أحلام أندلسية

12 نوفمبر 2015
ومطامعي في الدنيا بيت صغير في قُرطبة (Getty)
+ الخط -
مطامعي في الدنيا بيت صغير في قُرطبة، شبابيكه زرق وحيطانه بيضاء ناصعة.. بيضاء جداً.. و تعرفه الشمس. وزوجة عربية فصيحة أندلسية شعر أسود وعيون عسلية.. ونافورة تتوسط قلبي محاطة بورود جورية وكأس شاي مغربي منعنع يقهر الهيل بنكهته العربية.


وظل نخلة خلف الدار تسقط ثمرها على ساحة البيت الخلفية.. وقطة بيضاء كسولة بنفس عمر ورود الدَّرَابزين البنفسجية، وفي الطابق العلوي قفص سماوي أزرق لكناري خفيف أصفر اللون والصوت، وللخيل طريق يمر بالباب فيطرق بأرجله حجر الأرض.. إيقاع يدق ذكريات حرية أندلسية.

يزين بابي مطرقة لقرع الباب نحاسية ولا مكان هنا لضجيج الأجراس الكهربائية.. أهلاً وسهلاً بكم.

أول من يحتضنك يا ضيفي قوس مزخرف بترف يذكر الداخلين ان أصل الجمال التزام.. زخرفة بحرفية.. محفورة بإسلامية.

ثلاثة أمتار من الجنة الخضراء.. إنها حديقتي الأمامية اخاطب من خلالها جلال الطبيعة وأذكر الله أمام جمال وردة بيضاء بخطوط وردية.

ومخدع للإيمان محصور بالغرفة اليمنى بعد المدخل.. مكتبتان تستندان إلى الحائط الأولى تجمع كل عالم الفنون والأخرى فارغة لمستقبل عقل سينضج هناك.. فيملأها من جديد.

وسجادة صلاة ممددة بزاوية تقية، زخرفتها بدقة فارسية.. أمامها قرآن محمول بغلاف قرمزي دافئ وبقبل خاشع بالليل ينام على حاملته الخشبية.. وخارطة للعالم عليها أسماء بلاد الكل بالعربية.. تأكل كل الحائط وتستقبل انعكاس الشمس يومياً من شباك صريح الطلة.

ومجسمات فنية غربية تفعل ايقاعات في الغرفة بصرية.. و للوحات الخط نصيب على حائط خلف مكتب حكيم من خشب الزيتون وكراسي صغيرة مبطنة خشبية.

حراس بيتي دوماً هم الورود ونباتات ملتوية، ستجدهم بعد كل خرير ماء.. هذه ماسورة ماء تعطي الحياة بصوتها لزاوية البيت المنسية.

في الطريق لحمامي انظر لقبة بيضاء فوقه تميز منزلي .. السقف مثقوب عمداً وبحرفية سدت ثقوبه بزجاج تلون، استلقي على بطني واستمتع بتلصص من أعمدة الشمس بين غيوم بخار الماء المعطر.. هنا تتفكر وتعود بالماء والبخار نسمات جلدك للحياة ومن هنا بوابة العبادة الإسلامية انها الطهارة الارستقراطية.

ويزداد الحر ويلتهب جسدي لأستيقظ.. كمن وقع من جبل على وحل من عرق.. فأدير زر مكيف الهواء مطأطئاً رأسي على ما فقدت من حُلم وعلى واقعي الآن.. إنها حياتي البلاستيكية ويبقى الحلم حاضراً هنا في عقلي فقد حسمتها منذ زمن.

لئن سقطت كل ممالك الدنيا أمامي لن تسقط الأندلس التي في داخلي. 
أشعل التكييف وأعود للنوم.

(فلسطين)
دلالات