استمع إلى الملخص
- **أسباب الأزمة والحلول المقترحة:** يوضح الخبير حسين الرحيلي أن الأزمة تتفاقم بسبب ارتفاع درجات الحرارة واهتراء البنية التحتية. يقترح تنويع مصادر المياه عبر تحلية مياه البحر وإعادة تدوير المياه، وتغيير أنماط الاستهلاك.
- **جهود الحكومة والتحديات المستمرة:** رغم جهود وزارة الفلاحة لتأمين المياه وتشغيل محطة تحلية في صفاقس، تستمر معاناة سكان المناطق المهمشة بسبب ضعف الاستثمارات. أصدرت وزارة الزراعة قراراً للحد من استعمال المياه الصالحة للشرب لأغراض زراعية.
تتوالى الاحتجاجات جراء أزمة المياه في تونس بسبب تبخر مخزون السدود والانقطاع المتكرر للمياه في العديد من محافظات البلاد، فيما ينتظر المواطنون تحلية مياه البحر مع تشغيل عدد من المحطات. وخلال النصف الأول من العام الجاري، سجل ما يزيد عن 960 تبليغاً بسبب مشاكل تتعلّق بالمياه، بلغت مداها خلال شهر يونيو/ حزيران الماضي، مع تسجيل معدلات حرّ قياسية.
وتكشف بيانات المرصد التونسي للمياه أن المرصد الخاص بالتبليغات تلقى منذ بداية العام وحتى نهاية شهر يونيو الماضي 968 تبليغاً عن أزمات تتعلق بالمياه، من بينها 265 تبليغاً خلال يونيو وحده. وعلى الرغم من أن خريطة العطش تشمل العديد من المناطق الحضرية، إلا أن سكان الأرياف أكثر معاناة، ما يدفعهم إلى الاحتجاج في الشوارع وقطع الطرقات للمطالبة بحقهم في المياه.
وتعاني غالبية المناطق في البلاد لتأمين المياه الصالحة للشرب عبر شبكة الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، وهو أمر لا يشمل جدول التقنين المعلن عنه منذ شهر مارس/ آذار 2023، إذ يتواصل قطع المياه في العديد من مناطق البلاد لفترات طويلة.
ومساء الثلاثاء الماضي، أقال الرئيس التونسي قيس سعيد المدير العام للشركة أحمد صولة ومسؤولاً كبيراً فيها بسبب المشاكل المتتالية التي يشهدها قطاع المياه في تونس.
يقول الخبير في الموارد الطبيعية والمياه حسين الرحيلي إن "أزمة المياه في تونس ليست جديدة، إلا أن ارتفاع درجات الحرارة يجعل وقعها أشد على المواطنين في المناطق التي لم يعد فيها الماء متاحاً بالقدر الكافي". ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن "الانقطاعات المتكررة للمياه ترتبط بأكثر من عامل، من بينها انقطاعات ناجمة عن اهتراء البنية التحتية للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه، وتراجع نسبة مياه السدود المهددة بالتبخر مع كل موجة حرّ".
ويضيف الرحيلي أن "أمطار الشتاء المعبأة في السدود غير كافية لتوفير أمان مائي في بلد يتعرّض لتغير مناخي"، مشدداً على "أهمية تنويع مصادر المياه عبر التحلية وإعادة تدوير المياه (استخدام مياه الصرف المعالجة للأغراض التي لا يوجد فيها اتصال بشري مباشر، مثل الري والمراحيض وتجديد مصادر المياه الجوفية)، وتغيير أنماط الاستهلاك وترشيدها في العديد من القطاعات. الأمطار بددت شبح الجفاف لكنها لم تبدد خطر العطش الذي يبقى حاضراً في ظل المخزون القليل وزيادة خطر التبخر جراء الحر".
ويرى أن "سلطات تونس مطالبة بالتفكير جدياً في تغيير أشكال تخزين المياه السطحية في السدود وذلك من خلال الاستثمار في تقنيات جديدة لتجميع المياه من بينها الأحواض المغطاة"، ويقول إن "الأحواض المغطاة تساهم في الحد من تبخر المياه بنسبة 90%، كما أن كلفة تغطيتها لا تتجاوز الـ5% من كلفة المياه المهدورة جراء تعرّض المياه للحرّ والتبخر"، ويشير إلى أن "الواقع في تونس بات يتطلب مراجعة حتمية لأشكال تخزين المياه أمام ما تشهده السدود من تبخر، ويصل حجم المياه المهدورة إلى 32% من الكميات التي تتولى توزيعها".
ومنذ سبتمبر/ أيلول 2023، سجّلت تونس تساقطات مطرية قدرت بـ110 ملايين متر مكعب فقط من الأمطار، أي ما يعادل خمس المعدّل الطبيعي من التساقطات الشتوية. ويقول كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة والموارد المائية المكلف بالمياه رضا قبوج إن "تغيّر المناخ وتوالي سنوات الجفاف والارتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة أدت إلى زيادة تبخر مياه السدود، وبلغ قرابة 650 ألف متر مكعب في اليوم"، ويبين خلال جلسة استماع عقدتها لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والمائي في البرلمان أن "كل هذه العوامل ساهمت في التراجع التاريخي للمخزون المائي في السدود الذي بلغ حوالي 700 مليون متر مكعب، ما يمثل نسبة امتلاء تقدر بـ30%، وهي أدنى نسبة شهدها المخزون المائي في تونس".
ويؤكد أنّ جهود الوزارة متواصلة لإيجاد حلول لهذه الأزمة والتزود بالمياه الصالحة للشرب مع تشغيل محطة لتحلية مياه البحر في محافظة صفاقس، جنوب شرق البلاد. لكن الجهود الحكومية لتأمين المياه لا تمنع استمرار معاناة سكان المناطق المهمشة والأقل حظاً في الحصول على المياه، حيث تشهد عيون الماء التي تعد مصدرهم الأول تراجعاً في منسوبها بسبب الجفاف".
ويقول منسّق المرصد الوطني للمياه علاء مرزوق إن "التقصير المتواصل في معالجة أزمة المياه وتأخير حلول إعادة تدوير المياه وترشيد استغلالها وتوزيعها بين القطاعات يفاقم العطش في المناطق المهشمة والأرياف وحتى المدن"، ويرى أن "قرار تقسيط المياه لا يمكن أن يعالج أزمة مركبّة بل يزيد في تحميل المواطنين أعباء العطش ويقلّص حظوظهم في الحق في المياه".
يضيف مرزوق: "يعاني مواطنون من العطش منذ أكثر من خمس سنوات في منطقة هماد الريفية بمحافظة القيروان بسبب تأخر حفر بئر"، ويوضح أن "ضعف الاستثمارات في المياه من قبل وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري يعد مؤشراً خطيراً للغاية"، مضيفاً: "تتجه غالبية دول العالم إلى تحصين مواردها المائية ودعمها بحسن التصرف فيها وإعطائها الأولوية، بينما تتراجع في تونس الاستثمارات في مجال الصرف الصحي وتحسين نوعية مياه الشرب من خلال شبكة توزيع واستغلال المياه".
وفي إبريل/ نيسان 2023، أصدرت وزارة الزراعة قراراً يقضي بالحد من استعمال المياه الصالحة للشرب لأغراض زراعية وريّ المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسيل السيارات، وباعتماد نظام الحصص لتوزيع المياه على السكان، وأعادت القرار إلى تواتر سنوات الجفاف وضعف الإيرادات في السدود، ما انعكس سلباً على مخزونها المائي.