09 سبتمبر 2024
إدلب والمأساة التي قد تطول
تتوالى فصول الإجرام الروسي والأسدي على مدينة إدلب السورية يوميا، في غياب أي جهد إقليمي أو دولي لوقف هذه المجزرة، ولحماية المدنيين والأطفال والنساء من هول القذائف والبراميل البوتينية والأسدية. بل على العكس؛ يوحي الظرف الدولي بشيءٍ من الصمت المتورّط بدعم القتلة والمجرمين عمليا، بعيداً عن العدسات الإعلامية المحلية والعالمية، صمت ممزوج بالخلافات والصراعات والتصادمات الإقليمية والدولية، الهادئة، والباحثة من كل طرف عن اللحظة الملائمة كي يقتنص الغنائم والمكاسب المغرية له. وهو ما يشكل بيئة إجرامية نموذجية، يدفع للأسف ثمنها السوريون عموما، والمقيمون داخل محافظة إدلب خصوصا، دماً بريئاً بصورة يومية.
كما يساهم انتشار بعض الظواهر السلبية، كاليأس والتشاؤم والاستكانة والعطالة، بين السوريين داخل الوطن وخارجه، عاملا رئيسيا في تحكّم القوى الخارجية بالمصير السوري، وتحويل الوطن والمواطن إلى مجرد أرقامٍ لا يكترث أحد بمصيرها ونهايتها مهما كانت وحشية، وهو ما يرجع إلى عوامل كثيرة يصعب حصرها سريعا، قد يكون أهمها تعميم ثقافة التعويل على الخارج، والتعلق بأوهام التدخل الخارجي، الأميركي تارة والتركي تارة أخرى، ما يقوّض ويحاصر إمكانيات تطوير النضال السوري ومعالجة أوجه قصوره العديدة. من دون أن نغفل ذكر بعض مظاهر النضال الشعبي الحالية، كحملة الأمعاء الخاوية، وبعض الحملات ذات الخلفية القانونية غالباً؛ والتي تهدف إلى محاسبة المجرمين في المحاكم الأوروبية عبر استصدار أوامر قضائية بحقهم تحاصرهم قانونيا وسياسيا وأخلاقيا، غير أنها حتى الآن مجرّد محاولاتٍ فردية أو نخبوية ضيقة، تفتقد الدعم الشعبي والسياسي الموازي، والذي يرتقي إلى قيمتها ومدلولاتها الحقيقية، مما يحد من قطف ثمارها السياسية، ومن البناء عليها راهناً ومستقبلاً؛ من أجل استنهاض فعل سياسي جامع يرتقي إلى حجم المأساة السورية، وإلى حجم التحديات التي يواجها السوريون داخل الوطن وخارجه.
طبعا لا يمكن رد قصور الفعل السوري إلى العوامل النفسية فقط، فالواقع الميداني الداخلي على درجة عالية من التعقيد والتشابك والمخاطر التي تحدق بالمناضلين السلميين والمدنيين إجمالا،
وتهدّد حياتهم بشكل مباشر، عبر مختلف القوى المسيطرة الطائفية والجهادية والرجعية والاستبدادية والأمنية، طبعا فضلا عن قوى الاحتلال المباشر التي تكاد تتقاسم السيطرة على مجمل الأراضي السورية، والتي تتشابه في ممارساتها القمعية والإجرامية تجاه المختلفين معها، خصوصا من الناشطين السياسيين والإعلاميين والاجتماعيين، مما يقوض محاولات شعبية كثيرة لكسر هذا الجمود النضالي. في حين يغرق آلاف المهجرين واللاجئين السوريين في أماكن إقامتهم الحالية؛ بغض النظر عن شرعيتها من عدمها؛ بحيثيات حياتهم الجديدة وتفاصيلها، وخشيتهم من تقلبات الأوضاع الداخلية، وأثر ذلك على حقوقهم وتفاصيل حياتهم اليومية، فضلاً عن تنامي مشاعر العجز وقلة الحيلة تجاه ما يحدث داخل سورية، بفعل البعد الجغرافي وافتقاد الجسم والممثل السياسي القادر على تنظيم الفعل النضالي وتشبيكه داخل الوطن وخارجه من أجل تحقيق الأهداف الوطنية والثورية التي اندلعت الثورة من أجلها في 2011. وكأنهم محاصرون داخل حلقات مغلقة تفضي جميعها إلى تقييد الفعل السوري وأسره، ما يفرغ الساحة لصالح التدخلات الخارجية، ويمد من عمر المأساة السورية، ويسمح بمواصلة المجازر والإجرام بحق السوريين، حتى تكاد تتحول إلى فعل روتيني يومي، لا سبيل للخلاص منه قريبا.
إذاً أعتقد أن وقف المأساة السورية عموما، والإجرام المستمر على إدلب اليوم، يتطلب المضي في المسار اللازم نفسه لهدم صرح الاستبداد والاحتلالين، الداخلي والخارجي، وله المنطلقات والمقومات والحاجات نفسها، وهو ما يتجسّد في استعادة الفعل الشعبي داخل الوطن وخارجه، فهل من سبيل له؟ يصعب التكهن أو حتى الحلم بذلك وفق جميع المعطيات المختصرة والسريعة المذكورة سابقا، والتي تعزّز المشاعر السلبية والضعف، ما يقوّض المبادرات الخلاقة، ويحكم عليها بالفشل قبل بدايتها حتى، والأمثلة على ذلك كثيرة، كتعاطي بعضهم سلبيا مع حملة الأمعاء الخاوية، ومع حملات ملاحقة المسؤولين عن الإجرام بحق السوريين في دول اللجوء الأوروبية، وإن لم تتمكن هذه النظرات التشاؤمية من النشطاء المنخرطين في تلك الحملات. وهو ما يقودنا إلى بعض العوامل المستمدة من الواقع ذاته؛ والمهملة إعلاميا وأحيانا سياسيا، خلف عزيمة هؤلاء الناشطين، وتجعلنا متيقنين من قدرة السوريين على استعادة حيويتهم وفاعليتهم النضالية في أمد غير بعيد.
حيث يدفع الواقع الميداني السوريين وفق المعطيات الذاتية والموضوعية الراهنة نحو الهاوية خيارا وحيدا، بقي الأسد أو رحل، توغل الاحتلال الروسي والأميركي أم لا، همشت إيران وتركيا أو زاد توغلهما معا أو إحداهما، رحلت تنظيمات داعش وجبهة النصرة وشبيهاتها من القوى الطائفية الجهادية والرجعية، السنية منها والشيعية؛ أو عادت بردائها القديم ذاته أو بشكل
واسم جديدين، فحملات القتل مستمرة يوميا عبر البراميل المتفجرة والغارات الجوية الروسية، وداخل السجون الأسدية التي تطاول العائدين من اللاجئين قسراً أو طوعا، فضلا عن المشمولين بما يسمى المصالحات، بالتوازي مع حملات الاعتقال التعسفية بحق المقيمين داخل مناطق سيطرة النظام، أضف إلى ذلك الموت البطيء لغالبية المقيمين داخل سورية نتيجة غياب أو غلاء الخدمات الصحية الأساسية؛ ومحدودية الموارد الغذائية؛ والخدمات الأساسية من التيار الكهربائي، ووسائل التدفئة، والمياه الصالحة للشرب، وجميع أساسيات الحياة الأخرى. زد على ذلك تصاعد الحملات العنصرية والسياسية الناقمة على اللاجئين السوريين، خصوصا في دول الجوار وآخرها تركيا، وكأنها رسائل فجّة تحذر السوريين من المصير الذي ينتظر أي موجات لجوء جديدة، وبالذات المقيمين في إدلب، من مجرد التفكير بالهروب من قذائف الأسد وبوتين نحو الأراضي التركية، ممزوجة مع تلميحاتٍ إلى ما سوف ينتظر اللاجئين داخل هذه الدول قريبا من حصار وتضييق وخنق يدفعهم نحو العودة قسراً إلى سورية.
واضحٌ أن مستقبل السوريين داخل بلدهم وخارجه ينذر بالسوء، وربما بأوضاع أشد خطراً من حاضرهم، وإن كان مصير المقيمين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام هو الأفدح والأصعب، كما نفدت جميع الحجج والذرائع التي تلتمس الأعذار لتأخر المدد الخارجي الدولي والإقليمي، الإسلامي والإنساني، حتى أيقن السوريون، أو جزء كبير منهم، بأنها مجرّد شعارات إعلامية لا موضع لها على أرض الواقع، ما يوحي بأن مرحلة التعويل والانتظار والتعلق بالأوهام آفلة من دون رجعة، لصالح مرحلة النضال والعمل المشترك واليومي والمتحرّر من قيود الداعمين وهيمنتهم ومصالحهم الخاصة المتعارضة حتما مع مصالح غالبية السوريين.
طبعا لا يمكن رد قصور الفعل السوري إلى العوامل النفسية فقط، فالواقع الميداني الداخلي على درجة عالية من التعقيد والتشابك والمخاطر التي تحدق بالمناضلين السلميين والمدنيين إجمالا،
إذاً أعتقد أن وقف المأساة السورية عموما، والإجرام المستمر على إدلب اليوم، يتطلب المضي في المسار اللازم نفسه لهدم صرح الاستبداد والاحتلالين، الداخلي والخارجي، وله المنطلقات والمقومات والحاجات نفسها، وهو ما يتجسّد في استعادة الفعل الشعبي داخل الوطن وخارجه، فهل من سبيل له؟ يصعب التكهن أو حتى الحلم بذلك وفق جميع المعطيات المختصرة والسريعة المذكورة سابقا، والتي تعزّز المشاعر السلبية والضعف، ما يقوّض المبادرات الخلاقة، ويحكم عليها بالفشل قبل بدايتها حتى، والأمثلة على ذلك كثيرة، كتعاطي بعضهم سلبيا مع حملة الأمعاء الخاوية، ومع حملات ملاحقة المسؤولين عن الإجرام بحق السوريين في دول اللجوء الأوروبية، وإن لم تتمكن هذه النظرات التشاؤمية من النشطاء المنخرطين في تلك الحملات. وهو ما يقودنا إلى بعض العوامل المستمدة من الواقع ذاته؛ والمهملة إعلاميا وأحيانا سياسيا، خلف عزيمة هؤلاء الناشطين، وتجعلنا متيقنين من قدرة السوريين على استعادة حيويتهم وفاعليتهم النضالية في أمد غير بعيد.
حيث يدفع الواقع الميداني السوريين وفق المعطيات الذاتية والموضوعية الراهنة نحو الهاوية خيارا وحيدا، بقي الأسد أو رحل، توغل الاحتلال الروسي والأميركي أم لا، همشت إيران وتركيا أو زاد توغلهما معا أو إحداهما، رحلت تنظيمات داعش وجبهة النصرة وشبيهاتها من القوى الطائفية الجهادية والرجعية، السنية منها والشيعية؛ أو عادت بردائها القديم ذاته أو بشكل
واضحٌ أن مستقبل السوريين داخل بلدهم وخارجه ينذر بالسوء، وربما بأوضاع أشد خطراً من حاضرهم، وإن كان مصير المقيمين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام هو الأفدح والأصعب، كما نفدت جميع الحجج والذرائع التي تلتمس الأعذار لتأخر المدد الخارجي الدولي والإقليمي، الإسلامي والإنساني، حتى أيقن السوريون، أو جزء كبير منهم، بأنها مجرّد شعارات إعلامية لا موضع لها على أرض الواقع، ما يوحي بأن مرحلة التعويل والانتظار والتعلق بالأوهام آفلة من دون رجعة، لصالح مرحلة النضال والعمل المشترك واليومي والمتحرّر من قيود الداعمين وهيمنتهم ومصالحهم الخاصة المتعارضة حتما مع مصالح غالبية السوريين.