أزمة دواء غير مسبوقة في غزة

20 يوليو 2019
في أحد مختبرات غزة (محمد الحجار)
+ الخط -

أقرّت وزارة الصحة في غزة أخيراً، أنّ أزمة الدواء التي تُسجَّل اليوم هي الأشدّ حدّة مذ فرض الاحتلال الإسرائيلي حصاره الخانق على القطاع، علماً أنّها راحت تتفاقم على مدى الأعوام الماضية لتظهر أكثر منذ انطلاق مسيرات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، وتزايد أعداد المصابين الذين استهدفتهم قوات الاحتلال وتوافدهم إلى المستشفيات والعيادات الصحّية التابعة للوزارة في غزة.

يتحدّث المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة، عن "عجز بنسبة 52 في المائة في ما يتعلّق بتأمين الأدوية والمعدّات الطبية"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أنّ "هذه النسبة هي الأعلى في تاريخ وزارة الصحة منذ إنشائها عام 1994"، وموضحاً أنّه "من بين كلّ مريضَين اثنَين يتلقّى مريض واحد فقط علاجه في المستشفيات والمستوصفات الصحية في غزة". يضيف القدرة أنّ "القطاع الصحي في غزة يحتاج سنوياً إلى 40 مليون دولار أميركي للأدوية والمعدات الطبية، لكنّه لم يحصل حتى اليوم، ابتداءً من يناير/ كانون الثاني الماضي، إلا على 10 ملايين دولار"، لافتاً إلى "تفاقم الأزمة نتيجة عدم القدرة على تلبية الحاجة الطبيعية... نحن نحو انهيار في الصحة".

ويتابع القدرة أنّ "القطاع الصحي تأثّر في عامَي 2018 و2019 نتيجة قلة التمويل الخارجي الذي كان يساهم في إنقاذ المرضى، وفي إقامة منشآت تخصصية يحتاج إليها المرضى في غزة"، معيداً الأمر إلى "تغيّر بوصلة الدول المانحة إلى جانب الانقسام الفلسطيني". ويكمل أنّ "وزارة الصحة في رام الله كانت قد وعدت بإرسال أدوية بقيمة أربعة ملايين دولار إلى غزة، لكنّ ما وصل لا تتعدّى قيمته مليون دولار".

نفاد بعض الأدوية يهدّد حياة المواطنين (محمد الحجار)

من جهته، يحذّر مدير عام الإدارة العامة للصيدلة في وزارة الصحة بقطاع غزة، منبر البرش، من "الأزمة التي تشهدها مستشفيات ومستوصفات الصحة في غزة"، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّ "الأمر كان يُعَدّ كارثياً في الأعوام السابقة عندما كانت نسبة العجز تصل إلى 30 في المائة". لكنّه يوضح أنّ "سرعة في الاستجابة كانت تُسجَّل من قبل الجهات المانحة أو سلطة رام الله في تلك الأعوام، أمّا اليوم فقد نفدت أكثر من نصف الأدوية الأساسية من الوزارة". ويشير البرش إلى أنّ "أكثر من 200 طفل مريض بالتلاسيميا في غزة لا يحصلون على أدويتهم، فيما نفد الحليب العلاجي الذي يحتاج إليه أكثر من 300 طفل والذي يُعَدّ من ضمن العلاجات الطارئة التي لا تحتمل الانتظار. إلى جانب ذلك، فإنّ أكثر من 300 مريض بالفشل الكلوي لا يحصلون على أدويتهم اللازمة اليوم، والأمر مشابه بالنسبة إلى أدوية خاصة بارتفاع ضغط الدم والسكري وأخرى خاصة بالأمراض النفسية". ويؤكد البرش أنّ كل ذلك النقص "قد يتسبّب بشكل مباشر في وقوع وفيات، في حين لا تتوفّر الأدوية لكل أنواع السرطان".

ثمّة عجز لا يمكن وصفه (محمد الحجار)

ويلفت البرش كذلك إلى أنّ "حياة 350 طفلاً مصاباً بالفشل الكلوي مهدّدة في مستشفى الرنتيسي التخصصي للأطفال"، قائلاً إنّ "ثمّة أطفالاً من بين الذين هم في حاجة إلى غسل الكلى بشكل دوري يعانون من عدم توفّر نواقل للدم، وثمّة فئات لا نستطيع توفير أيّ دواء أو معدّات علاج لها، لأنّ صلاحية تلك المتوفّرة في المخازن تتراوح ما بين ثلاثة أشهر وستّة فقط".

أزمة حقيقة (محمد الحجار)

على مقربة من قسم الطوارئ في مجمّع الشفاء الطبي الذي يُعَدّ أكبر مؤسسة صحية في قطاع غزة، التقت "العربي الجديد" مازن نوري الذي يبحث في مخازن المستشفى عن علاج مسكّن وآخر مضادّ حيوي لتخفيف الالتهابات في ساق ابنه سمير البالغ من العمر 19 عاماً، والناجمة عن إصابته في خلال واحدة من مسيرات العودة قبل خمسة أشهر. ويقول نوري إنّ "حالة سمير تفاقمت بسبب شحّ الأدوية، المفترض أن توفّرها وزارة الصحة. من ثم فإنّ عدم التزام المستشفى في تزويده بالعلاج دورياً زاد الالتهابات في جسده، وأنا لا أملك ما يكفي لتغطية تكلفة العلاجات المتوفرة في الصيدليات، لأنّني عاطل عن العمل". ويخبر نوري أنّه قصد أربعة مستوصفات حكومية في أربع مناطق وكذلك تجمّع الشفاء، وهو يبحث عن العلاج المطلوب، من دون جدوى.




من جهتها، غادرت سمر أبو فضل قسم الطوارئ في مجمّع الشفاء الطبي بعد مكوثها ستّ ساعات في قسم الطوارئ، في انتظار الحصول على مسكّن لابنها أحمد البالغ من العمر 24 عاماً. هو أصيب بكسر في ذراعه اليسرى، وعلى الرغم من قيام الطاقم الطبي بجبر عظام ذراعه فإنّ الألم لم يتوقّف، وما زال يصرخ من شدّة الألم بعدما عاد إلى منزله.
المساهمون