أغلفة كتب الشّعر.. ثرثرة الخارج

27 نوفمبر 2016
(روثكو)
+ الخط -

البشر مخلوقات بصريّة ربّما، تحب أن ترى، أن تملأ عينها. اسم الشَّاعر، وإن كبُر حجم الخطّ المكتوب فيه قد لا يكون ملفتًا للنَّظر بالقدر الذي يودُّه أن يكون.

لا يمكن الاعتماد على الاسم فقط لينتبه الآخرون إلى مجموعة الشّاعر. وإذا كان الشِّعر يعتمد على كثافة المعنى وبساطة الكلمة، لا يمكن نسيان ذلك أثناء اختيار أو مناقشة تصميم غلاف المجموعة. لا يمكن الاقتصاد في الدَّاخل والثّرثرة في الخارج. بعد إعادة تفكير، يبدو أنّه ممكن، لأن هذا معظم ما يحصل ومعظم ما نراه. فإذًا، بطريقةٍ أخرى؛ يمكن فعل ذلك، إنَّما هذا ليس بالأمر الصَّائب بحقِّ الشِّعر، وقرَّاء الشِّعر والشَّاعر الذي يريدنا ونريد أيضًا أن نعتمد على اسمه فقط يومًا ما لاختيار مجموعته.

عالم صناعة الكتاب أصبح واسعًا جدًّا، وأبوابه كثيرة ومشرّعة على الأناقة، الجمال، الإبداع، البساطة، الحداثة وما بعدها. قبل أن نصل إلى محتوى الكتاب، سنمرُّ بلون وتصميم غلافه والخطّ المستخدم في كتابة عنوانه. كلّها عوامل تحثُّنا إمَّا على إمساك الكتاب ومن ثمَّ فتحه وملامسة ورقه وشمّ رائحته، وإن عن دون قصد، قبل أن نعرف اسم كاتبه الذي قد لا يشكِّل أي فرق في حال نال ما شدَّنا إلى الكتاب مراده مِنَّا وأعجبنا به وقرّرنا اقتناءه، وإمَّا على عدم ملاحظته.

طبعًا، دور النّشر هي المسؤولة عن تصميم الأغلفة، لكنها تشارك الكاتب بما اختاره قبل اعتماده. لن يكفي أن يكون ردك على دار نشرك: نعم جميل. أو: كلّا لا يعحبني. أبرز ما يسيء إلى الأغلفة ينتج عن اعتبار أنَّه ليس للمشتري إدراك بصري، فيتم اختيار أعمال أو تصاميم مباشِرة جدًّا أو متطابقة تمامًا مع مضمون المكتوب بدل أن تكون مكمِّلة له؛ كأن مخيِّلة المُشتري/القارئ الذي تتوجَّه إليه دار النّشر محدودة، أو أنَّه لا يتذوّق التّصاميم ذات الحسّ الفني كما يفترض بتصاميم الأغلفة أن تكون.

إذا كان بإمكان المُشتري أن يقرأ الكتاب، فلا شك أن بإمكانه أن يقيِّم غلافه، أو على الأقل فإنَّه يستحق أن نمنحه غلافًا جميلًا دون أن نشكِّك بإمكانياته في تقييمه وتذوّقه.

في حين تعتبر دور النَّشر أن الطَّلب على كتب الشِّعر متدنٍّ، ويتم طباعة ما لا يزيد عن ألف نسخة فقط؛ لأن كلفة طباعة هذا العدد أقل من كلفة عدد نسخ أقل، والتي تتراوح بين 700 و 1300 دولار يدفعها الشَّاعر؛ لأن كتب الشِّعر بحسب دور النّشر "لا تبيع"، فلا يجازفون بدفع تكلفة طباعتها. هذه الأمور وحدها كفيلة بإعطاء أهمية أكبر لجذب القرّاء من خلال الاهتمام بأغلفة كتب الشعر.

وبما أن الشَّاعر، غالبًا، هو من يدفع ثمن طبع مجموعته؛ فالأَولى ألا يتهاون في اختيار ومناقشة التَّصميم مع دار النشر إلى أن يرضى عنه.

في المقارنة بين أغلفة المجموعات الشعرية في العالم العربي وخارجه، سنجد مسافة كبيرة بين تصاميم العالَمين من ناحية اختيار اللوحات؛ علاقة التّصميم بمضمونه، الخط المستخدم وحجمه، الغرافيكس، التأليف وعناصره في تصميم الغلاف. هذه المسافة بين تصاميم العالَمين تنعكس على المسافة بين الشّاري والكتاب أو القارئ والشّاعر. المسافة بين كتابك وبين الشَّاري/القارئ يجب أن تنعدم ليصل الكتاب إلى يدي الأخير. نتساءل أيضًا، بالنسبة إلى العالم العربي: هل يقرأ مصمّم الغلاف المجموعة؟ أم يكتفي بعنوانها فقط ويجد لوحة أو صورة تنسخه وحسب؟

روح اللُّغة وحداثتها (إن وُجدت بما هي شعرٌ حقًّا)، يجب ألا تغيب عن روح العناصر البصرية التي تؤلف تصميم غلاف المجموعة. وقول الكثير في مساحة صغيرة يصبح ثرثرة وتوسُّل.

شاعر اليوم، الذي يفترض أنَّه يتوجّه أوّلًا لقارئ اليوم، لا بدَّ أن يدرك أنَّ هذا القارئ مُحاط كيفما وجَّه نظره بكافة المغريات البصريَّة والفنِّية ويريدك أن تقنعه خلال أسرع وقت ممكن بأن يحمل ثمَّ يقتني كتابك أنت تحديدًا.

إذا استمرَّ وضع الشِّعر ونشره كما هو الآن، فالشُّعراء أو دور النَّشر سيتخلُّون عن طباعة الشِّعر وسيتوجَّه حينها الشُّعراء، الذين تتكدس نسخ كتبهم التي دفعوا ثمنها كي تُطبع وتُنشر وتُوزَّع في المستودعات، إلى نشر مجموعاتهم مجّانًا كملفات PDF، وطباعة مجموعاتهم بنسخ محدودة. وقد لا يحتاجون أصلًا إلى غلاف؛ سيكتفون بالعنوان، إذ سيكون رهانهم على الشّعر فقط، والرّهان عليه دائمًا.

ربّما، سيطلب الشاعر من أيِّ مكتبة لديها طابعة محترمة مخصّصة لهذا الغرض أن يطبع كتابه، وسيقع على عاتقه وحده حينها الاهتمام بالتَّصميم، فالبدء بالتّدرب على الاهتمام أكثر بتصميم ولوحة الغلاف سيكون خطوة استباقية لأمر بات وشيكًا.

إنَّنا كائنات بصريّة. يشدُّنا الشّكل قبل أن يصل إلينا المضمون. وسيلتك لتُوصِل إلينا ما تود قوله يجب أن يمر أوّلًا بالغلاف الذي تغلِّف به قولك. مهمّة الكاتب بالتَّوازي مع دار النَّشر أن تجعلني أحصل على الكتاب الآن، وإن كان جميلًا وأنيقًا بما يكفي قد أتباهى به، وإن نجح عنوان مجموعتك بإثارة المزيد من اهتمامي، سأقرأه. المهم أولًا أن أحصل عليه.

المساهمون