أولئك الذين يفكّر بهم

04 أكتوبر 2016
(الشاعر)
+ الخط -
"لكنَّ قلبي ليس مغلقاَ وفي جوفي أبكي ما يسقط من مطر في الخارج"

خوان رامون خيمينيس

عمَّال البناء

غالباً ما يقارن النّاس بين أعمالهم
والأعمال الخفيفة
كحافظ الأرشيف
ورئيس الخدم

تستسلم عضلاتهم
للإزميل وأدوات البناء
بعشق الكاتب لقلمه
الرسام لقماشه
ربما فقط الخبَّاز
يحسب مقادير
العجينة

لا أحد مثلهم
يمنح نفسه كاملاً
لكنَّهم ينكسرون
منفجرة أوردتهم
متزاحمة الفتوق في أجسادهم

ثم ينتهون في الأعمال البسيطة
كطبع الأختام
على مضض


الأعمال المفقودة

أغلقت الورشة
التي كانت تُصلح ألعاب العرائس
كانت تغيّر شعرهن المستعار
تركّب أضوية على الرموش
طلاء على الوجنات
السيدة
أنهت ترتيب أطفال يسوع
وإلباس جميع القديسين

ما فائدة وجودٍ
لا يعتبر
أن المرء على ما يرام بما عليه
وأنه ليس بالأمر السيّئ أن يكون
المرء
عامل تلغراف
عاطلاً عن العمل؟


كاتب إداريٌّ

يتعرَّف في الأوراق
إلى حيوات الناس
يعرف تخصّصاتهم
ديونهم وعقود طلاقهم

أحياناً 
عائدا إلى بيته
يفكِّر
بسجلٍّ ما
يتحدّى القدر
شخص كهذا
لديه ما يسنده
شهادات
لغات
خبرة

مع هذا

في اليوم التالي
يراجع المحفوظات
لو ثمة وثائق ناقصة
يطلب تسليمها
يحظى بكره
أولئك الذين
يفكّر بهم


المُشرف

رفعوا درجته الوظيفيَّة دون رغبة منه
عليه الآن أن يراقب أصدقاءه
يصعب عليه كتابة التقارير
وإجراء المكالمات التحذيرية

لا يعرف بعد
كيف يحافظ على هذه الصداقة
وأن يقنع زملاءه
أنَّه لا يأخذ المنصب على محمل الجد
يبدؤون بكرهه بالتدريج
يعتقدون أنَّه حقّاُ مشرفٌ كبير
وأنَّه المسؤول
عن تحسين العمل

بعد عدَّة سنوات
يتذكَّر
أنَّه كان يحاول إقناع نفسه
ألا يأخذ عمله
على محمل الجد


الإسكافي

منزعجون
من غيابه
ترك تصليح الأحذية
لإصلاح جلد
الحقائب والسترات والمحافظ

انتبهوا
إنّها "العولمة"


حافظ الأرشيف

بعد خمس سنوات
تموت الوثائق
تذهب للقمامة
وفي هذه الأثناء
يرتِّب حافظ الأرشيف الأضابير حسب الموضوعات
يدمغ االمصنَّفات بشغف
ينفض الغبار بحذر عن علم الآثار
يعرف الأسرار المحفوظة
وأهمية ترتيبها على التوالي
يتحمل وخز الدبابيس كأنّه عالم طبيعة

يفصل يقسِّم يبوِّب
أمين محفوظات
باب ذا مصرعين
دمغة

بعد ذلك
كل شيء يذهب للخراء


السَّاعي

يوظفونه لأعمال روتينية
يقوم بها أيّاً كان
يدا أيّ شخص
تنجز تلك المهمَّات

يتعايش مع طبيعة عمله
دفع فواتير البنك
اصطحاب الأطفال للحديقة
احضار الحليب في أوقات الطوارئ

-انزل بسرعة!
-لا تنس!

لكنه نسي
لم تحتمل ذاكرته
إلا مقادير معينة
من المأموريات

فيغادر
بحثاً عن وظيفة ساعي
من جديد

يدرك أنه أصبح
مرناً جداً
ولا يتذكر
أنَّه اعترض يوماً

أتراها روح مهنته؟
أسرع، انزل، اصعد
لا تنس!

نحن من ننساه.


صانع الفحم

ذو شخصية درامية
تبدأ من ضحكته
حين يسودُّ وجهه
ويبدو فمه التهريجي
بلون الأحمر القاتم

ذو شخصية درامية
تنتهي بمأساة
حين
تنزلق حبّات العرق من وجهه
كأنما هي بكاءٌ مشفَّرٌ
لضيق التنفس
الذي ينتظره


أصحاب العمل اللئيمون

فقط يستحقّون العرض
في عناوين القصائد
أبدا لن يكون لهم
أي بيت شعر


* Miguel Maldonado شاعر مكسيكي من مواليد مدينة بويبلا عام 1976. من أعماله الشعرية: "قصائد السِّحر الحالي"، "الجسد الخاص"، "القلعة"، "الوظائف الجيّدة"، "توقيف"، "420 ضربة".

** ترجمة عن الإسبانية غدير أبو سنينة

 

المساهمون