استمع إلى الملخص
- يتطلب تحقيق خفض الإنفاق موافقة الكونغرس المنقسم سياسيًا، مما يعوق تمرير تخفيضات كبيرة، بالإضافة إلى البيروقراطية الفيدرالية التي تعرقل تنفيذ تغييرات جذرية في هياكل الإنفاق.
- يقترح بعض الخبراء حلولًا بديلة مثل استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة الإدارية وزيادة الإيرادات، لكن هذه الوسائل محفوفة بالمخاطر، مما قد يؤدي إلى زيادة العجز الفيدرالي.
يمثل اقتراح إيلون ماسك لخفض الإنفاق الحكومي الأميركي بمقدار تريليوني دولار تحديًا اقتصاديًّا وسياسيًّا هائلًا، يعكس تعقيد النظام الفيدرالي الأميركي وحجم الإنفاق العام، وما يمكن أن تؤول إليه الأمور، عند عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ويُعد هذا الرقم هدفًا طموحًا للغاية بالنظر إلى أن إجمالي الإنفاق الحكومي في السنة المالية 2023 بلغ حوالي 6.3 تريليونات دولار، مع تخصيص غالبية هذه الأموال لبرامج لا يمكن تقليصها بسهولة، مثل الضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية، والدفاع.
ويتوزع الإنفاق الحكومي الأميركي بين التزامات إلزامية تشمل الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، والتي تمثل أكثر من 60% من الميزانية الفيدرالية، وبرامج إنفاق اختياري تشمل التعليم، والبنية التحتية، والبحث العلمي. وقد يؤدي تقليص هذه البنود بشكل كبير إلى تأثيرات اقتصادية واجتماعية غير محمودة، مثل ارتفاع معدلات البطالة، وتدهور البنية التحتية، وتراجع الاستثمار في الابتكار.
ومن ناحية أخرى، يتطلب خفض الإنفاق بمثل هذا الحجم موافقة الكونغرس، الذي يواجه انقسامات سياسية عميقة، إذ يُتوقع أن تلقى أي مقترحات لتخفيضات كبيرة في برامج اجتماعية أو إنفاق دفاعي مقاومة قوية من الحزبين. وإضافةً إلى ذلك، فقد تعوق البيروقراطية الفيدرالية تنفيذ تغييرات جذرية في هياكل الإنفاق، مما يزيد من صعوبة تحقيق هذا الهدف.
ومع ذلك، وبعد تحديه للمشككين الذين قالوا إنه لن يتمكن من بيع مليوني سيارة تسلا أو إطلاق واستعادة الصواريخ من الفضاء، يبدو أن تقليص ميزانية الحكومة الفيدرالية بمقدار تريليوني دولار سنويًّا سيكون أمرًا سهلًا، كما يتوقع جمهور ماسك المتحمس.
وجرى تكليف إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي بقيادة وزارة الكفاءة الحكومية الجديدة (DOGE)، بهدف تقليص الإنفاق الفيدرالي بمقدار تريليوني دولار. وتكمن الأزمة في أن إجمالي الإنفاق الفيدرالي السنوي الذي يتجاوز 6 تريليونات دولار، لا يتجاوز الإنفاق التقديري منها 1.7 تريليون دولار. والمشكلة الأكبر هي أن الإنفاق غير التقديري، وخاصة الفوائد على الديون، في ارتفاع متزايد، ولا يمكن لهذا الثنائي العبقري فعل أي شيء حيال ذلك.
وتقول ستيفاني بومبوي من شركة MacroMavens للأبحاث الاقتصادية في مذكرة: "الواقع هو أن التخفيضات التي يمكنهم إجراؤها ستكون أقل بكثير من تلك المطلوبة لإحداث تأثير ملحوظ على عجز المالية العامة المتزايد. أما بالنسبة لمحاولة ماسك تقليص البيروقراطية، فإن إجمالي أجور ورواتب الحكومة تبلغ حوالي 800 مليار دولار سنويًّا".
ولا يعد هذا المبلغ كافيًا لإحداث تأثيرات كبيرة، على الأقل في سوق السندات، حيث تُظهر الأرقام أن السندات ذات العوائد المنخفضة غير المسبوقة التي صدرت خلال السنوات الأخيرة تستبدل الآن بسندات ذات عوائد أعلى بنسبة 4%، وهو ما رفع تكلفة الفائدة الفيدرالية من 628 مليار دولار في 2023 إلى أقل بقليل من 900 مليار دولار في 2024، وهي تسير الآن نحو 1.2 تريليون دولار سنويًّا، بحسب بومبوي.
وتضيف بومبوي: "ما لم يجر تقليص الإنفاق على الاستحقاقات، وهو ما لا يناقشه أحد، ستظل أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، على الرغم من جهود ماسك ورئيس بنك الاحتياط الفيدرالي جيروم باول".
ماسك وتحديات الإنفاق الحكومي
وبعيدًا عن فكرة تقليص النفقات بمقدار تريليوني دولار، تُعتبر أولوية إدارة ترامب القادمة الاقتصادية هي تمديد قانون تخفيض الضرائب والوظائف (TCJA)، وهو الإجراء الرئيسي لولايته الأولى، والذي ينتهي بنهاية 2025. ويقدر أن هذا التمديد سيكلف 4 تريليونات دولار خلال العقد المقبل، أي مرتين ونصف ضعف تكلفة القانون الأصلي البالغة 1.6 تريليون دولار، وفقًا لمركز الأبحاث الشهير بيتر جي. بيترسون.
وبينما تبدو التخفيضات الضخمة غير قابلة للتحقيق، يقترح بعض المتخصصين حلولًا أخرى، إذ يُشير استراتيجيون في بنك الاستثمار الاسترالي ماكواري إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة الإدارية يمكن أن يزيد إنتاجية الحكومة الأميركية بمقدار 519 مليار دولار سنويًّا، أي 5.2 تريليونات دولار خلال 10 سنوات. كما يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في اكتشاف التهرّب الضريبي وزيادة الإيرادات، من خلال تحسين عمليات تدقيق الضرائب.
وفي الوقت نفسه، تُعتبر الرسوم الجمركية التي تتراوح بين 10% و20%، والتي يقترحها ترامب، وسيلة لجمع إيرادات تتراوح بين تريليوني و3.3 تريليونات دولار خلال 10 سنوات. ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن الرسوم الجمركية تُعد وسيلة محفوفة بالمخاطر بسبب احتمالية الانتقام من قبل الشركاء التجاريين، ما قد يؤدي إلى تراجع الإيرادات.
وفي الوقت الذي لا تزال فيه خطة ماسك وراماسوامي لتحقيق توفير سنوي بقيمة تريليوني دولار بعيدة عن الواقع، فمن المتوقع حدوث زيادات في العجز الفيدرالي، إذا تمكنت إدارة ترامب من تنفيذ وعودها الخاصة بتمديد قانون تخفيض الضرائب، وإعفاء الضمان الاجتماعي والإكراميات من الضرائب، وتقليل الضرائب على الشركات الصناعية. ويبلغ العجز الفيدرالي الأميركي حالياً 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الأكبر في العالم.
ويُشير أوليفييه بلانشارد، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، في مذكرة، إلى أن مثل هذه السياسات قد تدفع بالمستثمرين للتشكيك في وضع السندات الأميركية كأصول خالية من المخاطر، مما قد يؤدي إلى تضخم متزايد وارتفاع أسعار الفائدة. ومع ذلك، يظل هذا السيناريو محفوفًا بتفاقم الصدامات المحتملة بين سياسات البنك الفيدرالي والسياسات الحكومية.