في 23 يونيو/حزيران الماضي، اختفى فريق كرة قدم يضمّ 12 صبياً تتراوح أعمارهم بين 11 و16 عاماً مع مدرّبهم إيكابول شانتاونغ (25 عاماً) في كهف ثام لوانغ في ضاحية شيانغ شمال تايلاند. وخلال 10 أيام، فشلت فرق البحث في إيجادهم؛ فاتجهت أغلب التخمينات إلى فرضية موتهم. لكن في اليوم العاشر، عُثر عليهم، وبدأت عمليات الإنقاذ التي جرت، بينما مدرب فريد يحافظ على حياة فتية يحملون قصة معاناة هزموها بالكفاح.
من الاستكشاف إلى الكارثة
اختفى الشبان مع مدربهم عندما ذهبوا لاستكشاف مجمع الكهوف قرب الحدود مع ميانمار بمناسبة عيد ميلاد أحد الصبية. لكن الأمور تغيرت للأسوأ وحوصر الفتية في عمق كهف بعدما تهاطلت أمطار غزيرة سدّت كل المخارج.
زاد الطين بلة استمرار العواصف الرعدية يومي الأحد والإثنين، وطقس عاصف على مدار أسبوعين تقريباً، وجعل كل هذا الخروج مستحيلاً إلا بالغوص عبر ممرات مظلمة وضيقة لا يزيد اتساعها في بعض الأجزاء عن متر واحد فقط، وهي ظروف صعبة أمام غواصي كهوف مخضرمين، فما بالك بصبية قليلي الخبرة.
حبست الحادثة أنفاس العالم وانقسم بين متأمل بنجاتهم وفاقد للأمل، بينما وقف عند مدخل الكهف 13 غواصاً أجنبياً، وخمسة من أفراد القوات الخاصة التابعة للبحرية التايلاندية، لأداء مهمة قتلت غواصاً سابقاً في البحرية التايلاندية قبل أسبوع فقط.
وبينما الصبية عالقون من دون طعام أو دليل قاطع على إمكانيات النجاة، كان العالم يبحث وراء قصة الصغار ومدربهم.
شروط البقاء
ينتمي الصبية إلى فريق لكرة القدم من أكاديمية "مو با" وأسماؤهم هي كالآتي: مونغكول بونبيام، سونبونغ جايوونغ، بونشاي كوملوانغ، بيبات بوتي، دوانغبيتش برومتيب، عادل سامون، بانومات سانغدي، بيرابات سومبيانجاي، براجاك سوتام، نوتاوت تاكامسونغ، سانين ويبونرنغرونغ، وإيكارات وونغسكشان. أما مدربهم فهو أيكابون شانوونغ.
في سن السادسة، كان عادل سامون قد فرّ من إقليم في ميانمار المعروف بحرب العصابات وزراعة الأفيون والاتجار بمنشط الميتامفيتامين. أخذه والداه إلى تايلاند على أمل توفير تعليم لائق وحياة أفضل من تلك التي عاشتها أسرته الأمية الفقيرة.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، لعب عادل (بلا جنسية من فرع قبيلة "وا" العرقية) دوراً حاسماً في عملية الإنقاذ، وعمل كمترجم للغواصين البريطانيين، فهو يتحدث الإنكليزية والتايلاندية والبورمية والماندرين ولغة "الوا"، وكان يتحدث بأدب إلى البريطانيين وهو ينشد أهم احتياجات فريقه: الطعام والوضوح حول المدة التي عليهم أن يبقوا فيها على قيد الحياة.
وعادل أفضل طالب في فصله في المدرسة، وقد أكسبه سجله الأكاديمي وبراعته الرياضية رسوماً مجانية ووجبة غداء يومية.
وبحسب الصحيفة، ثلاثة من لاعبي كرة القدم المحاصرين، إلى جانب مدربهم، ينتمون إلى أقليات عرقية عديمة الجنسية، اعتادوا على التحرّك عبر الحدود إلى ميانمار ليوم واحد والعودة للعب كرة القدم في تايلاند في اليوم التالي.
المدرب
رغم طول عملية الإنقاذ، والوقت المرهق والمثير للأعصاب واليأس، حافظ الأطفال على حياتهم وحماسهم ورباطة جأشهم بفضل مدربهم، إيكابول شانتاونغ.
ورغم اتهام البعض له بالسلوك غير المسؤول عن طريق أخذ الأطفال إلى الكهف، يبدو واضحاً الآن أن إيكابول لعب دوراً هاماً في إبقاء الأطفال المحاصرين على قيد الحياة، بحسب موقع "بورد باندا".
والمدرب أيضاً بلا جنسية ينتمي إلى أقلية "شان" العرقية، لديه خبرة طويلة في رعاية الأطفال، فبعد وفاة والديه في ميانمار عندما كان صغيراً، عاش راهباً بوذياً في تايلاند لما يقرب من عقد من الزمان، وكانت إحدى واجباته بعد ترسيمه هي الاهتمام بالمبتدئين الصغار.
وخلال الأزمة، كان المدرب الطيب هو الأكثر تعرضاً لسوء التغذية، لأنه تنازل عن نصيبه من الطعام للأطفال، وبفضل خبرته الروحية علّم الفتيان التأمل لمساعدتهم على الحفاظ على الطاقة والحفاظ على معنوياتهم عالية حتى لحظة إنقاذهم.
وأرسل المدرب رسالة للآباء يعتذر فيها عن تسببه في تضييع الأطفال لطريقهم، وكتب آباء الصبية رسائل تدعمه، وقال والدا عادل في مذكرة للمدرب: "شكراً لك على الاهتمام بالأولاد ومساعدتهم على البقاء في أمان في الظلام".
ونجا الفتية!
بحسب وكالة "رويترز"، عثر غواصان بريطانيان على الفتية ومدربهم جائعين وجالسين في الظلام على ضفة موحلة في غرفة مغمورة جزئياً على بعد عدة كيلومترات داخل الكهف الأسبوع الماضي.
وبعد التخطيط لعدة أيام لإخراجهم، بدأت عملية إنقاذهم الأحد، وجرى إنقاذ ثمانية فتية، وخرجوا محمولين على محفات، خلال يومين، ثم تم إنقاذ أربعة الأحد وأربعة يوم الاثنين.
ويوم الثلاثاء تنفس العالم الصعداء عندما أعلنت وحدة تابعة للقوات الخاصة بالبحرية التايلاندية إخراج جميع الفتية، وكتبت على صفحتها الرسمية في فيسبوك: "خرج الاثنا عشر عضواً في الفريق ومدربهم من الكهف وهم بخير".
احتفل التايلانديون بإطلاق أبواق سياراتهم وتصوير تسجيلات الفيديو في مدينة تشيانغ راي بشمال تايلاند وخارجها، خصوصاً وأن الشعب تسمّر أمام شاشات التلفزيون والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر لمتابعة كل تفاصيل قصة إنقاذ الفتية مثل غيرهم في مختلف أرجاء العالم.