تسببت تصريحات وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر، المنتمي إلى الحزب الاجتماعي المسيحي، الشريك للاتحاد الديمقراطي المسيحي، حزب المستشارة أنجيلا ميركل، بقوله إن "الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا"، مقدماً كذلك اقتراحات صارمة حول لمّ شمل اللاجئين، بجدال في ألمانيا وانقسام داخل الاتحاد المسيحي. وأدى ذلك إلى استعادة الخلافات السابقة عبر التصريحات وردود المسؤولين من كلا الحزبين. وردّت ميركل على زيهوفر من تحت قبة البرلمان متهمة بعض الوزراء المحسوبين على الاتحاد بـ "التفرّد بالمواقف"، في خطوة تهدف لخلق حيثية مستقبلية لهم داخل الاتحاد.
هذه الخلافات استدعت تساؤلات حول عمق الخلافات بين الطرفين والرابط بينهما، إثر ظهور الانقسامات العامودية في معالجة الملفات. وهو ما قد يهدّد الثنائية المساهمة في إعطاء الاتحاد المسيحي والمستشارة الأكثرية في البرلمان والمحصَّنة بالتحالف مع الاشتراكي، وبالتالي تضييق هامش القيادة وإدارة الأزمات على ميركل خلال ولايتها الرابعة. مع العلم أن الهمّ الأساسي لكلا الحزبين هو محاربة الحزب اليميني الشعبوي "البديل من أجل ألمانيا"، إلا أنه بدا أن الاجتماعي المسيحي أراد هذه المرة خوض معركة الانتخابات البرلمانية الإقليمية المقررة خلال أكتوبر/ تشرين الأول المقبل في ولاية بافاريا، عرين الحزب، من برلين عبر وزارة الداخلية الاتحادية. والهدف هو استمالة الناخبين الذين صوّتوا في انتخابات البوندستاغ (البرلمان) لصالح "البديل من أجل ألمانيا". مع العلم أن الاجتماعي المسيحي يعاني من تفاقم المشاكل داخل صفوفه ولم يتم حلها، وكل المؤشرات توحي بأنه سيتعرض لخسارة وشيكة للأغلبية المطلقة داخل برلمان ولاية بافاريا.
وهناك خشية من استمرار الاجتماعي المسيحي في هذا المسار من دون قبول المساومة في النقاش على الأقل، حتى انتخاب برلمان جديد في بافاريا، وإذا ما استمر زيهوفر على هذا المنحى فإن تطلعّاته قد تهدّد على نحو متزايد عمل الحكومة. لكن المناقشات حول هذه الموضوعات تخدم حزب "البديل من أجل ألمانيا" لا الاتحاد المسيحي، وبات ينظر إلى هذا النزاع على أنه شخصي بين الجانبين وقد يحطم العلاقة مع ميركل. والآن يتصرف زيهوفر بطريقة مختلفة وليس كرئيس وزراء لولاية، بل كوزير داخلية اتحادي، وهو ما يعطي تصريحاته الطابع التنفيذي إلى حد ما وتلقى مساندةً من قياديّي حزبه.
وتوالت النداءات المطالبة بوضع حد للحرب الكلامية، على اعتبار أن "هناك قضايا أكثر أهمية على الائتلاف مناقشتها، منها التقاعد والرعاية الصحية، وأن مسائل الاندماج والاعتراف بالقيم هي دائماً أكثر أهمية من النقاشات حول قضية الاسلام في ألمانيا". أما بما خص المعايير الخاصة بلمّ شمل أسر اللاجئين، فقال رئيس وزراء ولاية شمال الراين فستفاليا، أرمين لاشيت، المنتمي إلى حزب ميركل في حديث صحافي: "إن التحريض على الإسلام يأتي بنتائج عكسية على الحملة الانتخابية لحزبه بولاية بافاريا، والحكم على الناس وفقاً لدينهم أمرٌ خاطئٌ"، متسائلاً "هل أنَّ الاعتمادَ على مواضيع الإثارة يُربِح الانتخابات؟". أما زميله نوربرت روتغن، فقال إن "النقاش الذي أطلقه زيهوفر بلا جدوى وبدوافع تكتيكية".
وفي ملف لمّ شمل الأسر هناك مطالبة بتدخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحكومي، قبل تصاعد الخلاف وانتهاء الائتلاف الكبير، لأن هذا الملف كان عنصراً أساسياً في اتفاق التحالف، الذي وافق فيه الأطراف على استقبال ألف شخص شهرياً اعتباراً من شهر أغسطس/آب المقبل، لأن مشروع زيهوفر المتعلق بتنظيم لمّ شمل الأسر من ذوي الحماية المحدودة تضمن تدابيرَ وشروطاً قاسية، منها "عدم استفادة اللاجئ من المعونة الاجتماعية". مع العلم أن رد الاشتراكي لم يتأخر محذّراً زيهوفر من "الابتعاد عن التسوية التي تم الاتفاق عليها عند قيام الائتلاف"، ومنتقداً "المعايير الضيقة للغاية لاختيار هؤلاء الأشخاص".
وحول أولويات الملفات الحكومية، قال ألكسندر ميتش في حديث صحافي، إنه "يجب أن يصار إلى تغيير المسار"، مبرزاً أهمية "الحاجة الماسة لبداية جديدة في المحتوى والتركيز على ثلاثة مواضيع أساسية: سياسة الهجرة والأمن الداخلي والخارجي والأعمال التجارية والمالية". ولفت ميتش بصفته رئيس "اتحاد القيم"، التحالف الذي تأسس عام 2017 والمكوّن من أعضاء الاتحاد المسيحي، ويضمّ 15 جمعية من المسيحي الديمقراطي والاجتماعي المسيحي، إلى "معارضته للهجرة غير الخاضعة للمراقبة والتي لا تزال تمارس تحت قيادة المستشارة ميركل"، ومعلناً "عدم رضاه عن اتفاق الائتلاف حول السيطرة والحد من الهجرة". وطالب بـ "التشديد الأمني مع ارتفاع نسبة الجرائم الجنائية في البلاد، لدرجة أن الحرية الشخصية لم تعد مضمونة في العديد من الأماكن"، مقترحاً "العمل على إلغاء الجنسية المزدوجة وإعادة الخدمة العسكرية، كواحدة من التدابير لضمان الأمن الداخلي والخارجي لألمانيا مرة أخرى".
وحول تفسير الخطوة التي اعتمدتها ميركل في استقطاب منتقديها من داخل حزبها إلى الحكومة الائتلافية الجديدة، ووُصفت حينها بـ"الذكية"، رأى مراقبون أنه "اتضح من خلال الممارسة وخلال الفترة القصيرة لانطلاق عمل مجلس الوزراء، أنه لا يمكن الحديث عن ولاء وإخلاص من قبل وزراء الاتحاد لمستشارتهم كما في الحكومات السابقة". ويبدو أن وزير الصحة ينس سبان، يريد أن يفرض نفسه مرشحاً محتملاً لخلافتها، تحديداً بعد قوله أخيراً لصحيفة "راينشه بوست"، إنه "إذا كان من المفترض أن الإسلام جزءٌ من ألمانيا، ويجب أن يتم وقف التمويل من الخارج ووقف نموذج الأئمة الأجانب الذين لا يتفوهون بكلمة ألمانية".