل البضائع، ما خفف عبئاً كبيراً على التجار وأصحاب المهن المرتبطة بالنقل، بحسب ما يوضح خضير عبد الجبار، عضو غرفة تجارة بغداد، في حديث لـ"العربي الجديد".
يقول عبد الجبار، إن "مناطق التجارة المعروفة في بغداد، كسوقي الشورجة وجميلة، ومناطق تجارية معروفة كالكاظمية وبغداد الجديدة والكرادة، كانت حركة نقل البضائع فيها صعبة للغاية بسبب وجود الحواجز الإسمنتية".
ويوضح أن إنجاز نقل بضائع لمدة عشرة ساعات كان يتطلب ثلاثة أيام، وهذا التأخير كان يقلل من أرباح العمل، ويعتبر أيضاً عائقاً لآخرين يعملون معي، كسائقي سيارة نقل البضائع وعمال الشحن والتفريغ، إذ إن أجر عشر ساعات سيتقاضونه في 3 أيام".
وتعتبر بغداد التي يقطنها قرابة 8 ملايين نسمة أكثر مدن العراق اكتظاظاً بالسكان، وهو أحد أسباب وجود الازدحامات المرورية، بالإضافة إلى كونها المركز الإداري للبلاد.
وعمل رفع الحواجز الإسمنتية على زيادة واردات العديد من أصحاب المهن، بحسب ما تبين لـ"العربي الجديد"، إذ أكد عدد من سائقي حافلات النقل الخاص، أنهم أصبحوا يقطعون مسافة الطريق بين نقطة الانطلاق وآخر محطة من محطات سير الحافلة بوقت أقصر مما كانوا يقطعونه حين كانت الشوارع مقطعة بالحواجز الإسمنتية.
ويقول ناظم صبحي (39 عاماً): "أصبحت أقطع الطريق بين مجمع حافلات البياع (جنوب العاصمة) وصولاً إلى مجمع بغداد الجديدة (شرق العاصمة ) في نحو 20 دقيقة، بينما كان هذا الطريق يتطلب مني ساعة وأحياناً أكثر من ذلك في السابق بسبب الازدحامات"، مضيفا: "حالياً ارتفع الوارد اليومي لكوني أعمل أكثر في خلال دوامي الذي يصل إلى عشر ساعات يوميا".
رفع الحواجز أثبت أن العراقيين كانوا ينتظرون موعد فراقهم لرؤية هذه المشاهد التي تقطع شوارعهم، وأحياناً تمتد لمسافات طويلة فاصلة منطقة عن أخرى، فدخول السيارات إلى قرب الأسواق الشعبية زاد من عدد المتسوقين، وهو ما يلفت إليه الانتباه صلاح العبيدي، الذي يعمل في بيع الخضار بسوق الأعظمية (شمال بغداد).
يقول العبيدي لـ"العربي الجديد"، إن "مدينة الأعظمية كانت من بين أكثر أحياء بغداد تضرراً من جراء العنف الطائفي، ونالت نصيباً كبيراً من التخريب وتضرر سكانها كثيراً من جراء قطع شوارعها، وصار من الصعب الدخول إلى سوقها من عدة شوارع مثلما كان في السابق، وهو ما كان السبب بأن يشهد سوق الأعظمية تراجعاً كبيراً في عدد مرتاديه والمتبضعين منه لنحو 10 أعوام".
وتعتبر الأعظمية أحد أقدم أحياء بغداد، وتشتهر بكونها مركزاً تجارياً ويعتبر سوقها الشعبي من أقدم وأهم أسواق بغداد ويفد إليه المتبضعون من أحياء أخرى.
تقول سعاد فالح، وهي تملك متجراً لبيع أدوات التجميل إنها أصبحت تخرج من بيتها قبل نصف ساعة من موعد دوامها، وهو ما يشعرها براحة كبيرة، بينما كانت تعاني كثيرا قبل إزالة الجدران الإسمنتية في أثناء ذهابها إلى العمل والعودة منه، موضحة أن الطريق إلى العمل كان يصل إلى ساعتين في بعض الأوقات.
وتتابع: "أشعر الآن بارتياح كبير بعد رفع الحواجز الإسمنتية، لقد وفر هذا من وقتي بين ساعة ونصف وساعتين باليوم الواحد، كنت أقضيها في ازدحامات الشوارع، خاصة أن عملي يتطلب مني التواصل اليومي مع تجار ومروجي مواد التجميل، ما يتوجب علي التنقل بين عدة أسواق، فقطع الشوارع كان يؤثر كثيراً في نشاطي التجاري".