أخطاء التفكير الخمسة.. سموم تقتل صغارك(1)

24 ديسمبر 2016
يلعب الوالدان دوراً محورياً في بناء التفكير المنطقي( Getty)
+ الخط -
تُطلق كلمة "أخطاء التفكير" أو "التفكير غير المنطقي" أو "الأفكار الأوتومتيكية" على ذلك الأسلوب غير المنطقي في التفكير، والذي ينتقل للأبناء من البيئة المحيطة بهم، وخاصة من آبائهم وأمهاتهم، فينتج عنه الكثير من الاضطرابات النفسية، بالإضافة إلى الفشل أو عدم التوازن في الحياة.


هذه الأنماط من التفكير شائعة جداً في الحقيقة، والأخطر من ذلك هو أننا لا ننتبه لوجودها رغم شيوعها، ولا نتخيل مدى خطورتها أو تأثيرها السلبي على حياتنا وحياة أبنائنا، وأننا يجب أن نتدرب على التخلص منها.


سنلقي الضوء على مجموعة منها في مقالين متتاليين، لنوضح صورها، وكيفية التخلص منها، ونبدأ بأخطاء التفكير الخمسة التالية، وهي:


أولاً: اﻟﻨﺠﺎح المطلق أو اﻟﻔﺸﻞ اﻟﺬرﻳﻊ

هذا النمط في التفكير من أكثر الأنماط انتشاراً في مجتمعاتنا عموماً، وهو ما يجعلنا - كبارا وأطفالا- فريسة سهلة للإحباط  واليأس. كثير من الزيجات –على سبيل المثال – تفشل بسبب هذا النمط في التفكير الذي يتطلع لكل الشروط في الزوج أو الزوجة، وكثير من فرص العمل تضيع لأن الباحث عن العمل يتطلع لقفزة نجاح سريعة أو ظروف عمل مثالية. والحقيقة هي أن الرحلة غالباً تكون طويلة، وأن هناك نجاحات جزئية تؤدي لنجاح أكبر، وأن هناك فشلاً نتعلم منه لننجح، وهناك خطوات صغيرة تنبني فوقها الخطوات الأكبر. وهذا يبدأ من الأب الذي يعلم ابنه كيف يتعامل مع الفشل، ومن الأم التي تصنع من النجاحات الصغيرة البسيطة انجازاً يمكن البناء عليه أو أحياناً الاكتفاء به.

ولكي يكتسب أبناؤنا هذه الطريقة في التفكير يحتاجون إلى:
-أن نثمن نجاحاتهم مهما كانت صغيرة.
-  أن نعلمهم فحص لحظات فشلهم أو انكسارهم، فنحدد "نقاط" محددة للضعف، ونشير لنقاط أخرى يمكن بناء النجاح عليها، فهذه الجملة مثلاً "أنت لم تحصل على درجة جيدة لأنك تحتاج لزيادة وقت المراجعة" أفضل من تلك الجملة "أنت فاشل في دراستك لأنك مستهتر في مذاكرتك".



ثانياًً: اﻟﺘﻌﻤﻴﻢ اﻟﺴﻠﺒﻲ 
الطفل الذي يسمع من أمه دائماً "كل الناس سيئة"، "كل شيء في الحياة مؤلم"، "كل تصرفاتك خطأ"، "كل مجهودي معك ذهب هباء" سيتعلم التعميم السلبي بلا شك، والحقيقة هي أنه كلما قل استخدامنا لكلمة "كل" كان ذلك أفضل تربوياً.. لأن كلمة "كل" تغلق الأبواب والنوافذ أمام
الضوء والأمل. على سبيل المثال: "لديك (بعض) السلوكيات تحتاج أن تتغير" أفضل كثيراً من "كل تصرفاتك خطأ"، فالأولى تفتح باباً، والثانية تغلقه!
 
ولكي يكتسب أبناؤنا هذه الطريقة في التفكير يحتاجون إلى:
- التقليل من استخدام كلمات التعميم مثل "كل"، واستبدالها بكلمات أخف مثل "بعض"، مع الانتباه لذلك في كلمات أبنائنا وكلماتنا نحن أيضاً.
-استخدام "النماذج" والأمثلة قدر المستطاع للتدليل على عدم التعميم السلبي (مثال: استخدام نماذج للخير من حولنا لإثبات عدم تعميم الشر، واستخدام نماذج من سلوكيات الطفل الطيبة للتأكيد على عدم تعميم سلوكياته الخاطئة، واستخدام نماذج للحظات السعادة ومجالات الاستمتاع للتدليل على عدم تعميم التعاسة... الخ).  



 ثالثاً: التفكير اﻟكارثي 
لا بد من توضيح أمرين هنا، الأمر الأول: هناك فرق بين الحذر وبين التفكير الكارثي، فعلى سبيل المثال: إذا وقع حادث مصعد كهربائي فكان تعليق الأم هو أن تعلم أبناءها تعليمات كيف يستعملون المصعد بشكل آمن فهذا حذر مقبول، أما اذا كان تعليقها كارثياً (وكأن كل من يستقلون المصعد يسقط بهم) فإن هذا سيزرع في الأبناء الخوف من المصاعد الكهربائية (هذا مجرد مثال للتفكير الكارثي والشعور بالمخاطر عموماً). ينشأ عنه طفل يميل للجبن والخوف واضطرابات القلق، ويميل للركود، ولا يقبل على التجارب التي تثري شخصيته.

الأمر الثاني هناك فرق بين المحاسبة وبين التفكير الكارثي، فالطفل إذا أخطأ لابد أن يدرك خطأه ويُحاسب عليه، ولكن دون إشعاره أن هذا الخطأ هو نهاية الكون، مهما كان الخطأ كبيراً لابد أن يكون هناك خط رجعة وأن يوضع الخطأ في حجمه دون تهويل، لأن التهويل يؤدي لتشوه معرفي خطير لدى الطفل.
 



رابعاً: ﻗﺮاءة أﻓﻜﺎر اﻵﺧﺮﻳﻦ ﺳﻠﺒﻴﺎً
 
الأم التي تستخدم رأي "الآخرين" دائماً كفزاعة لردع الابن، بأن تقول مثلاً "سيقولون عنك غير مهذب إذا فعلت كذا"، أو الأب الذي يقتل ثقة ابنه في نفسه أو يربطها دائماً بنظرة الآخرين له، أو الأب الذي يتحدث عن "الآخرين" دائما وكأنهم جهة قضائية تصدر أحكاماً مقدسة؛ هؤلاء يربون الإبن على أمرين:

أولاً: وضع قيمة أكبر من اللازم للآخرين، وثانياً: توقع النظرة السلبية منهم دائماً: "سيقولون عني كذا"، "سيستهزئون بي إذا فعلت كذا"، "هم يتهامسون الآن، إنهم يتحدثون عني ويسخرون مني بالتأكيد".. وهذا النمط في التفكير قد يؤدي إلى أﻧﻮاع عديدة من اﻻﺿﻄﺮاب واﻻﻧﺤﺮاف مثل اﻟﻘﻠﻖ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ أو اﻻﻧﺴﺤﺎب أو تعاطي المخدرات أو اﻟﻌﺪوان، وغير ذلك.

ولكي نحمي ابننا من هذا التفكير، هو يحتاج إلى:
-  زيادة ثقته بنفسه حتى لا يكون تركيزه الأكبر مع الآخرين.
-  ألا يبني توقعاته عن نظرة الآخرين له إلا على بينة (وليس مجرد سوء ظن أو تناقل كلام).
 


خامساً: المقارنة 
هناك نوع من الأمهات والآباء يدمنون المقارنة، ولا يدركون أنها أحد صور التفكير غير المنطقي، وأنها تربك اﻟﻮﻇﺎﺋﻒ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﻌـﻘـﻠـﻴـﺔ للطفل وتعطل نشاطه ودافعيته (عكس ما يتصور الآباء)، وتجعله فريسة للاكتئاب أو اﻟﻘﻠﻖ، فيقول دائماً "هم أفضل مني"، "لست مثلهم". والمقارنة تعتبر أحد صور التفكير اللامنطقي لأنها تلغي اعتبارات كثيرة جداً خاصة بالفروق الفردية والذكاءات المتعددة والظروف الخارجية، ولذلك فإن استخدامها لا يصيب الطفل بالاضطرابات السابقة فحسب، بل تنتقل إليه عدوى هذه الطريقة غير المنطقية في التفكير، فيطبقها في سياقات الحياة المختلفة فلا يصل للحكمة أبداً.

ولكي نحمي إبننا من هذا التفكير، هو يحتاج إلى:
-الثقة بالنفس (أيضاً كما في النقطة السابقة)، وأن يدرك أن كل شخص له بصمته وجوانب تميزه المختلفة عن الآخر.
- ان نقارن الطفل بنفسه، بما هو ممكن أن يصل إليه، وبما هو عليه الآن، وبما كان عليه في الماضي القريب، مع تشجيعه على تحقيق المزيد.

 
وأخيراً .. هذه الأخطاء الخمسة ليست مجرد ضعف في المهارات ولكنها –كما أشرنا – هي  أسلوب في التفكير وأسلوب حياة، ربما نمارسه منذ ولدنا، ونحتاج أن نغيره الآن من أجل أبنائنا ومن أجل أنفسنا، وهذه عملية شاقة وتحتاج تدريباً طويلاً. ولكن المؤكد أن التغير فيها ممكن، ولكنه فقط يحتاج منا الفحص المستمر لأفكارنا يومياً، وأولاً بأول، وتطهيرها بالتدريج من هذه السموم الخمسة.  

المساهمون