أميرة اليحياوي.. عندما يراقب الشباب مؤسسات الدولة

04 يونيو 2015
أميرة اليحياوي مؤسسة منظمة البوصلة
+ الخط -
إلى ماض قريب قبل الثورة، لم يكن أحد يظن في تونس أن فكرة مساءلة ومراقبة عمل مؤسسات الدولة ممكنة. أما الحديث عن الشفافية والحق في النفاذ إلى المعلومة فكان ضربا من ضروب الخيال.

لكن أميرة اليحياوي، آمنت بالتغيير مع بوادر الثورة وأسست "البوصلة" وهي منظمة حقوقية يقول أعضاؤها إنها تسعى إلى وضع المواطن التونسي في صلب العمل السياسي، وتصبو لترسيخ قيمة المساءلة في الواقع التونسي.

ابنة الثلاثين عاما والتي اختارتها "أريبيان بزنس" ضمن أقوى 100 امرأة عربية سنة 2013، كانت عبر منظمتها عين المواطن التونسي في مجلس النواب، نقلت كل تفاصيل عمل المجلس الوطني التأسيسي وإعداد دستور يناير 2014، وهي تواصل الآن رصد كل ما يدور في مجلس نواب الشعب.

"جيل العربي الجديد" التقى أميرة اليحياوي، المدونة والناشطة الحقوقية ورئيسة منظمة "البوصلة" وحاورها حول أهم مشاريع "البوصلة": "مرصد مجلس"، وجديدها "مرصد بلدية".

كيف تُعرفين نشاطك قبل الثورة التونسية وبعدها؟

أنا مدوّنة وأنشط ضد تقييد حرية الإنترنت في تونس وفي مجال حرية التعبير بالأساس. أما بعد الثورة فأسست منظمة "البوصلة" وانطلقت في البداية كمنظمة رقابة ومحاسبة لعمل المجلس الوطني التأسيسي ولجانه عن طريق مشروعها "مرصد مجلس".

كيف راودتك فكرة تأسيس "البوصلة"، وبخاصة المشروع الذي انطلقتم من خلاله "مرصد مجلس"؟


انطلقت من فكرة أعتبرها أساس الديمقراطية وهي أن كل سلطة منتخبة أو معينة من الضروري مراقبتها. وكان السؤال الذي يراودني، من سيراقب 217 نائبا قام الشعب التونسي بانتخابهم في تشرين الأول سنة 2011؟ وهل يكفي أن نقوم بانتخابات دون مراقبة أو مساءلة فيما بعد؟ انطلقت في المشروع بمفردي وتدريجيا صرنا فريقا متكاملا مكوّنا من 20 شابا وشابة تونسية لم يتجاوزوا سن الثلاثين. ما يهمني كان أن يعرف التونسي البسيط ما يحدث داخل المجلس، القوانين التي تناقش، تفاصيل الجلسات واجتماعات اللجان، مواقف الكتل المختلفة، غيابات النواب وكل شيء. كما كان يهمني أن يعرف النائب أنه ليس أرفع مكانة من المواطن العادي وأن مراقبة عمله ممكنة. هكذا تأسست البوصلة مع بداية نشاط المجلس الوطني التأسيسي وانطلقنا في العمل منذ الجلسة الأولى.

قوبلت "البوصلة" خلال بداية نشاطها بمعارضة شديدة من قبل النواب، كيف استطعتم مواصلة العمل؟

في البداية لم يتقبلنا أحد. طرحت عليّ عديد الأسئلة، "من تكونين لمراقبة عملنا؟ انتخبنا التونسيون وفي مدتنا الانتخابية لا يحق لأحد متابعتنا". حاولوا منعي من دخول مجلس النواب وتعرضت لمضايقات عديدة بخاصة عندما تعلق الأمر بنشر نسب حضور كل نائب ولم يتفهموا ما نطالب به من شفافية وحق في النفاذ إلى المعلومات التي تهم المواطن التونسي. لكن تدريجيا تفهموا حقنا كمواطنين وكمجتمع مدني فعّال في مراقبة عمل المجلس ونقله للشعب عبر موقعنا. حاولت مطوّلا توضيح فكرة أننا لسنا سلطة مضادة بل بالعكس، نحن نساعد النواب في تعريف الشعب بما يقومون به ونحن أول من يطبق الشفافية في عملنا، وننشر على موقعنا المؤسسات التي تمولنا وتقريرا مدققا لبياناتنا المالية كل سنة.

هل علاقتكم جيدة مع مجلس نواب الشعب المنتخب في 26 من تشرين الأول 2014؟

في البداية لم تكن جيدة. وجّه رئيس المجلس محمد الناصر لوما لمنظمة "البوصلة" واعتبر أنها تسيء لصورة المجلس، وانطلق الإشكال إثر نشرنا كالعادة نسب حضور النواب خلال الفترة الأخيرة. كما أننا ننشر تقريرا شهريا إجماليا عن تقدم أعمال المجلس. ردنا كان عبر رسالة مفتوحة وجهتها بدوري للرئيس وأوضحت أننا كنا نتوقع أن يتخذ التدابير الضرورية ضد النواب المتغيبين، وأن يدعو للتسريع من نسق العمل لا أن يلوم "البوصلة" ويشكك في عملها.


هل تجدون صعوبات على مستوى عملكم في مجلس النواب؟

تحسن الوضع الآن وقابلنا رئيس المجلس واعترف بأهمية ما نقوم به. نحاول تجاوز أي نقائص في عملنا وأكثر الصعوبات التي تواجهنا الآن هي كون مداولات المجلس الوطني التأسيسي لم تنشر بعد. تم تسجيل كل المداولات ونحن نعتبرها التاريخ الحقيقي لتونس لكنها لم تنشر بعد وسنسعى لنشرها بالتعاون مع المجلس الحالي.

تقدمون عبر موقعكم الإلكتروني معلومات عديدة عن نشاط المجلس، هل تصلكم أصداء من المواطنين؟

أتذكر أننا كلما كشفنا نسب حضور النواب في الجلسات العامة واللجان، قام التونسيون بحملات للمطالبة بتجنب الغيابات وتسريع وتطوير عمل المجلس، كما كان الشارع التونسي يتفاعل وهذا يشعرنا أن هناك متابعة لعملنا. عندما شتمني النائب بالمجلس الوطني التأسيسي الطاهر هميلة وطالب بإيقاف عمل "البوصلة"، ولم أستطع الرد لأنه لا يحق لي التدخل خلال الجلسات العامة في المقابل، وبعد استضافتي في الإعلام كانت ردة فعل الشارع التونسي رائعة وشجعني على مواصلة ما أقوم به.

في الحقيقة، الإعلام هو أكبر شريك بالنسبة لنا وهو يعتمد على عملنا ويثق به وينشره وهكذا استطعنا إيصال الكم الهائل من المعلومات عن عمل المجلس إلى المواطن، كما أننا أكثر الجمعيات التونسية متابعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

هل تدعمون فكرة إنشاء قناة برلمانية تنقل كل مداولات المجلس مباشرة وتفاصيل أخرى من كواليسه؟

الفكرة جيدة وهي متداولة منذ سنوات في أروقة المجلس لكنها تواجه إشكاليات مالية أساسا. لا يتوفر للنائب التونسي اليوم مساعد أو مكتب يشتغل فيه، لذلك أظن أن موضوع القناة البرلمانية مستبعد الآن لكننا سنبقى داعمين للفكرة لأهميتها.

هل تصلك أصداء عن عمل "البوصلة" خارج تونس؟

من أهدافي أن تكون "البوصلة" قدوة ومثالا بالنسبة لبقية الدول العربية. يهمني أيضا أن أقول للعالم إن الديمقراطية تتماشى مع حياة المسلمين والعرب، ولا يكون ذلك مجرد شعارات بل عملا حقيقيا.

عديدة هي القيم التي نقلتها تجربة البوصلة عن تونس إلى كل العالم، من بينها أننا كتونسيين ورغم حجم الاختلافات الواسعة بيننا والتي اتضحت في بداية عمل المجلس فإن النواب استطاعوا التوافق حول مبادئ عالمية لا خلاف حولها ومواصلة العمل.

إضافة إلى مواصلتكم العمل على مشروع "مرصد مجلس" ومراقبة كل ما يدور في مجلس نواب الشعب، انطلقتم منذ فترة في تجربة جديدة وهي "مرصد بلدية"، فيما يتمثل هذا المشروع؟

أعتقد أن مشروع "مرصد بلدية" هو أهم مشاريعنا خلال هذه الفترة. انطلقنا في العمل على "مرصد بلدية" منذ يناير 2014 ومن أهدافه النفاذ إلى معلومات عن الـ 264 بلدية الموجودة في تونس. هذه المعلومات ستمكننا من فهم واقع البلديات وإشكالياتها ونحن على أبواب انتخابات بلدية في تونس خلال السنة القادمة.

انطلق فريقنا بإشراف شيماء بوهلال في العمل على تجميع المعلومات من مختلف البلديات ونشرها بشكل جذاب وسهل الفهم على موقعنا، ومن المعلومات الموفرة مثلا ميزانية البلدية، كيفية صرفها، المشاريع التنموية وسير تقدمها، محاضر الجلسات البلدية، الأملاك البلدية الخاصة والعامة وغيرها من المعلومات.

اعتمدنا نفس طريقة العمل مع 151 بلدية وهدفنا أن نوفق في إتمام 264 بلدية قبل موفى هذه السنة وطبعا قبل الانتخابات البلدية. وجدنا تعاونا مع عدد كبير من البلديات لكننا رفعنا قضايا في حق 4 بلديات إلى حد الآن، لأنها لم توفر لنا المعلومات التي طلبناها. هكذا سيكون للمواطن فكرة واضحة عن وضعية بلديته قبل الانتخابات والمقارنة فيما بعد، ولم نكتف بذلك بل سنقوم بتشريك المواطن ليكون هو راصد بلديته وقد فتحنا التسجيل وإلى حد الآن لدينا تقريبا 1200 متطوع من مختلف البلديات في التراب التونسي.

وأخيرا نسهر هذه الأيام على صياغة مشروع قانون أساسي للجماعات المحلية سنقوم بتقديمه للنقاش في مجلس نواب الشعب، إضافة إلى النسخة التي ستقترحها وزارة الداخلية، مشروع القانون المقترح سيحاول أن يعكس اللامركزية التي نص عليها الدستور التونسي ويترجمها على أرض الواقع. نؤمن بأهمية هذا القانون لمستقبل تونس وهو أحد أهم أسباب تأخير الانتخابات البلدية في تونس. مرصد بلدية لن يقتصر إذا على توفير المعلومات والمراقبة بل سيسعى أيضا لإصلاح القانون في علاقة بالبلديات، وسيقوم بإشراك المواطن في فعل الرصد والمتابعة.

ينص الفصل 32 من الدستور التونسي أن الدولة تضمن الحق في النفاذ إلى المعلومة وهذا جوهر عملكم في "البوصلة"، حسب متابعتكم هل انتشرت هذه الثقافة لدى المواطن التونسي؟

بعد المصادقة على الدستور الجديد في يناير 2014، صار الحق في النفاذ إلى المعلومة حقا دستوريا ولكن لن تنتشر هذه الثقافة إلا إذا حرص الشعب على تطبيقها، لكن المواطن في أحيان كثيرة لا يطالب بحقه وأسباب ذلك متعددة وأهمها الخوف الذي ما يزال يكبل التونسي.

(تونس)
المساهمون