أحمد سمير... العودة إلى الديار تنسيه ذراعه الضائعة

07 سبتمبر 2017
لا يخفي قلقه على منزله (العربي الجديد)
+ الخط -
أسعدته أخبار قرب عودته إلى الديار، فهو سوف ينتهي من الخيام الممزّقة التي لم تحمهم من تقلّبات المناخ، ومن الرياح الحارة التي حرقت وجوههم، ومن أحواض المياه الملوّثة التي يشربون منها ويغتسلون فيها ويستخدمونها لإعداد الطعام. وسوف ينسى من دون شك ما يشعر به من حزن على ذراعه التي فقدها بعدما قطعها له تنظيم "داعش" تنفيذاً لعقوبة صدرت بحقّه قبل عامين، على أثر محاولته الفرار من مدينته التي يحتلها "داعش" إلى أخرى مجاورة تسيطر عليها قوات الأمن العراقية.

إنّه أحمد سمير (40 عاماً) الذي يقيم منذ نحو عامَين مع عائلته في مخيّم الرحمة للنازحين العراقيين جنوبيّ العاصمة بغداد. يقول كلّه أمل بأنّ "تحرير مدينتنا سوف يعيدنا إليها خلال أسابيع"، غير أنّه لا يستطيع إخفاء قلقه من أن يكون منزله قد تهدّم مع المنازل الأخرى. لذا يفكّر بحمل الخيمة نفسها التي تؤويهم اليوم معه، حتى ينصبها على أنقاض منزله في حال كان قد تهدّم فعلاً. ويؤكد: "مدينتي هي وطني. أريد فقط مغادرة هذا المكان، وسوف يكون ذلك قريباً بالتأكيد".

في مخيّم الرحمة، لا تبدو الرحمة في أيّ مكان. كلّ شيء يعبّر عن قسوة وإهمال، فالناس يكادون ينسون الكهرباء في حين أنّ المياه تصلهم في مركبات كبيرة من نهر دجلة، عادة، وتكون غير معقمة.

قبل التهجير، كان سمير من أكثر حدادي مدينة الحويجة مهارة، وكان ربحه كبيرا ومن الأشخاص المرغوب بوجودهم في المدينة. يقول: "سوف أعود وأحاول العمل بذراع واحدة. لو كنت نجّاراً لكانت المهمة أسهل، لكنّني سأتدبر أمري بالتأكيد وسوف أوظف من يساعدني، فالعقل ما زال يعمل وهو الأهم". يضيف: "ابني صار شاباً، لكنّني لن أسمح لنفسي بالتفكير بإخراجه من المدرسة ومساعدتي. لن أكرر الخطأ الذي اقترفته بحق نفسي".
تجدر الإشارة إلى أنّه في بعض الأحيان، يفكّر سمير بتركيب يد صناعية، إلا أنّه يتردد بسبب تكلفتها التي تزيد عن أربعة آلاف دولار أميركي.

على بعد كيلومترَين، تتوزّع عشرات المنازل العائدة إلى عراقيين معظمهم من الطبقة الفقيرة، إلا أنّهم يقدّمون في بعض الأحيان المساعدة إلى النازحين. قبل أسابيع على سبيل المثال، هبّت عاصفة رملية، فدعا هؤلاء أهل المخيّم للدخول إلى منازلهم والمبيت فيها حتى الصباح. ويشير سمير إلى أنّ "ثمّة بيوتا لأغنياء موجودة في المنطقة نفسها، إلا أنّ هؤلاء أغلقوا أبوابهم ولم يفكّر بنا سوى الفقراء". ويقول سمير: "سوف تولّي هذه الأيام وأعتاد العيش بذراع واحدة وأنسى سواد ما نعيشه والوجع، لكنّ معروف كلّ من ساعدنا سوف يبقى حاضراً".

المساهمون