في كل مرة تحين ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير يتكاثر الكلام عن حال الثورة، ومستقبلها، وما إلى ذلك، ولا بأس، فالشيء بالشيء يذكر، فهل لنا من الأمر شيء؟ اللهم نعم، نوجزه في نقاط.
أولاً: لم أقع ذات مرة على أي نجاح يذكر حققته أي دعوة من دعاوى التوحد والائتلاف، ولا أظن أن ذلك ممكناً، فقد قالوا قديمًا لا تجتمع النقائض، لذلك لست من دعاتها، وإن كانت بالقطع أي دعوة إلى الوحدة والائتلاف، هي خير من كل دعوة إلى الاقتتال والفرقة، كذلك فإننا لا نثق في كل من اتخذ الفرقة سبيلاً، أياً كان الداعي، وأياً كان المعسكر أو التيار الذي ينتمي إليه، ولو ادعى الثورة، أو الجذرية، أو هتف باسم الشهيد ودمه.
لكن غاية ما أدعو إليه، هو أن الفرقة والاقتتال درجات، فانتقوا أدناها، وأن لكم طاقات محدودة، فادخروها للعسكر وسلطته، لا لبعضكم البعض، ولا بأس أن ينفث كل منكم عن نفسه من وقت لآخر.
ثانياً: أتمنى على كل فريق يدعي أنه صاحب الحق، أن يبين لنا حقه، في وثيقة محددة النقاط، يعلن فيها ثوابته، وموقفه من كل الفرق الأخرى، وخطته العامة، مثلاً نريد أن نعرف بشكل قاطع هل حمدين صباحي هو رفيق نضال لخالد علي أم خصم، أم ماذا؟
مثل آخر: نريد أن نعرف ما الموقف الاستراتيجي الذي تتبناه القوى "الثورية" من هذا النظام، هل هو موقف جذري؟ أم موقف الإخوان المسلمين أيام الـ 88 نائباً في مجلس الشعب؟
فلا يعقل أن تدعو لمقاطعة الانتخابات البرلمانية، بدعوى عدم شرعية النظام، وغياب الضمانات التي تمنع تزويرها، وانعدام التكافؤ في الفرص، وقد كنت بالأمس القريب تدعو باسم مصلحة الثورة للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، رغم أنك لم تمتلك الضمانات التي تتحدث عنها، أو كانت فرصك متكافئة.
ثالثاً: تعجبني جداً لعبة "عليك واحد" التي يسلي بها الساسة فراغهم السياسي.
- اعتذر.
- أنا آسف.
- مش قابل اعتذارك - عليك واحد.
رابعاً: مفيش حاجة اسمها المسؤولية التاريخية، ومفيش حد بيتحملها.
خامساً: كلمة المصالحة لغة واصطلاحاً هي مشتق من نفس مادة المصلحة، لذلك إن لم تكن هناك منافع سياسية مشتركة بين جميع الأطراف، فلن يتصالحوا، ولو وجدت المنافع، فلا تقلق بشأن كل الكلام الذي قيل، والمواقف العنترية التي سجلت، ستذهب حيث يذهب ما يُشد عليه "السيفون".
سادساً: مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية جريمة في حق الإنسانية، وكل من يعترف بذلك يتناقض مع نفسه إذ يرى في علامة رابعة حرجاً، ومخبول لو طالب أنصار التيار الإسلامي بالتنازل عن هذا الشعار الإنساني، الذي يخلد لواحدة من أكبر المذابح التي عرفها العصر الحديث.
أخيراً: أنا لا أكره ذكرى الثورة، ولا أهرب منها، ولا ينتابني صرع تأنيب الضمير، تجاه من قتلوا في سبيلها، ومن سيقتلون، فلست أنا من قتلهم، كل ما ينتابني حين الذكرى هو شعور بالفخر والتعالي أنني كنت جزءًا من هذا العمل النبيل.
*مصر