بعد أشهر من انعدام الأمن السياسي، ولدت في ألمانيا حكومة جديدة، كولاية رابعة للمستشارة أنجيلا ميركل في 14 مارس/آذار الماضي، ومع ذلك وبعد 100 يوم أصبحت اختلافات الشركاء في الائتلاف الحاكم كبيرة وواضحة، خصوصاً فيما يتعلق بقضية اللاجئين. هذا الواقع يهدد بنسف ائتلاف "غروكو" مع انقلاب الحليف الأصغر في الاتحاد المسيحي والشريك في الائتلاف الحاكم الحزب الاجتماعي المسيحي على مواقفه، في مهمة يبدو أنها تهدف لتحقيق المزيد من العصبية الشعبوية قبل انتخابات إقليمية يخوضها في عرينه ولاية بافاريا الخريف المقبل. ولم يعد من الواضح ما إذا الجانبان لا يزالان قادرين ومستعدين للتعاون بشكل بنّاء داخل الحكومة، بعد ظهور مؤشرات تفيد بأن الاتحاد قد يفكك نفسه من خلال قول زعيم الحزب هورست زيهوفر: "لم أعد أستطيع العمل مع هذه السيدة".
واقع الحال كشف أن الحليف الأصغر في الاتحاد المسيحي، آثر تظهير ذلك أمام الإعلام واللعب على التناقضات وركوب موجة الشعبوية التي خدمت الحزب اليميني "البديل من أجل ألمانيا"، وأوصلته خلال العامين الماضيين إلى أغلبية البرلمانات المحلية ومن ثم البوندستاغ (البرلمان). ويتحضر الحزب المتطرف حالياً لدخول برلمان ولاية بافاريا، لمقارعة الحزب الاجتماعي المسيحي، الذي يحاول المقاومة لعدم فقدان الأغلبية المطلقة. مع العلم أن معهد "أنسا" لاستطلاعات الرأي أعطى أخيراً الحزب اليميني 14 في المائة وحلّ ثانياً أمام الاشتراكي (13 في المائة) والخضر فيما حصل الاجتماعي على 41 في المائة.
وسبق لزيهوفر أن هاجم على نطاق واسع الإسلام وأنه "لا ينتمي إلى ألمانيا"، مسايراً رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، في سياسته الصارمة تجاه اللاجئين، وجلب المتاعب للمستشارة خلال مفاوضات الائتلاف عبر إصراره على تحديد سقف أعلى للأعداد الذين يُسمح باستقبالهم سنوياً من اللاجئين، مستفيداً من حلول "البديل لأجل ألمانيا" ثانياً، وحصوله على ثاني أكبر كتلة في البوندستاغ بعد خسارة الحزبين التقليديين لعدد غير قليل من نوابهما في انتخابات خريف عام 2017، فضلاً عن نيته رفض اللاجئين الذين تم تسجيلهم بالفعل كطالبي لجوء في دولة أخرى من دول الاتحاد الأوروبي عند الحدود الألمانية.
ودخول الاجتماعي المسيحي بزعامة زيهوفر في سياسة المحرّمات، من خلال العمل بالديمقراطية المناهضة لليبرالية كالتي يعتمدها أوربان لا تحمي الفرد، وتقوم على تعرية الديمقراطية من شروطها الأساسية، وهي التنافس العادل بين الأفكار والأحزاب الذي تضمنه المؤسسات المستقلة والإعلام الحر. فقد انغمس الحزب الاجتماعي ومسؤولوه، في بعض الأحيان باللعب على معاداة السامية والانقلاب على المؤسسات الديمقراطية وممثليها والسعي للاحتكار وإلغاء التعددية، في مؤشر إلى أن الاجتماعي المسيحي قرّب عهد ميركل من نهايته بعد أن استفاد من أرضية مشتركة بحكم تفاعل المسؤولين في النمسا وإيطاليا معه.
الأحزاب الأخرى، وعلى رأسها الاشتراكي الديمقراطي، بدت بدورها واعية لقرب نهاية الائتلاف الحاكم، وبدأت تحضيراتها لانتخابات مبكرة، وفق ما أشارت إليه "دي فيلت" أخيراً. الأمر الذي لم ينفه قياديون حزبيون في عدد من الولايات، انطلاقاً من النزاع الشرس بين ميركل وزيهوفر.
التحذيرات من تفكك الاتحاد المسيحي توالت عبر تصريحات للعديد من المسؤولين، بينهم رئيس وزراء ولاية شمال الراين فستفاليا، المنتمي إلى حزب ميركل، أرمين لاشيت، الذي اعتبر أن من شأن ذلك أن يكون له تأثير على استقرار الديمقراطية في ألمانيا ككل، وفق ما أدلى به لوسائل إعلام ألمانية.
بدوره، نبّه الحزب الاشتراكي الديمقراطي من "تهديد الخلاف بين شريكي الاتحاد المسيحي بنسف الاتئلاف الحاكم". وأمام البوندستاغ دعت زعيمة الحزب أندريا ناليس، قادة الاتحاد لـ"الارتقاء إلى مستوى مسؤولياتهم الوطنية والدولية قبل فوات الأوان"، ومبرزة أنه "لم يتغير شيء في ظروف سياسة اللاجئين منذ توقيع اتفاق الائتلاف بعد أن كانت هناك اتفاقات لضمان السيطرة والتحكم". وشدّدت على أن "ألمانيا بحاجة لحكومة اتحادية مستقرة موالية لأوروبا".
وفي أسبوع الحسم أتت مقترحات جديدة لحل أزمة الحكومة ونزع فتيل الأزمة السياسة، بينها ما تحدثت عنه الأمينة العامة للمسيحي الديمقراطي وإمكانية خلق ميثاق للسيطرة على النظام والهجرة. كما ناشدت النقابات الاقتصادية الجميع بالعودة إلى الاعتدال في المواقف وعدم التفرد في القرارات، والسعي مجدداً وبالتعاون مع ميركل لخلق تضامن ومسؤولية أوروبية موحدة تجاه الأزمات، لأن نزاع اللجوء تفصيل من ضمن جملة من الملفات التي تؤرق ألمانيا وأوروبا، ولا يمكن أن يتوقف مصير الائتلاف الكبير على قضايا صغيرة والمطلوب تقديم تنازلات تخدم الصالح العام.
تجدر الإشارة إلى أن دراسة لمعهد "فورسا" أُجريت أخيراً لصالح مجلة "دير شبيغل"، بيّنت أن البارفاريين غير راضين عن سياسة رئيس وزرائهم ماركوس سودر ومن أن سياسة ميركل أفضل بكثير وتخدم التضامن الأوروبي. من جهتها، كشفت وزارة الاقتصاد في رد على طلب إحاطة لحزب الخضر، عن أن "إعادة الرقابة على الحدود مع النمسا سيكون لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد، وسيتأثر من خلالها التبادل التجاري وينتج منه تقلص حجم الناتج المحلي الإجمالي 0.09 في المائة، أي ما بين مليار وثلاثة مليارات يورو".