ألعاب الفيديو: كيف أصبحت مرجعيّة ثقافيّة؟

23 يناير 2017
(أسبوع الألعاب بباريس، تصوير: شينو)
+ الخط -
في 21 ديسمبر/ كانون الأوّل 2016، بدأ عَرض فيلم (أساسينز كريد Assassin’s Creed)، بطولة ماريون كوتيار ومايكل فاسبندر وجيريمي آيرونز؛ ثلاثة وجوه من أبرز أبطال ساحة السينما الحاليّة. الفيلم مقتبسٌ بشكل مباشر من سلسلة ألعاب الفيديو التي تحمل الاسم نفسه والتي حققت نجاحًا كبيرًا، وهذا يوسّع، مرةً أخرى، نطاق الحدود بين ألعاب الفيديو وعالم الفَن.

منذ سنة 1992، والمكتبة الوطنية الفرنسيّة تعمل على جَمع وتسجيل ألعاب الفيديو، وبناءً عليه، أصبحت ألعاب الفيديو جزءًا من تراثنا، تمامًا مثل الأفلام أو الكتب مثلًا، ورغم كل ذلك، لا تزال بعض الأسئلة تتناهى إلى سمعنا، هنا وهناك، حول شرعيّة مثل هذه الخطوة، وحول الشرعيّة الثقافيّة أو الفنيّة لألعاب الفيديو، وهذا بالطبع سؤالُ غريب في الوقت الذي أصبحت فيه ألعاب الفيديو مكوّنًا للمُمارسات الثقافيّة غير قابل للجدل في مجتمعنا. والآن، أكثر من أي وقت مضى، أصبحت ألعاب الفيديو أداةً ثقافية؛ الآن، أكثر من أي وقت مضى، تفرض نفسها كأداة فنيّة.

أصبحنا نشهد، في الحقيقة، وبطريقة متزايدة، قلبًا لـ الدياليكتيك بين ألعاب الفيديو والعالم الفني. بعد أن رأينا ظهور ألعاب مقتبسة من أفلام، ثم أفلام مقتبسة من ألعاب، مثل (بيكسلز Pixels)، فنحن اليوم، أمام تداخل متبادل متزايد بين ألعاب الفيديو والممارسات الثقافيّة الأخرى، بل أصبحت ألعاب الفيديو تمارس تأثيرًا كبيرًا في الأنواع الثقافيّة الأخرى، فهناك مثلًا معرض "كارت بلانش"، في قصر طوكيو بباريس والذي يدعوك إلى تبادل الحديث مع أشخاص حقيقيّين، "شخصيّات غير لاعبة"، وهو أحد أساسيّات ألعاب الفيديو؛ وهناك المسلسلات، مثل مسلسل وست (وورلدWestworld ) على (إتش بي أوHBO)، الذي يستعيد دومًا قواعد ألعاب الفيديو، سواءً في مبدأه نفسه، أو على مستوى الحوار؛ ثم هناك أيضًا الأدب مع وجود روايات بريت إيستون إيليس – حيث تعجّ رواياته بالإشارات والإحالات إلى ألعاب الفيديو؛ ثم أخيرًا هناك الموسيقى، فالألبوم الأول لـ (كافينسكي Kavinsky)، مثلًا، يحمل اسم لعبة فيديو "Outrun"؛ ثم أصبح هذا الألبوم موسيقى لعبة باسم كافينسكي نفسه.

أصبحت ألعاب الفيديو إذن منتشرة في الإبداع الفنّي المُعاصر، كما أصبحت حاضرة حضورًا طاغيًا في حياتنا اليوميّة. في الأساس، لم يعُد يُطرَح السؤال حول ما إذا كانت ألعاب الفيديو فنًا أم منتجًا ثقافيًا. وإني أشاطر المطربة جولييت القناعة والرأي عندما ترى في ألعاب الفيديو "فنًا ناشئًا"، وهو فنٌ لا يتعدى عمره الأربعين سنة، وأن حداثه سنه هذه هي السبب الرئيس الذي يدفع بعض العقول الرجعيّة إلى اعتبار ألعاب الفيديو مجرّد تسليّة وقتيّة للمراهقين. كالعادة، الجهل هنا يسود.

من جهة أخرى، فألعاب الفيديو هي الممارسة الثقافية الأولى لدى الفرنسيين أقل من 50 عامًا، وأن متوسّط عُمر لاعبي ألعاب الفيديو أصبح 34 عامًا. ومن جهة أخرى، وهذا هو الشِق الأهم بلا شك، لأن ألعاب الفيديو باتت تقترح مجموعة كبيرة متنوّعة من الأعمال، من أفلام (البلوك باسترز blockbusters) التي تحقق نجاحًا مذهلًا إلى الألعاب المستقلّة، التي عادةً ما تكون فنيّة وإبداعيّة.

هو دور أصبح أخيرًا قريبًا للغاية من عالم السينما، حيث نجد مختلف الأنواع (إثارة، كوميديا، رومانسيّة، خيال علمي أو حتى، نعم، أفلام أكشن). ليست السينما مجموعة متجانسة، بل تضم تشكيلة كبيرة، وهذا هو الحال مع ألعاب الفيديو، فأفلام البلوك باسترز الهوليووديّة التي تُعرَض كل سنة في السينما لم تَحرِم قط السينما من مكانتها بوصفها فنًا سابعًا.

لا ضير إذن من أن تكون ألعاب الفيديو شعبيّة، وحتى مُسلّيّة، وأن تُطالب مع ذلك بهويتها الفنيّة والثقافيّة؛ هذا التناقض بين التسليّة والفن، بين المُسلّي والمقدّس، يفقد معناه مع ظهور الثقافة الشعبيّة؛ هذا التعبير الذي لا يزال يُعَدّ تحقيريًّا، ولكنّه، هنا في فرنسا، يتمّ استقباله بشكل جيّد إذا ما تحدّثنا عن ثقافة (البوب Pop ) قد يقول أحدهم إن عُمر ثقافة البوب 70 عامًا في حين أن ألعاب الفيديو- الشابّة ابنة الـ 40 عامًا- لا يزال أمامها الكثير لتثبته. وهذا القول جزئيًّا لا غبار عليه. أحد أكبر التحديّات التي تواجه مجال ألعاب الفيديو هو إرساء شرعيّتها الثقافيّة، على غرار القصص المصوّرة التي نجحت في الحصول على التكريم والشُهرة.

مع صعود ثقافة البوب هذه، أصبحت الحدود بين التسليّة والثقافة عائمة أكثر فأكثر، فثقافة البوب تشمل السينما والموضة والتلفزيون والأدب والقصص المصوّرة وألعاب الفيديو. هذه الأخيرة هي في حقيقة الأمر مشروع ثقافي هجين، مختبر حقيقي حيث الابتكار في خدمة الإبداع، والجمال في خدمة لخيال، والأكشن مُختلطُ مع التفكير، والمعرفة مُختلطة مع وقت الفراغ، للغوص في مناطق عميقة.

عندما تضحك وأنت في المسرح، عندما ترتجف أثناء مشاهدة فيلم لزافييه دولان، عندما تغرق في الثورة الفرنسيّة وأنت تلعب آساسينز كريد، أنت تكون في قلب هذه الثقافة، مع التشديد على كلمة الثقافة، والتي مع ذلك تُسَلّيك. لأن، نعم، التسليّة يمكن أن تكون ثقافيّة، والثقافة تكون مُسلّيّة.



(النص الأصلي لـ  هوغ أوفرار)